- دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الدينى جاءت فى وقتها الصحيح ولقيت قبولا لدى العالم كله
- طلب فرنسا التعاون مع مصر لمكافحة التطرف يدل على أننا خطونا خطوات كبيرة جدا وأصبحنا بيت الخبرة فى كيفية معالجة قضايا التطرف والإرهاب
- الإسلام لم يحدد نظاما للحكم بل ترك مساحة واسعة للناس ليتصرفوا فى شؤونهم
- حسن البنا يرى أن أمور الحكم من أصول الدين وهذا خلل فى المنهج
- الإخوان هى «أم تنظيمات التطرف والإرهاب» ونهايتها بدأت فى ثورة 30 يونيو
- ما حققته الدولة من إنجازات فى كل المجالات قضى على خطاب الجماعة
- إذا كان «التحفيل» بين مشجعى الفرق الرياضية يعنى السخرية من بعضنا البعض فإن النصوص الشرعية تنهى تماما عن إيذاء الإنسان لأخيه أو السخرية منه
- نتلقى نحو 300 قضية محكوم فيها بالإعدام من المحاكم فى العام.. وأقرأ كل تفاصيل الأوراق ولا مجال للعاطفة أثناء نظرها
- أصدرنا ما يزيد على 500 تقرير منذ عام 2014 من خلال مرصد الفتاوى التكفيرية لتفنيد آراء وفتاوى الجماعات الإرهابية
- البعض يستخدم الطلاق فى غير موضعه ونحتاج لوجود شهود عليه حتى تكون منظومة متكاملة
- لا مانع من التبرع بالأعضاء ونحترم وصايا المتبرعين
قضايا متعددة ومتنوعة على الساحتين الفكرية والدينية، تناولتها ندوة موسعة، على مدار ساعتين، لفضيلة الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، بمقر جريدة «اليوم السابع»، كشف خلالها آخر ما توصلت إليه دار الإفتاء فيما يتعلق بتجديد الخطاب الدينى، بالإضافة إلى فضح فكر جماعة الإخوان الإرهابية، كما تطرق الحديث إلى تداعيات أزمة الرسوم المسيئة الأخيرة، وما يتصل بعدد قضايا الإعدام التى تحال لها من المحاكم المصرية سنويا، وكيفية قراءة أوراق القضايا والتعامل معها.. وإلى تفاصيل الندوة:
فى أكثر من مناسبة دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى تجديد الخطاب الدينى، باعتبار أن ذلك أصبح فريضة ملحة لمواكبة مقتضيات ومشكلات عصرنا.. برأيك إلى أين وصلت كل محاولات تجديد الخطاب إلى الآن؟
منذ اليوم الأول لإطلاق رئيس الجمهورية نداءه بتجديد الخطاب الدينى، وكان هذا فى الاحتفال بالمولد النبوى والشريف، لا تزال هذه الدعوة متكررة فى مناسبات عديدة، وأظن بأن هذه الدعوة أصبحت الآن عالمية ولم تعد محلية، وإنما يحتاج العالم كله إلى هذه الدعوة، ونحن عندما سافرنا إلى كثير من الدول وجدنا صدى دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الدينى، وأنها تلقى قبولا، خاصة أن العالم فى احتياج إلى مثل هذا الطرح، بل العالم فى حاجة إلى مصر وإلى الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية فى مصر، وقد شهدنا خلال زيارة الرئيس إلى باريس، أن فرنسا أعربت عن حاجتها إلى التعاون مع مصر من أجل مكافحة التطرف والإرهاب، وأظن أن طلبا مثل هذا الأمر من دولة كبيرة كفرنسا بالنسبة لمصر، يعطينا دلالة على أننا قد خطونا خطوات كبيرة جدا، وأصبحنا بمثابة بيت الخبرة فى كيفية معالجة قضايا التطرف وقضايا الإرهاب.
ونحن عملنا على محورين كانا أساسا فى معالجة قضايا التطرف من قديم الزمان، ولو رجعنا إلى التاريخ سنجد أن فرقة الخوارج عولجت فى زمنها بنفس المحورين أيضا، وهما محور المعاملة الفكرية، حيث الفكر يقابل الفكر، وهو ما قام به سيدنا عبدالله بن عباس رضى الله عنهما، وفى الناحية الأخرى الطرح الأمنى الذى يقف حائلا دون تغلغل مثل هذه الأفكار وأى هدم لحركة إرهابية أو نشاط متطرف إرهابى ينبع من فتوى صادرة، وهذه الفتوى يتم تلقفها وتصير هى المرجعية والشرعية، ولذلك هذه الدعوة مقدرة من الرئيس لتجديد الخطاب الدينى فى هذا الوقت الذى يمر به العالم بهذه الظروف الاستثنائية، ونحن نقدرها كثيرا ونرى أنها جاءت فى وقتها، ونحن تحملنا هذه المسؤولية فى دار الإفتاء وبالفعل فى يناير من عام 2014 أنشأنا مرصدا للفتاوى التكفيرية والآراء الشاذة، لإيماننا نحن فى دار الإفتاء بأن العلم هو الأساس فى تفسير أى ظاهرة وفى معالجة أى ظاهرة، ولذلك لا بد من رصد ما يدور على الساحة من فتاوى تكفيرية وآراء متشددة، ثم وضع ما يتم رصده تحت بؤرة التحليل العلمى والخروج بنتائج من ذلك، ونحن نعمل وفق هذه الاستراتيجية من 2014 إلى وقتنا هذا، وأصدرنا فى تلك المدة ما يزيد على 500 تقرير من خلال مرصد الفتاوى التكفيرية، وبعض التقارير كانت محل اهتمام عالمى، ومحل اهتمام لمراكز بحث فى أمريكا وبريطانيا على وجه التحديد، والكثير منها صار مرجعا للعديد من رسائل الدكتوراه.
كما أن دار الإفتاء انتهت من كتاب يعتبر مشروعا عملاقا وكبيرا، بعنوان «الدليل المرجعى لمواجهة ومكافحة التطرف»، وهو كتاب يعطى جانبا نظريا فى مواجهة أفكار التطرف، فضلا عن جانب المجابهة والمواجهة والإجراءات التى يمكن أن نأخذها فى ذلك الجانب، وهذه أول مرة نعلن فيها عن هذا الكتاب، والذى يقع فى أكثر من 1000 صفحة ومصمم على هيئة دليل، وقد درسنا الأدلة الصادرة عن اليونسكو والأمم المتحدة والجامعات ومراكز الأبحاث وعملنا على نفس المنوال ليكون مرجعا لكل الهيئات والمؤسسات المعنية بمكافحة التطرف، ونسعى ليكون إلكترونيا، إلى جانب تصميم برنامج سيكون عونا لشبابنا ويعطى تحصينا ووقاية لهم، وربما يعطى علاجا لحالات حدثت بالفعل.
كذلك انتهينا من المرجع الثانى، وهو مهم وصدر بعنوان «التأسلم السياسى»، عبارة عن دراسة فى أكثر من 500 صفحة، تدور حول فكرة أساسية وهى رصد وتتبع محاولات ووقائع استغلال الدين فى السياسة على مر التاريخ، ومنها تفسير الإخوان على مر التاريخ لدليل المصلحة وهو دليل شرعى كبير، ومن خلال هذا الكتاب استطعنا أن نصل إلى نتيجة بأن استغلال الدين للوصول للأغراض السياسية لم ينجح على مر التاريخ فلم ينجح عند الخوارج وكذلك الإخوان.
فنهاية الإخوان بدأت فى ثورة 30 يونيو، وما اتخذته الدولة من مواقع عديدة، وما حققته من نجاحات، ومع هذه النجاحات لم يعد الخطاب الإخوانى ينطلى على أحد، وذلك بناء على الإنجازات التى حققتها الدولة فى كل المجالات، وبفعل اليقظة الدولية التى بدأت فى المرحلة الأخيرة.
هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وكذلك مجلس الإفتاء الشرعى بالإمارات، أعلنا أن الإخوان جماعة إرهابية.. ما جعل البعض يتساءل لماذا لم يصدر
بيان مماثل من قبل كبار العلماء بمصر.. ما ردكم فضيلة المفتى؟
لا فصل بين الإخوان وبين التنظيمات المتعددة الأسماء على مستوى الساحة، فالإخوان بمثابة الأم والمغذية بأفكارها لكل تلك المجموعات الموجودة، وكلها تنتمى إلى مصدر واحد، ونحن رصدنا ذلك بالأدلة، ولعل ما اتخذناه من إجراءات عديدة يوضح ذلك، فعلى سبيل المثال نحن أصدرنا تقريرا من 21 صفحة، يقول إن فكرة السلمية عند الإخوان فكرة مزعومة وكاذبة، وأن جذور العنف والإرهاب متأصلة فى فكر الجماعة.
من الملاحظ أن أغلب الفتاوى الواردة إلى دار الإفتاء من النساء، فلماذا لا تبادر الدار بإعداد مفتيات مدربات؟ وهل يوجد ما يمنع شرعا من تولى المرأة
لماذا تحولنا إلى مستهلكين للفتاوى ونسأل حتى فى صغائر الأمور؟
باتفاق الأمة لا يوجد منهج شرعى بأن المرأة لا تكون متصدرة للفتوى، بل وارد عن سيدنا رسول الله أنه أمرنا أنا نأخذ هذا العلم عن أمنا عائشة رضى الله عنها، وبناء على ذلك فإن هذا يعطى المرأة المحل اللائق بها منذ أول الرسالة، ولو نظرنا فى سند العلوم سنجد المرأة حاضرة فى الفقه والتوحيد والنحو إلى آخره، ونحن فى دار الإفتاء لم نهمل هذا الجانب، بل أدخلنا منذ عام 2014 العنصر النسائى، وستراه فى إدارات عديدة فى الدار، وكذلك فى لجنة الفتوى الشفهية، هناك متخصصة وهى حاصلة على دكتوراه تجلس لتفتى فى الأمور الخاصة التى يتحرج الرجل فى الكلام فيها، ولا يوجد مانع شرعى، أما قضية استهلاك الفتوى من قبل الشعب المصرى فأنا لا أراه فى جانبه السلبى، وإنما فى جانبه الإيجابى، وهو أننا استطعنا فى خلال تلك الفترة من الزمان أن نأخذ الشعب معنا نحن بدلا من أن نتركه لجماعات غريبة عن المجتمع المصرى.
كان لك مواقف واضحة فيما يتعلق بقضية الرسوم المسيئة للرسول، ولكن الشارع لديه شعور مختلف، فكيف سترشد الناس فى هذا الاتجاه فى ظل المشاعر المنفعلة؟
الرسول عليه الصلاة والسلام هو القدوة وسيد البشر والنموذج الكامل المتمثل فى البشر، ولا شك أن أى إساءة للرسول تؤذى مشاعرنا جميعا، ونحن قمنا بإدانة مثل هذه الإساءات من البداية، حينما أصدرت إحدى المجلات الفرنسية مثل هذه الرسوم منذ أعوام، وما زلنا ندين ذلك فى كل محاولة مسيئة، ونتخذ من الإجراءات ما يوضح المسألة وقدمنا عدة مبادرات لتوضيح الصورة فى شخص وأخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام، ونرى أن تقديم الأخلاق والنموذج والتعريف بالرسول مفيد فى هذه المواقف، ونحن فى حزن لصدور مثل هذه الرسوم، ولكن مع ذلك لا نقف مكتوفى الأيدى ولا بد من إظهار الوجه الحضارى للإسلام والرسول، وهذا هو الأساس فى انتشار الإسلام فى بقاع عديدة من الأرض، وخاصة فى دول لم يدخلها أى جنود من جيوش المسلمين، مثل ماليزيا وإندونيسيا، ولا شك أن الذى أدخل الإسلام هناك تاجر أمين لم يتكلم كثيرا ولم يفصح عن هويته إلا بالأخلاق والمعاملة الرشيدة، ليسأل الجميع عن الشخصية الجديدة، وكل هذه المعانى أثارت تحركات وقناعات نتج عنها دخول هؤلاء الناس للإسلام، وبالتالى الوجه الحقيقى الحضارى للإسلام هو الأساس، فى دفع أى فكرة يمكن أن تؤذى الإسلام أو أحد رموزه، ولكن هناك جانب آخر، حينما تعاملنا مع تصريحات صدرت من بعض الدول، هذه التصريحات تقول إن هناك أزمة فى بعض البلدان مع المسلمين الذين يعيشون على أرضها، ولم يندمجوا بشكل كبير، ولديهم تقوقع وانعزالية، لدى البعض منهم ما يعرقل مسيرة العيش المشترك ومسيرة الدولة.. ونحن تحدثنا وقلنا إننا عقدنا مؤتمرا فى 2016 لمعالجة هذه القضية وخاصة فيما يتعلق بالخطاب المأزوم فى بعض الدول الأوروبية، ودعونا لمؤتمر فى الإفتاء المصرية بعنوان «التكوين العلمى والتأهيل الإفتائى لأئمة المساجد فى الغرب والأقليات المسلمة بالغرب»، وأوجدنا الكثير من التجارب التى تحتاج لمراجعة، وقلنا إن البعض يحتاج لتدريب وصقل مهارات معينة، ليفهم الجميع الوجه الحضارى للإسلام الذى عاش فى كل مكان سواء كان المسيحيون فى الحبشة، أو العيش مع مشركى مكة فى منتهى الرقى، فى ظل الإيذاء من أهل قريش للإسلام والمسلمين، ولا يوجد أحد تعرض للأذى مثل الرسول صلى الله عليه وسلم من مشركى مكة، حتى كاد الناس يموتون، ورغم ذلك لم تثن تلك المواقف الرسول عن اتخاذ التدابير والمواقف التى تظهر سمو وروح وعظمة الإسلام فى أنه يريد الهداية للناس جميعا، ومع ذلك قال «اللهم اهد قومى إنهم لا يعلمون فإننى لا أريد أن يخرج من صلب هؤلاء من لا يعبد الله».. ولذا يجب أن نظهر الأخلاق الكبيرة والتعامل ونجسد التكليف الشرعى على الأرض.
نعانى فى السنوات الأخيرة من فوضى فى الفتاوى.. برأيكم من له الحق فى الإفتاء وما هى المعايير وهل تؤيد إصدار قانون لتنظيم الفتوى، ولماذا لم تتقدم الدار بذلك؟
الفتوى صنعة، وتحتاج لكى تتم الصنعة إلى مرحلتين، الأولى هى التكوين، الذى يناله الطالب فى مراحل عديدة من الزمان، تستغرق وقتا طويلا، والتكوين العلمى لا يأتى بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى زمن، ومجرد التحصيل العلمى ليس كافيا للتصدر للفتوى، ولا بد من مرحلة تأهيل، وهى المرحلة الثانية، وتمثل خبرة إفتائية، حيث تقوم الفتوى على 3 مقومات هى إدراك النص الشرعى، ومعرفته، وكيفية فهمه، عبر 4 أسئلة، وهى «هل وماذا ولماذا وكيف»، وهذه الأسئلة تعطى سعة فى الأفق ومرونة للتعامل مع النص الشرعى.. وعلامات الاستفهام يجب وضعها فى إطارها الكلى.. ويجب الحفاظ على مقاصد الشريعة ونريد الوصول للكليات، والإمام الشاطبى، بلور أفكاره فى كتاب الموافقات فى أصول الشريعة، الذى يعطى فكرة للوصول لإطار يمكن العيش من خلاله، وينبغى أن نحافظ على المبادئ الكلية والمقصودة وإعمال المصلحة المرسلة، والحفاظ على المقاصد الخمس، والأديان والأنفس والأموال.. ولذلك وقفنا بالمرصاد ضد فكر الإخوان عندما وجدناهم يحملون السلاح، وقلنا إن الفكرة التى تريد أن تخترع لها مرجعيات شرعية، هى مجرد محاولات بائسة تتناقض مع الإطار الكلى الذى قصدته الشريعة.. وتنزيل النص إلى أرض الواقع يحتاج لعلوم عديدة ويحتاج أن يتبصر المتصدر للفتوى الواقع من حوله ويستعين بأهل الخبرة لكى ينزل هذا النص نزولا صحيحا على واقع المفهوم الواضح، ويجب التعامل مع الأمر بذكاء وحرفية ومهنية للوصول للمسار الصحيح، ولذلك نستعين بأهل الطب والاقتصاد والدراسات الاستراتيجية المستقبلية، لأن أمر الفتوى يقوم على إدراك العديد من المسائل، والمتصدر للفتوى يحتاج أن يكون ملما بالثقافات العديدة والأفكار وضوابط عديدة، وإذا وجد لدينا هذا الشخص، نكون أمام ضمانة حقيقية لمسار إفتائى رشيد.
كثيرون يتعجبون من بعض الأسئلة والفتاوى الدائرة فى الوقت الحالى.. ويتساءلون كيف لا تزال هذه الأسئلة موجودة لليوم؟
هناك قضايا كثيرة سادت بيننا فترة طويلة تحاول التماس القشور والشكليات دون الغوص فى الشريعة، وهؤلاء يقفون عند قضايا جزئية قد تكون منتهية أو لا تخطر على بال أحد، مثل البعض يسأل عن «كيف يمسك الحذاء؟».. فهل كل القضايا انتهت وتتبقى كيفية إمساك الحذاء؟.. وقد تكون هذه الشكليات من المتممات، ويجب ألا نجعلها الأساس.. لا يجب نقل كثير من الفرعيات إلى دائرة الأصول.. والإسلام لم يحدد نظاما للحكم، بل ترك مساحة واسعة للناس ليتصرفوا فى شؤون إدارتهم فى صورة مؤسسة الدولة وفق تطورات العصر، وتأتى أى صيغة مقبولة لتحقيق مصالح الناس، ومسماها يكون كيفما يريد الناس، ولا يجب أن ننقل المجال السياسى أو الإدارى من الفرعيات إلى العقيدة وأصول الدين، وإلا سيكون هذا الأمر خطأ، فهذه الدائرة قابلة لكل الاجتهادات، حتى نتجنب أى خلل فى المجتمع.
وحينما نقرأ فى فكر حسن البنا، نرى أنه صرح أن أمور الحكم من أصول الدين، وهذا خلل فى المنهج، وجميع فقهاء المسلمين لم يبحثوا أبدا قضية الحكم فى إطار أصول الدين، بل فى إطار الفقه، وربما جرهم البحث العلمى من المناظرات إلى دائرة علم الكلام فى مرحلة تاريخية معينة، ولكن الحكم درس فى إطار دائرة الفقه.. ومن الخلل نقل ما هو فى دائرة المستحب إلى دائرة الواجب، أو نقل المتمم إلى دائرة الواجب، فظروف العصر والمجتمعات حاكمة فى ترتيب الأولويات.
ماذا عن أحكام الإعدام التى تحال إليكم أوراق المتهمين فيها وعددها السنوى؟
نحن ننظر ولا نمضى، وننظر فى كل ما تحيله المحاكم من قضايا المتهمين.. تريد هذه المحاكم أن تحكم بالإعدام، وقبل الحكم لا بد من إحالة الأمر إلى مفتى الديار لإبداء رأيه الشرعى فى المسألة المعروضة عليه.. وكل ما يتم يكون تحت البصر والقراءة المتأنية لأنك أمام إنسان ستترتب على قرارك حياته، ويكون ذلك عبر لجنة بوجود المفتى، وتتم قراءة كل التفاصيل والأوراق، وأعدنا الكثير من الأحكام، فيما يتعلق بالتوجيه، بأن التهم التى اتهم بها الناس تكون فى مصاف الحدود، مثل القصاص والحرابة والحدود الأخرى، حيث وجهنا الرسول وقال «ادفعوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن يخطئ الإمام فى العفو خيرا من أن يخطئ فى العقوبة»، كما نرى بعض التهم التى ترتقى لدرجة الإعدام، ومدى خطورتها مثل التخابر والجاسوسية مع الدول الأخرى، وبلا شك فإن هؤلاء يمثلون خطرا على المجتمع، وبناء على ذلك يجوز لولى الأمر المتمثل فى رئيس الدولة اتخاذ قراره.. فالجاسوس والمتخابر يمكن أن يقع تحت طائلة القانون ويمكن أن تطبق عليه عقوبة الإعدام إذا ما رأى ذلك، وبلا شك أن هناك لجنة قضائية من رؤساء محاكم الاستئناف، وفى بعض الأحيان أقرأ القضية بكاملها، وأقرأ بنفسى كل التفاصيل الموجودة فى مراحل الدعاوى أو التقاضى المختلفة.. وكل هذه الإجراءات فى مرحلة الاستدلال أو التحقيق النهائى ونطلع عليها كافة، ورقة ورقة، وكل التفاصيل، وإذا كانت هناك أسطوانات مدمجة يتم فتحها وفحصها.. فهناك بعض القضايا نقول فيها إن الأمر مفوض للمحكمة أكثر من الإفتاء، ونظرات القاضى مع المتهم تفصح عن أشياء كثيرة جدا.. خبرة القاضى يمكنها كشف الكثير، ولا مجال للعاطفة فى النظر للقضايا والأمر يعود للمحكمة، ولا يوجد أدنى مشاعر أو عاطفة أو سياسة فى الوصول لرأى معين، سواء فى مرحلة التقاضى أو فى نظر المفتى للأوراق، ويمكن القول إن هناك نحو 300 قضية تحال من المحاكم إلى دار الإفتاء المصرية فى السنة.
البعض يردد أن جائحة كورونا عقاب إلهى على ذنوب الناس.. برأيكم ما الرد الواجب على أصحاب مثل هذه الأقاويل؟
من العسير أن نصف هذا الوباء بأنه عقاب، بل نقول إنه ابتلاء من الله لإيجاد شىء فى هذا الكون، ليراجع الإنسان نفسه مرة بعد أخرى، وصحابة الرسول عليه الصلاة والسلام ماتوا بسبب الطاعون فى الشام، وهذه الأشياء اختبار للبشرية لتصحيح المسار ومعالجة مسائلهم فى هذا الوباء، ونحن نتعامل مع كورونا وهذه الجائحة من خلال تلك الفكرة من حيث إدراك النصوص وفهم الواقع من خلال المتخصصين، وتحدثنا عن الصوم فى ظل كورونا، ولم نبد رأيا إلا بعد مراجعة المتخصصين والجلوس مع المتخصصين فى المناعة والأنف والأذن ومن لهم علاقة بالتخصص فى هذا الوباء، وتم بحث الأمر وتم الانتهاء إلى أن الصوم مقوٍ لمناعة الإنسان، وكلما قويت المناعة كلما أصبح الفيروس ضعيفا.. نحن أمام عبادة وواجب وفرض يؤدى إلى دفع وحماية الإنسان من الفيروس، ولذلك أصدرنا الفتوى فى كتاب حول فيروس كورونا.. حينما يتم إصدار فتوى فى مرض أو وباء معين يتم الرجوع إلى أهل الاختصاص، وهناك كتاب يحتوى ذلك.
نعلم حساسية قضية التبرع بالأعضاء.. كل الخبراء والمتخصصين بالصحة أجازوا فكرة التبرع بالأعضاء وهناك نصوص قانونية تؤكد جواز التبرع بالأعضاء بعد الوفاة.. كيف ترى ذلك؟
نحن لا نريد أن يكون نقل الأعضاء وسيلة للتربح والتجارة، والقانون المصرى أحاط قضية التبرع ونقل الأعضاء بضمانات عديدة، ومن خلالها نطمئن أن العضو المنقول تم تبرعا، وبالتالى الرأى الشرعى متفق مع هذه النظرة.. ولا بد من إيجاد ضمانات تمنع الدخول فى إطار التجارة.. إذن لا مانع من التبرع بالأعضاء ونحن نحترم وصايا المتبرعين فى إطارها التبرعى واتخاذ ما يلزم للتعامل معها.. ولا مانع من تنفيذ الوصية فى الإطار الطبى الذى يمليه القانون، وبما لا يمثل إتلافا لعضو، بل يجعله صالحا للنقل فى مدة طويلة من الزمان.
أحيانا يحدث خلاف بين الحسابات الفلكية والرؤية الشرعية لأهلة الشهور العربية، رغم أننا يمكن أن نستند لنتائج العلم فى هذا المجال؟
يتم التعاون مع هيئة المساحة المصرية ومعهد البحوث الفلكية بشكل كامل، ونعتمد على الآراء والمعلومات الصادرة عنهم، بإمكان وقراءة مكوث الهلال بعد غروب الشمس، وإن قالت الحسابات الفلكية أن الهلال ليس مولودا أو سيولد وسيبقى فى الأفق مدة يمكن أن يرى فيها، وبالتالى نعتمد ما يقولون ونسير مع الحساب الفلكى.. والمدة التى يرى فيها الهلال 3 لـ 4 دقائق، ويمكن أن نرى ذلك بالوسائل الموجودة مثل التليسكوب، ونحن لا نراه بالعين المجردة بل نستخدم أجهزة فى الوصول إليه، بعد قول المتخصصين من أصحاب البحوث الفلكية بوجود الهلال، وإذا قالوا إنه غير موجود فى هذه الحالة يتم اعتماد ما يقولون تماما.
ونقول إن الحساب الفلكى فى هذه الحالة هو ما يعول عليه، ويكون اليوم المقبل هو متمم للشهر العربى الموجود، أما إذا قالت الحسابات الفلكية إن الهلال يمكث فى الأفق بعد الغروب، مدة يمكن أن يرى فيها، ففى هذه الحالة نذهب باللجان المختلفة فى الأماكن المختلفة فى 6 أماكن بالجمهورية، ونسعى لأماكن أخرى، فى توشكى ومطروح وأسوان وسوهاج والقطامية وأماكن عديدة بالدولة عبر اللجان المكلفة، وبناء على ذلك يتم إثبات الرؤية، وفى التاريخ الماضى كانت بناء على الحسابات الفلكية، وفى الغالب كنا نراه.
فتاوى فى القروض والطلاق والزواج
فى ختام الندوة أجاب فضيلة مفتى الديار المصرية عن عدد من الأسئلة التى تلقتها «اليوم السابع» من قرائها وجاءت كالتالى:
لو محتاج قرض للقيام بمشروع هل هذا حرام أم حلال؟
المفتى: «إذا لجأت إلى المؤسسات المالية كالبنوك وغيرها من المؤسسات المعنية بهذه الأمور، فنحن لا نسمى هذا بأنه قرض بلا نسميه تمويلا لمشروع استثمارى ولا حرج فى هذه الحالة، والذى يعطيه للبنك فى مقابل هذا التمويل فلا حرج فيه».
ما حكم رجل رمى الطلاق بالثلاثة وقت العصبية؟
المفتى: «هذه المسألة تحتاج للوقوف على عبارات المطلق وما قصده، والسياق الذى قال فيه هذه الألفاظ وننصح السائلين بزيارة دار الإفتاء لتقديم النصح حتى نعرف كل مجريات الحلف بالطلاق.
كما وجّه الكاتب الصحفى خالد صلاح، رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير «اليوم السابع»، سؤالا للدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية: «لماذا يكون الزواج بوجود شهود، أما الطلاق فيحدث دون وجود شهود، ألا يستلزم وقوع الطلاق وجود شاهدين كما يحدث فى الزواج لخطورة منطوق الطلاق».. ورد المفتى بقوله: الزواج وارد فيه أن يشهد عليه لقول الله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَى عَدْلٍ مِنْكُمْ»، لكن هل هذه الشهادة على سبيل الوجوب أم الاستحباب، هناك أقوال فى الفقه الإسلامى بأنها وجوبية، أما قضية وقوع الطلاق أمر آخر، فيستحب له أن يشهد على طلاقه، والحقيقة أننا نحتاج وجود شهود على الطلاق حتى تكون منظومة متكاملة، ونحتاج للوقوف مع ظاهرة الطلاق حتى نقلل وقوعها أو تكرارها ولا ينبغى أن يكون لفظ الطلاق على الشكل الذى نراه، لكنه علاج لحالة ميئوس منها أو أن يصبح من العسير أن تستمر الحياة الزوجية، وحتى نلجأ للطلاق نحتاج لإجراءات مطولة حتى لا يحدث الطلاق لأقل الأسباب، والبعض يستعمل الطلاق فى غير موضعه تماما، ونحتاج لتعديل مسارنا فى الطلاق، ونحن كمصريين لا يجب أن نلجأ للطلاق إلا بعد انتهاء كل السبل لتوفيق الأوضاع.
ما الحكم الشرعى لشخص يعمل فى مجال الشعر المستعار «الباروكة»؟
المفتى: «عمله جائز، لا حرج فيه، هذا الشعر المستعار يحتاج إليه فى بعض الحالات، وما دام له وجه الاستعمال المباح فلا حرج فى العمل فيه، والحقيقة هناك حالات إنسانية تحتاج هذا الشعار المستعار كأطفال مرض السرطان الذى يؤدى لسقوط الشعر، وهم فى حاجة له للتعامل نفسيا مع هذا الأمر».
وردا على سؤال لمتابع الصفحة فؤاد هندى، جاء فيه: «ما حكم دفن الرجال والنساء فى نفس المقبرة»؟
أجاب مفتى الديار المصرية: «الأصل هو دفن الرجل بمفرده، وتدفن المرأة وحدها، إلا إذا ضاق الأمر ولم نجد مقابر تكفى، فهنا الضرورات تبيح المحظورات، وهنا نقوم بدفنهم معا بشرط وضع ساتر ترابى خفيف بين الرجل والمرأة».
ما حكم العمل فى بيع المعسل والشيشة ومستلزماتها؟
المفتى: «الإسلام جاء لدرء المفاسد على الناس، والطب أثبت ضرر التدخين على الإنسان، وبناء على ذلك ننصح كل إنسان أن يحمى نفسه من هذه الأضرار ولا يتناولها للحافظ على نفسه من الخطر».
هل قرض السيارة حلال أم حرام، وهل وثائق التأمين حلال أم حرام»؟
المفتى: بالنسبة لوثائق التأمين، الفتوى استقرت على أن كل وثائق التأمين تدخل فى دائرة التعاون والتبرع، وبالتالى لا حرج على من يتعامل مع التأمين سواء إجبارى أو اختيارى، أما بالنسبة لقرض السيارة، فنحن لا نطلق عليه قرضا، لأنه يلجأ لمؤسسة تمويلية للحصول على سيارة والبنك يشترى هذه السيارة وتدخل فى ملكية البنك حتى ولو لزمن قليل، وهذا تبسيط للسلعة بين جهة التمويل والشخص الراغب فيها، وإذا وجدت السيارة على هذه الحالة، فهنا تنتفى صفة الربا.
هل التحفيل بين مشجعى الكرة فى مصر حلال أم حرام؟
المفتى: «إذا كان التحفيل يعنى السخرية من بعضنا البعض، فإن النصوص الشرعية، تنهى تماما عن إيذاء الإنسان لأخيه الإنسان أو السخرية منه، ووجوب مراعاة الأحاسيس والمشاعر أمر مطلوب».
ما الموقف بالنسبة للشات بين الشباب والشابات على شبكة الإنترنت؟
المفتى: «نحن نحتاج لمنظومة أخلاق ضابطة للتعامل مع منظومة الفضاء الإلكترونى على وجه العموم ومع منظومة التواصل الاجتماعى، هى ليست منظومة كلامية وإنما منظومة رقابة ذاتية عند الإنسان تربى وتنمى لديه، ونريد التربية التى تحصن الشباب والفتيات.
ما حكم بناء المساجد دون تراخيص؟
المفتى: «المسجد هو مكان العبادة، ويجب بناؤه على أرض بإذن مالك هذه الأرض، ويكون حاصلا على تراخيص لازمة من الدولة، والعلماء أكدوا أن الصلاة فى مسجد تم بناؤه دون إذن من مالك الأرض تكون محرمة، وذلك بإجماع العلماء، ويأثم الشخص فى هذه الحالة لصلاته فى مسجد بنى دون ترخيص».