في حياة الواحد منا ألوف الناس، قريبون وبعيدون، يمرون دون أن يتركوا أثرًا، كما تمر الرياح على أوراق الشجر، أو على رمال الصحراء، أو يتركون أثرًا كما تمر السيارات في الوحل، أو كما تنفذ أشعة الشمس إلى الغرفة المظلمة، أو كأعواد الحديد الساخن على بشرتك، وقد يكون اقرب الناس إليك، ابعدهم عنك، ويكون ابعدهم عنك أقربهم إليك، هكذا قال الكاتب والأديب الكبير أنيس منصور "1924م ـ 2011"، في كتابه "عاشوا في حياتى"،
وخلال كتابه "عاشوا في حياتى" استعرض الأديب الراحل العديد من الشخصيات التي مرت في حياته، حيث يقول قد يكون الكاتب الذى تقرأ له جميل عميق النظرة مسايرًا للعصر، يلقى الضوء في كل مكان، ولكن لا يثيرك، فقد يكون قد جاء في الزحام، او يكون قد جاء في الوقت غير المناسب، فعندما كنت مشغولا بالأستاذ العقاد، لم اكن أقرأ لسواه، لدرجة أننى لم اعرف أن هناك ادباء آخرين غيره في مصر، ولما قرأت مقلا لطه حسين بعد سنوات من متابعتى للعقاد، أدهشنى أن هناك أدباء أخرين، ولكن طه حسين جاء في غير أوانه، جاء بعد أن امتلأ عقلى بالعقاد، فلم أجد له مكانا، ولم أقفل عقلى دونه، وغنما اجلسته على بابى سنة، وعشر سنوات، وأخزننى أننى لم اعرف طه حسين والحكيم والمازنى والرافعى وشوقى.
ويقول أنيس منصور، يوم عرفت الأديب الإيطالى البرتو مورافيا، وقابلته وصادقته وقدمته إلى اللغة العربية، لم أكن اعرف نجيب محفوظ ولا قرأت له، وعرفت تولستوى ودستويفكسى وبروست وشيللى ودكنز وبلزاك، قبل أن اعرف أسماء الأدباء المصريين، وكنت في الثانية عشر من عمرى.
ويستكمل أنيس منصور حكايته، عندما كنت طالبًا في الجامعة، كانت قوات الإنجليز في مصر، أثناء الحرب العالمية الثانية، اشتريت عربة عليها مئات من الكتب الصغيرة الحجم التي كانوا يطبعونها للقوات البريطانية في مصر، وكانت هذه العربة تباع يمائة قرش ـ كل الحضارة الغربية بهذا المبلغ التافه!.