أصدرت الدائرة الجنائية "ه" – بمحكمة النقض – حكماَ في غاية الأهمية ببراءة شخص من تهمة حيازة مخدر الهيروين، رسخت فيه عدة قواعد بشأن التفتيش الرضائي، قالت فيه: "التفتيش الرضائي له أصول وقواعد وتضيق الخناق على الأشخاص يُعد نوعاَ من التفتيش لا يصح أن يوصف بالرضا، كما أن التفتيش بعامل الخوف والقهر غير جائز".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 27209 لسنة 86 القضائية، لصالح المحامى جورج أنطون، برئاسة المستشار عابد راشد، وعضوية المستشارين أحمد أحمد خليل، وأحمد محمود شلتوت، وعصمت أبو زيد، وخالد فتح الله، وبحضور رئيس النيابة العامة لدى محكمة النقض أحمد عبدالله، وامانة سر أحمد إبراهيم.
الوقائع.. الحكم على متهمين بالسجن 10 سنوات لاتهامهما بحيازة مخدرات
اتهمت النيابة العامة الطاعنين في قضية الجناية رقم 10990 لسنة 2015 الوراق، والمقيدة برقم 4679 لسنة 2015 شمال الجيزة، بأنهما في يوم 28 من يوليه سنة 2015 بدائرة القسم، المتهمان حازا وأحرزا بقصد الاتجار جوهراَ مخدراَ "الهيروين" في غير الأحوال المصرح بها، كما أن المتهم الأول أحرز سلاح أبيض – مطواه – دون أن يوجد لحمله أو إحرازه أو حيازته مسوغ قانونى أو مبرر للضرورة المهنية أو الحرفية.
وأحالتهما النيابة العامة إلى محكمة جنايات الجيزة، والتي قضت حضورياَ بمعاقبتهما بالسجن المشدد لمدة 10 سنوات وتغريم كل منهما 100 ألف جنية عما أسند إليهما ومصادرة الجوهر المخدر والسلاح الأبيض المضبوطين، فطعن المحكوم عليه الثانى – بشخصه – في هذا الحكم بطريق النقض.
المتهمين يطعنان لإلغاء الحكم
فيما نعى الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز عقار الهيروين المخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي قد شابه قصور وتناقض في التسبيب وفساد في الاستدلال والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه حرر في صورة مبهمة وبصيغة عامة معماة، كما خلا من بيان مكان وزمان الواقعة ولم يورد الوقائع الوقائع التي سردها بأسباب طعنه، هذا إلى أن الحكم لم يدلل تدليلاَ كافياَ على توافر الركنين المادى والمعنوى للجريمة التي دانه بها، كما خلا من بيان قصد الطاعن من إحراز المخدر، كما أن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان القبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس لكون الضابط لم يبين نوع السلاح الأبيض وأين كان يحتفظ به الطاعن، إلا أن الحكم اطرح هذا الدفع بما لا يسوغ، وعول على أقوال الضابط رغم عدم معقولية تصويره للواقعة وانفراده بالشهادة دون باقى أفراد القوة الذين حجبهم عنها، ولم يورد تقرير التحليل بصورة وافية، كما أغفلت المحكمة ما آثاره الطاعن بشأن اختلاف وصف الأحراز المضبوطة، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت – أنه لما كان من المقرر أن إجراءات التحريز إنما قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلاناَ بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل، وإذ كان مفاد ما أورده الحكم هو أن المحكمة اطمأنت إلى أن المخدر الذى ضبط مع الطاعن هو بذاته الذى سلم للنيابة العامة وتم تحليله ووثقت بسلامة إجراءات التحريز فإن النعي على الحكم في هذا الوجه ينحل إلى جدل موضوعي لا يقبل إثارته أمام محكمة النقض.
المحكمة تؤيد الحكم على المتهم الأول
لما كان ذلك – وكان الثابت مما أورده الحكم في بيان واقعة الدعوى أن ضبط المخدر مع الطاعن في الوقت الذى ضبط فيه حائزاَ سلاحاَ أبيضاَ – مطواه – دون ترخيص – لا يجعل هذه الجريمة الأخيرة مرتبطة بجناية إحراز المخدر ارتباطا لا يقبل التجزئة بالمعنى المقصود في المادة 32 من قانون العقوبات، ذلك أن جريمة إحراز سلاح أبيض – مطواة – بدون ترخيص هي في واقع الأمر في صورة الدعوى المطروحة – جريمة مستقلة عن هذه الجناية مما يوجب تعدد العقوبات وتوقيع عقوبة مستقلة عن الفعلين.
وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأعمل المادة 32/2 من قانون العقوبات، وأوقع عليه عقوبة جريمة إحراز المخدر باعتبارها الجريمة الأشد دون جريمة إحراز سلاح أبيض – مطواة – بدون ترخيص التي يجب توقيع عقوبة مستقلة عنها، فإنه يكون معيباَ بالخطأ في تطبيق القانون، مما يوجب تدخل محكمة النقض لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح، إلا أنه لا محل لذلك لأن الطعن مقدم من الطاعن وحدة دون النيابة العامة، ولا يصح أن يضار الطاعن بطعنه، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناَ رفضه موضوعاَ.
المحكمة تبرئ المتهم الثانى لتفتيشه دون رضاه
وبالنسبة للطعن المقدم من الطاعن الثانى، حيث أن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون ومن حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة إحراز عقار الهيروين المخدر بغير قصد الاتجار أو التعاطى أو الاستعمال الشخصى قد شابه الخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه أقام قضاءه برفض الدفع ببطلان القبض والتفتيش على سند من أن الطاعن قدم المخدر للضابط طواعية واختياراَ مع أن الثابت بمحضر الضبط أن الطاعن لم يقدم فارغ علبة السجائر التي تحوى المخدر للضابط إلا بعد أن ضيق الخناق عليه وهو ما لا يعد تخلياَ إرادياَ، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
المحكمة: تضيق الخناق على الأشخاص يُعد نوعاَ من التفتيش لا يصح أن يوصف بـ"الرضا"
لما كان ذلك – وكان المقرر أنه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم بدون وجه حق وكان من المقرر أيضاَ أن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها، وكانت الواقعة حسبما أثبته ضابط الواقعة بمحضره وشهد به بتحقيقات النيابة العامة ليس فيها ما يدل على أن المتهم قد شوهد في حالة من حالات التلبس المبينة حصراَ بامادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي لا يوفرها مجرد إبلاغ المصدر السرى لضابط الواقعة بإحراز الطاعن للمواد المخدرة طالما أن البين من الأوراق أن الضابط لم يدرك هو بنفسه بآية حاسة من حواسه وقوع تلك الجريمة ولم يتبين أمر المخدر، وكان إخراج الطاعن ما يخفيه بملابسه من مخدر – بعد تضيق الخناق عليه من قبل ضابط الواقعة – هو نوع من التفتيش لا يصح أن يوصف انه كان برضاء من الطاعن إنما كان مكرهاَ مدفوعاَ إلى ذلك بعامل الخوف من تفتيشه قهراَ عنه، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى قضاءه على صحة هذا الإجراء، فإنه يكون قد اخطأ في تطبيق القانون وتأويله بما يوجب نقضه.
لما كان ذلك – وكان بطلان التفتيش مقتضاه قانوناَ عدم التعويل في الحكم بالإدانة على أي دليل يكون مستمداَ منه، بالتالي لا يعتد بشهادة من قام بهذا الإجراء الباطل، ولما كانت الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه لا يوجد فيها من دليل سوى أقوال ضابط الواقعة الذى قام بالإجراء الباطل فإنه يتعين الحكم ببراءة الطاعن عملاَ بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ومصادرة المخدر المضبوط .
8