كنت أستغرب كثيرًا، وأنا أحقق في حوادث "قتل الأبناء لأمهاتهم"، فكيف لابن يقتل سيدة منحته الحياة، وعاشت حياتها كلها تعطي بحب، ولو طلبوا منها أن تمنحه روحها ما ترددت، فهي الأم مصدر الحنان، تعطي بلا حدود، وتمنح بلا توقف.
كنت أتابع هذه النوعية من الحوادث، على يقين بأنها جرائم فردية، صدرت من أشخاص غير أسوياء، انحرفوا سلوكيًا، أو ضعفوا ووهنوا تحت تأثير مواد مخدرة، تتلاعب بالعقول، فتعطل تفكيرها، ليصبح وقتها الدم سهلًا، حتى لو كانت دماء أقرب الناس لقلوبنا.
وتأكيدًا على أن هذه الوقائع فردية، واستثناء لا قاعدة، كانت قصص الحب والدفء بين الأبناء والأمهات تملأ منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه فطرة إنسانية أودعها الله بين الطرفين، فلا شيء يساوي قيمة حب "ست الحبايب"، فلا أحد يشغل مكانها، لا زوجة ولا ابنة ولا صديقة ولا قريب ولا بعيد، هي منطقة خاصة محجوزة لها.
هذه المعاني تجسدت على أرض الواقع، في قرية الصانية التابعة لمركز ديرب نجم بالشرقية، التي سطرت قصة من دراما الواقع، عندما بدأ المرض يتسلل لجسد سيدة بلغت من العمر أرذله، تخطى عمرها الستين عامًا، بعد رحلة عطاء وكفاح كبير.
مرض الأم أصاب ابنها بحزن شديد، فدعواته لا تهدأ، وبحثه عن العلاج لا يتوقف، وحديثه مع الأم لا ينقطع، محاولًا تحويل الألم لأمل، لكن المرض كان هو الأقوى، ينهش في جسد "ست الحبايب" يقف الطب عاجزًا عن علاجها، فيتسلل الألم لقلب ابن طالما تعلق بوالدته، رغم تخطيه السابعة والعشرين عامًا.
الحزن الذي حاصر حياة الابن، كان كفيلًا بقتله، لتصعد روحه لبارئها حزنًا على "ست الحبايب"، ليتسلل الخبر لوالدته، فتموت حزنًا ـ هي الأخرى ـ على فراق ابنها، ليذهبا الاثنان معًا إلى دار الأخرة، فقد عاشا معًا، ورحلا معًا، في مشهد أصاب الجميع بالحزن على فراقهما.