المشاهد تتكرر بين الديكتاتور التركى رجب طيب أردوغان، والقوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا، وعلى نفس الأراضى السورية، في ظل تهديدات أنقرة بالعدوان على إدلب، للاحتفاظ بموضع قدم للميليشيات الإرهابية الموالية لها، في سوريا، لتكون تلك التنظيمات المتطرفة بمثابة أذرع لها، يمكن استخدامها لتحقيق الأهداف التركية في المستقبل، بينما يبقى الخليفة المزعوم وحيدا، في مواجهة الجيش السورى، بينما لا يجد دعما من القوى التي طالما سعى إلى استرضائها لسنوات طويلة.
المقامرة التركية في إدلب هي بمثابة تكرار للعدوان على منطقة الشمال السورى، وإن كانت الذرائع مختلفة، ففي الوقت الذى تذرعت فيه أنقرة بالمخاوف الأمنية من السيطرة الكردية بالقرب من الحدود التركية، لتبرير عدوانها الأول، نجد أنها تلوح الآن بمخاوفها من تدفق اللاجئين للأراضى التركية، جراء الهجمات التي يشنها الجيش السورى، على أخر معاقل الإرهابيين، تمهيدا للسيطرة الكاملة على أراضى البلاد، ليتحقق حلم وحدة الأراضى السورية، والذى كان بعيد المنال في ظل احتدام الصراع الأهلى، الذى اندلع في أعقاب ما يسمى بـ"الربيع العربى".
ولكن تبقى المعادلة الدولية دون تغيير، فالجيش السورى يحظى بدعم كبير من حليفه الروسى، والذى لعب دورا محوريا لدحض "شبح" التقسيم، والذى دعمته قوى دولية وإقليمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، خلال حقبة الرئيس السابق باراك أوباما، وحليفه "العثمانى" أردوغان، بينما تبقى أنقرة بدون أي دعم أو تعاطف من قبل حلفائها التاريخيين، سواء الولايات المتحدة، تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، أو الغرب الأوروبى، والذى بات يدرك، وإن كان متأخرا، حقيقة مفادها أن النظام التركى يمثل التهديد الأكبر للقارة العجوز، سواء أمنيا أو اقتصاديا، في ظل تلويحه المتواتر بتصدير أزمة اللاجئين، لأوروبا، وما قد يترتب على ذلك من تسلل عناصر إرهابية يمكنها القيام بتنفيذ عمليات في قلب الدول الأوروبية.
التخلي الأمريكي الأوروبى عن أردوغان بدأ مبكرا، ربما منذ أواخر حقبة أوباما، حيث بدأت الاختلافات تنشب بين الجانبين، منذ محاولة الإطاحة بالديكتاتور في عام 2016، عندما ألقى الرئيس التركى باللوم على الإدارة الأمريكية السابقة بسبب موقفها الباهت من تلك المحاولة، وهو الأمر الذى امتد إلى الحديث في العديد من الأوساط التركية حول دور أمريكى محتمل في تلك المحاولة.
وهنا كان التوجه التركى نحو روسيا، خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية، وانضمامها إلى محادثات "أستانا"، فيما يمكننا تسميته بـ"الانقلاب" على الحلفاء التاريخيين لأنقرة، ليصبح أردوغان هو الشوكة التي استخدمها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لتفتيت "المعسكر الغربى"، دون أن يقدم له أي مقابل، وهو ما بدا واضحا، سواء في اتفاق سوتشى 2018، حول تجريد الميليشيات المسلحة إدلب، من السلاح، ثم بعد ذلك اتفاق سوتشى 2019، والذى دفع القوات التركية نحو الالتزام بالمنطقة الحدودية في شمال سوريا، وإنهاء عدوانها على المنطقة.
إدلب تمثل مأزق جديد لتركيا، خاصة بعدما أعلن حلف الناتو، والذى يمثل الذراع العسكرى للمعسكر الغربى، عدم تقديم أي دعم عسكرى لأنقرة حال عدوانها على إدلب، ليجد الديكتاتور نفسه "مكسور الجناح"، في مواجهة الجيش السورى، حلفائه الروس، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا لفشله الكامل في إدراك دروس الماضى القريب.