جاءت التحركات التى يجريها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، لمواجهة انتشار نشاط الإخوان فى مساجد باريس، لتكشف التحركات الأوروبية التى تستهدف مواجهة نشاط الجماعة خاصة أنه يأتى بعد جلسة مجلس العموم البريطانى التى طالب فيها نواب البرلمان البريطانى بحظر نشاط جماعة الإخوان فى لندن، بجانب بدء عدة لجان فى الاتحاد الأوروبى لإعادة النظر فى نشاط الجماعة فى أوروبا خلال الفترة المقبلة.
تحركات إيمانويل ماكرون تأتى فى ظل دعوات من أحزاب فرنسية بحظر نشاط الجماعة، والتأكيد على خطورة التنظيم وممارسته وعلاقته بالإرهاب، وهو ما ينذر باقتراب اتخاذ عدد من دول أوروبا على رأسهم فرنسا وبريطانيا قرارات ضد التنظيم الدولى.
فى هذا السياق أكد الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الزيارة التى يجريها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى أحد المساجد فى مدينة تولوز الفرنسية لمواجهة سيطرة الإخوان على المساجد فى فرنسا، مشيرا إلى أن فرنسا بدأت تنتبه بشكل كبير إلى خطورة نشاط الجماعة فى باريس فى ظل التواعد المتزايد من السياسيين الفرنسيين الذين يطالبون بحظر نشاط الجماعة وطرد قياداتها من فرنسا.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فى تصريح لـ"اليوم السابع"، أن إعادة النظر فى نشاط الإخوان لم يقتصر على فرنسا فقط بل على العديد من دول أوروبا، وعلى رأسهم بريطانيا التى أصبحت تخشى من تزايد نشاط الإخوان على أراضيها، بالإضافة إلى وجود عدة لجان فى الاتحاد الأوروبى بدأت تعيد النظر فى نشاط الجماعة المنتشر فى القارة العجوز.
وأوضح الدكتور طارق فهمى، أن كل هذه التحركات تشير إلى أن جماعة الإخوان ستشهد تضييق شديد من قبل عدد من الدول الأوروبية خلال الفترة المقبلة، وهو ما دفع الجماعة لإعادة النظر فى نشاطها فى بعض الدول الأوروبية وتحاول نفاق تلك الدول من أجل إيقاف تلك التحركات.
فيما كشفت داليا زيادة، مدير المركز المصرى للدراسات الديمقراطية الحرة، كيف تغلغلت جماعة الإخوان فى فرنسا وسيطرت على مساجد باريس، وذلك فى ظل تحركات الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لتحجيم سيطرة الإخوان على المساجد، مشيرة إلى أن الإسلام فى فرنسا يحتل المرتبة الثانية بعد الكاثوليكية من حيث نسبة المواطنين الذين يعتنقوه، وهناك مقولة لبعض الفرنسيون يتندرون بها وهى أن أكثر اسم ذكر منتشر فى فرنسا بعد “فرانسوا” هو “محمد”، وسبب ذلك أن هناك أعداد كبيرة هاجرت من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى فرنسا منذ أواسط القرن الماضي، وقد ساعدهم على سهولة الانخراط فى المجتمع الفرنسى كون أغلبهم وافدين من دول غرب شمال أفريقيا، مثل المغرب والجزائر وتونس، أى أنهم متشبعين بالفعل بالحضارة الفرانكفونية التى تعتمد الثقافة العلمانية وفصل الدين عن الدولة منهجاً لها.
وأضاف مدير المركز المصرى للدراسات الديمقراطية الحرة، لـ"اليوم السابع"، أنه بعد فترة قصيرة من توطن المسلمين الشمال أفريقيين والشرق أوسطيين فى فرنسا، وتحديداً مع بدايات الألفية الجديدة، بدأت تظهر نفس المشكلة فى فرنسا التى تعانى منها بقية الدول الأوروبية التى يوجد بها جاليات إسلامية كبيرة العدد، ألا وهى عدم وجود كيان منظم يمكن اللجوء إليه للتحدث مع المواطنين المسلمين فى هذه البلدان ككتلة واحدة وتحريكهم باتجاه واحد، وهذا أضعف من قدرة الدولة الفرنسية على فهمهم أو السيطرة على مساراتهم السياسية والاجتماعية، وفى نفس الوقت فتحت الباب لجماعات الإسلام السياسى من أمثال الإخوان والسلفيين الجدد للبحث عن أرض جديدة لهم لنشر أفكارهم المتطرفة من خلال تخللهم داخل المجتمعات المسلمة فى فرنسا، مثلما فعلوا فى دول أوروبية أخرى.
واستطردت داليا زيادة: لكن بفضل طبيعة الحضارة الفرانكفونية هناك كان من الصعب نجاح هذا الاختراق، واقتصر فقط على حملات من حين لأخر تروج للنقاب أو تقوم بفاعليات منظمة فى عدد محدود من المساجد، لكن دائماً كانت الحكومة الفرنسية لها بالمرصاد، ونجحت بفضل تعاطف الرأى العام هناك مع موقف الحكومة فى تحجيمها، ومجهودات ماكرون الحالية ما هى إلا محاولة جديدة تضاف لسلسلة طويلة سبقته من المحاولات للتعامل مع الجاليات المسلمة، خصوصاً مع التزايد الكبير فى أعداد المهاجرين من منطقة الشرق الأوسط بسبب الصراعات المشتعلة بها، وأيضاً بسبب الأعمال الإرهابية التى شهدتها فرنسا فى الفترة الأخيرة على يد مسلمين متطرفين.