نواصل قراءة مشروع المفكر العربى الكبير محمد عابد الجابرى ونتوقف اليوم مع كتابه "ابن رشد سيرة وفكر".
ويناقش الكتاب الذى صدرعام 1998 فكر ابن رشد، فيلسوف قرطبة وقاضى قضاتها، أبو الوليد مفكر، فيلسوف، عالم، مجتهد جمع بين العلم والفضيلة، حيث كان يجسد بحق الفكرة التى قال بها سقراط، وهى أن المعرفة أساس الفضيلة، فالعالم لا يكون إلا فاضلاً فى تصور سقراط، وابن رشد كان بحق أحد أولئك القلائل الذين اقترن لديهم العلم بالفضيلة، ليكون حكمه ويكون صاحبه حكيماً.
وهذا الكتاب هو فى سيرة ابن رشد وفكره، سلك فيه الباحث مسلكاً خاصاً، فجمع بين حكاية السيرة الذاتية لهذا الفيلسوف والتعريف بفكره من خلال أهمّ كتبه، فى الفقه وأصول العقيدة والفلسفة والعلوم والطب والسياسة. ويقول الباحث بأن هذا المسلك فرضه عليه ابن رشد نفسه، لكون سيرة ابن رشد الذاتية هى مسيرته العلمية نفسها، فلا يمكن الحديث عن الواحدة منها بمعزل عن الأخرى.
فقد نشأ فى بيت كان أهله "إلى العلم أميل" كما يقول من ترجموا لهذا البيت، فانقطع منذ صغره للدراسة، فلما بُلغ أشده "فى العلم، بدأ التدريس والتأليف والبحث العلمى إلى أن توفي، عن عمر يناهز خمس وسبعين عاماً قضاها كلها فى الدراسة والتدريس والبحث والتأليف.
ويمكن القول بأنه ومن خلال هذا الكتاب وغيره من الكتب التى دارت حول ابن رشد ومؤلفاته والتى صدرت فى السنة التى قررت عدة جهات أكاديمية، عربية ودولية، إطلاق ابن رشد عليها، احتفاءً بمرور ثمانية قرون على وفاة هذا الفيلسوف العربى الكبير، نقول أنه ومن خلال هذا الكتاب وغيره يمكن استعادة ابن رشد الفقيه، وابن رشد الفيلسوف، وابن رشد العالم.
وتلك ضرورة تمليها، ليس فقط المكانة المرموقة التى يتبوؤها هذا الرجل فى تاريخ الفكر الإنسانى والتى غابت فى فكرنا العربي، بل تمليها كذلك حاجتنا اليوم إلى ابن رشد ذاته: إلى روحة العلمية النقدية الاجتهادية، واتساع أفقه المعرفي، وانفتاحه على الحقيقة أينما تبدت له، وربطه بين العلم والفضيلة على مستوى الفكر ومستوى السلوك سواء بسواء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة