"زواج القاصرات.. زواج الأطفال.. الزواج المبكر".. جميعها مسميات عديدة لجريمة تُعد مكتملة الأركان فى حق فتيات قبل بلوغهن السن الإنسانى والقانونى وهى ظاهرة اجتماعية فى منتهى الخطورة منتشرة فى كل دول العالم وليس فى المجتمعات العربية والإسلامية فقط، ولا تقتصر أيضا على الدول النامية فحسب، ولكنها تختلف فى نسب الانتشار والشيوع، حيث تخلف تلك الظاهرة آثاراَ سلبية، اقتصادية واجتماعية وإنسانية، بالغة الخطورة على المجتمعات.
وظاهرة زواج القاصرات كما تحدثنا تُعد ظاهرة اجتماعية لها العديد من الآثار السلبية على الأسرة والمجتمع على حد سواء، لأن الفتاة فى هذه المرحلة العمرية الصغيرة تكون غير مهيأة من الناحية النفسية والثقافية والعقلية والجسدية كى تقوم بمسئولية بيت وزوج وتربية أطفال، فتتحمل عبئا لا قدرة لها عليه ولا تستوعب دورها به مطلقا، فمثل هذا الزواج يُعد اغتصابا للحق فى الطفولة واعتداء صارخاَ على كرامة الطفل فهو من باب فقر الأخلاق بل يمثل جريمة مكتملة الأركان فى حق بناتنا والمجتمع بأكمله.
فصل خطيب مسجد كان يزوج الأطفال
وفى غضون 5 يناير الماضى، قضت المحكمة الإدارية العليا، فى أشهر قضية تزويج الأطفال بفصل إمام وخطيب مسجد بالغربية كان يزوج الأطفال القصر عرفياً بإحدى قرى الريف بمحافظة الغربية، بعد أن بادرت وزارة الأوقاف إلى إحالته للنيابة الإدارية تمهيدا لمحاكمته تأديبيا، حيث أكدت المحكمة فى حيثيات حكمها على أن لإمامة المسجد منزلة عظيمة فى تبصير وسطية الإسلام لصلاح الوطن والمواطن لا تزويج الأطفال القصر.
فى التقرير التالى، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية تزويج القاصرات التى تهدد العديد من المجتمعات خاصة فى المناطق الريفية والصحراوية البعيدة عن مسمع ومرأى المدينة، ولكن تناول الأمر هذه المرة ليست من ناحية الأثار النفسية والاجتماعية فحسب، ولكن من الناحية القانونية وكيف تصدى المشرع المصرى لهذه الظاهرة والحد منها – بحسب الخبير القانونى والمحامى حسام الجعفرى.
زواج القاصرات بمثابة اغتصاب لحق الطفولة
ظاهرة الزواج العرفى للقاصرات بمثابة اغتصاب لحق الطفولة واعتداء صارخ على كرامة الطفل، فحدد المشرع سن الزواج بـ 18 سنة، وذلك يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية تحقيقا للمصلحة المعتبرة واتساقا مع الواقع، فمصر سارعت بتنفيذ الميثاق الإفريقى بحظر زواج وخطبة الأطفال قناعة منها بريادتها للقارة الإفريقية، فزواج القصر من الكوارث الأسرية وتكون الضحية الطفلة وأولادها الأطفال، فالمشرع المصرى كان حريصا على حظر توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة فى أكثر من نص تشريعى ولائحى – وفقا لـ"الجعفرى".
وألزم المشرع المأذون فى هذه الحالة أن ينبه من يلقن صيغة العقد إلى ما قد يوجد من الموانع فإن لم يقبل امتنع المأذون عن توثيق العقد وأخطر المحكمة فوراً بذلك، كما أن الميثاق الإفريقى لحقوق ورفاهية الطفل الصادر عام 1990 والذى انضمت إليه جمهورية مصر العربية وصدقت عليه – وصار جزءاً من نسيجها التشريعى حظر زواج الأطفال وخطبة الفيتات والأولاد فى سن الطفولة.
الميثاق الأفريقى وتحديد سن الزواج لـ 18 سنة
وألزم الدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات – بما فى ذلك التشريعات – لتحديد الحد الأدنى لسن الزواج ليكون 18 سنة، والقيام بتسجيل كافة الزيجات فى سجل رسمى إجبارى، وكانت مصر من أولى الدول التى سارعت بتنفيذ الميثاق الإفريقى قناعة منها بريادتها وانتمائها للقارة الإفريقية وفقا لما نصت عليه المادة الأولى من الدستور السارى، فضلا عن كونها جزء من الأمة العربية والعالم الإسلامى واعتزازها بامتدادها الآسيوى.
مدى خطورة زواج القاصرات على المجتمعات
فالزواج العرفى للقاصرات هى ظاهرة اجتماعية لها كثير من الآثار السلبية على الأسرة والمجتمع، حيث إن الفتاة فى هذه المرحلة العمرية وهى مرحلة الطفولة تكون غير مهيأة من الناحية النفسية والعقلية والثقافية والجسدية لتقوم بمسئولية إدارة بيت ورعاية زوج وتربية أطفال، فتتحمل عبئاً لا قدرة لها عليه، ولا تستوعب دورها به مطلقاً، فمثل هذا الزواج يعد اغتصاباً للحق فى الطفولة، واعتداءً صارخاً على كرامة الطفل، فهو من باب فقر الأخلاق، بل يمثل جريمة مكتملة الأركان فى حق الأطفال القاصرات فهما ليسا على دراية بتربية هذا الطفل ورعايته وهما اللذان فى حاجة إلى تربية ورعاية، فضلا عن ذلك فإن لزواج القصر أثاره الاجتماعية الخطيرة كالتسريب من التعليم وتفشى الأمية وتدنى الصحة الإنجابية بما ينعكس أثره على ذرية هذا الزوج، ويمتد هذا الأثر ليؤثر على سلامة المجتمع فى جوانبه الأسرية والصحية والتعليمية وهى أثار تترك ندوبها على وجه المجتمع سنين عددا ويغدو اصلاحها من الصعوبة بمكان.
علاقة تحديد سن الزواج بالشريعة الاسلامية
فالمشرع المصرى عندما حدد سن الزواج 18 سنة، فإنه بذلك لا يعد مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية وليس فيه شبهة مخالفة الدستور، بل يتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع وهى مبادئ وسطية مستنيرة، تخاطب الناس فى كافة المجتمعات بحسب أعرافها وأوضاعها ولا ريب أن تحديد هذه السن لا يضر الطفلة الصغيرة توخيا لتحقيق المصلحة لدرء المفسدة، فحظر الزواج قبل بلوغ سن 18 عاما فيه إدراك لظروف الزمان والمكان فجاء تحديد هذا السن من المشرع المصرى تقديرا للمصلحة العامة واتساقا مع فقه الواقع، وبهذه المثابة فتحديد سن الزواج بثمانية عشرة سنة تتحقق معه المصلحة المعتبرة، ودرء المفسدة المترتبة على تزويج الأطفال القصر، ورعاية حقوقهم ومنع المتاجرة بهم من أجل تحقيق مصالح دنيوية.
عقوبة تزويج القصر الحبس سنتين
نصت المادة رقم 227 فقرة 1 من قانون العقوبات: "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين أو بغرامة لا تزيد عن ثلاثمائة جنيه، كل من أبدى أمام السلطة المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانوناً لضبط عقد الزواج أقوالاً يعلم أنها غير صحيحة، أو حرر أو قدم لها أوراقاً كذلك، متى ضبط عقد الزواج على أساس هذه الأقوال أو الأوراق"، بحيث يتم اعتبار السن من البيانات الجوهرية وتشديد العقوبة بالسجن على المأذونين ويتم معاقبتهم على أساس كونها جناية وهل يمكن اعتبار التصادق على الزواج جنحة، حيث يتحايل البعض على القانون من خلال عقد الزواج بعقد عرفى ثم التصادق على الزواج بعد بلوغ الفتاة السن المحددة قانونا – الكلام لـ"الجعفرى".
ونصت المادة 116 مكرر من قانون الطفل رقم 126 لسنة 2008، والذى يضاعف العقوبة إذا ما وقعت الجريمة على طفل، على أنه: "يزاد بمقدار المثل الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأى جريمة إذا وقعت من بالغ على طفل، أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له الولاية أو الوصاية عليه أو المسئول عن ملاحظته وتربيته أو من له سلطة عليه، أو كان خادماً عند من تقدم ذكرهم، و(أ) يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه كل من استورد أو صدر أو أنتج أو أعد أو عرض أو طبع أو روج أو حاز أو بث أى أعمال إباحية يشارك فيها أطفال أو تتعلق بالاستغلال الجنسى للطفل، ويحكم بمصادرة الأدوات والآلات المستخدمة فى ارتكاب الجريمة والأموال المتحصلة منها، وغلق الأماكن محل ارتكابها مدة لا تقل عن ستة أشهر، وذلك كله مع عدم الإخلال بحقوق الغير وحسن النية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة