أصحاب العقل المغلق لم يخرجوا من أرحام أمهاتهم
وكل ما جاء بعد اكتمال الدين اجتهاد أصاب وأخطأ
نحتاج إلى منهج "ديكارت" فى الشك المنهجى
المطالبة بـ"تطوير" علوم الدين لا "إحياء" علوم الدين
الحل ليس تجديد الإسلام بل تجديد المسلمين
إما تطوير التعليم أو الإرهاب
"لا يمكن أن يقنعني أحد بأن الإسلام السائد في عصرنا هو الإسلام الأول الخالص والنقي، حتى عند أكثر الجماعات ادعاء للالتزام الحرفى بالإسلامى".. لقد تحول كتاب "نحو تأسيس عصر دينى جديد" للدكتور محمد عثمان الخشت، الصادر عن دار نشر نيو بوك إلى كتاب جدلي عندما صار طرفًا فى المناظرة الجدلية التى وقعت بين الشيخ أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، والدكتور الخشت فى المؤتمر الذى عقده الأزهر بعنوان "التجديد فى الفكر الإسلامى" فى الأيام القليلة الماضية.. فما الذى يقوله الكتاب؟
كل ما جاء بعد اكتمال الدين اجتهاد أصاب وأخطأ
فى البداية نؤكد أن الكتاب مجموعة من المقالات للدكتور محمد الخشت وقد نشرها فى الفترة من 2013 إلى 2015، وتمت إعادة طبعها فى هذا الكتاب، وفيه يوضح الدكتور الخشت فكرته العامة "المشكلة ليست في الإسلام، بل فى عقول المسلمين وحالة الجمود الفقهى والفكرى التى يعيشون فيها منذ أكثر من سبعة قرون"، وتحت هذه الفكرة أشار إلى أن "كل ما جاء فى التاريخ بعد لحظة اكتمال الدين التى أعلنها القرآن جهد بشرى قابل للمراجعة، وهى فى بعض الأحيان اجتهاد علمى فى معرفة الحقيقة، وفى أحيان أخرى آراء سياسية تلون النصوص بأغراضها المصلحية المنحازة"، ومن هنا كان هدف "الخشت" الدخول إلى عصر دينى جديد ويرى أن ذلك يقتضى مجموعة من المهام مثل "تفكيك الخطاب الدينى، وتفكيك العقل المغلق، ونقد العقل النقلى، وفك جمود الفكر الإنسانى الدينى المتصلب والمتقنع بأقنعة دينية، حتى يمكن كشفه أمام الناس وأمام نفسه وأمام العالم، وليس التفكيك للدين نفسه وإنما للبنية العقلية المغلقة والفكر الإنسانى الدينى الذى نشأ حول "الدين الإلهي الخالص".
الشك المهجى طريقة للخروج من الأزمة
ويرى الدكتور عثمان الخشت أنه كى يتحقق ذلك يجب أن تمر عملية التفكيك بمراحل هى (الشك المنهجى، التمييز بين المقدس والبشرى فى الإسلام، إزاحة كل المرجعيات الوهمية التى تكونت فى قاع التراث) وبعد التفكيك يأتي التأسيس وأهم أركانه (تغيير طرق تفكير المسلمين، تعليم جديد منتج لعقول مفتوحة وأسلوب حياة وطريقة عمل جديدة، تغيير رؤية العالم.. تجديد المسلمين، تأسيس مرجعيات جديدة، العودة إلى الإسلام الحر "الإسلام المنسى"، نظام حكم يستوعب سنن التاريخ).
ويؤكد الخشت أنه لن يتحقق كل هذا دون توظيف مجموعة من الآليات تشمل (التعليم، والإعلام، والثقافة، والاقتصاد، والاجتماع، والسياسة) وذلك لصناعة عقول مفتوحة على الإنسانية فى ضوء العودة إلى المنابع الصافية "القرآن والسنة الصحيحة" وتغيير المرجعيات التقليدية، وتأسيس فقه جديد، وتفسير جديد.
ومن أجل تحقيق هذه الأفكار جاء الكتاب فى 7 فصول، منها "الشك المنهجى وتأسيس عصر دينى جديد" وفيه اعتمد الدكتور الخشت على قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام فى الإيمان وطريقته فى البحث عن الله، وبناء عليه طالب الخشت أن نتبنى "الذات المفكرة" التى تتبنى فكرة الشك المنهجى واستشهد بما فعله الفيلسوف الشهير ديكارت للوصول إلى الحقيقة، مؤكد أننا فى عالمنا الإسلامى نحتاج بشدة إلى الشك المنهجى للخروج من دوامة التضليل لا من أجل فوضى الأفكار.
لا لـ إحياء علوم الدين نريد تطويرها
وناقش الدكتور الخشت "تفكيك الخطاب الدينى التقليدي"، ورأى أن الهدف من هذا التفكيك "تطوير" علوم الدين لا "إحياء" علوم الدين، موضحًا أن الدين نفسه لا يتجمد لكن الذى يتجمد هو عقول فسرت النصوص القرآنية والنبوية الواضحة والمباشرة بأيديولوجيات عقيمة تجمدت معها المنومة العقائدية والتشريعية فى كهنوت بشرى يتخفى فى ثوب إلهى، ومن هنا يطالب الخشت بتفكيك ينقد البشرى ولا يتنكر للإلهى، ويكون هدفه الوصول إلى الدين فى حالته الطبيعية الأولى، كما يشير إلى أن الأزمة أكبر مما تبدو فإن ضياع المعنى والعقل يكون فى التيارات الدينية المغلقة ويكون فى حركات ما بعد الحداثة أيضًا.
أصحاب العقل المغلق لم يخرجوا من أرحام أمهاتهم
كما ناقش الكتاب "العقل المغلق" حيث رأى أن صاحب العقل المغلق أشبه بالطفل فى رحم الأم، كل عالمه هو الرحم، وهو غير متصل مع العالم الخارجى، ولا يمكن لأحد أن يحاوره، مشيرًا إلى أن القرآن الكريم يرفض غريزة القطيع التى تجعل المجموع ينساقون وراء قادتهم بلا تفكير أو مراجعة، كما يستنكر القرآن ما ينشأ عن هذه الغريزة مثل منهج السمع والطاعة، ويؤكد الخشت أنه بعد مرور 14 قرنًا على ظهور الإسلام لا تزال الفجوة واسعة بين الإسلام والمسلمين، كما تكمن إحدى جوانب مأساتنا الفكرية المعاصرة فى أننا جميعا أصبحنا نعانى من مرض التطرف الذى أصاب الجميع سواء كانوا متطرفين فى التدين أو متطرفين فى العلمانية، وأشار الدكتور الخشت إلى نقطة مهمة هى أننا لا نزال نعيش فى زمن واحد منذ مقتل سيدنا عثمان.
إما تطوير التعليق أو الإرهاب
وتحت عنوان "حتى لا نعيد إنتاج عقول مغلقة" أرجع الدكتور الخشت ما نعانيه من انغلاق لأسباب منها مناهج التعليم القائمة على التلقين التى لا تصنع عقولاً إيجابية منفتحة وفعالة بل تصنع عقولاً غير فعالة، ويرى أن عدم تطوير التعليم سيجعل البديل هو الإرهاب.
وتحت عنوان "تجديد المسلمين" يقول الخشت لا يزال المسلمون يخلطون بين موروثاتهم الاجتماعية التي ورثوها من بيئتهم والتصور الإسلامى النقى والحل ليس تجديد الإسلام بل تجديد المسلمين، وذلك يتلب تغيير رؤية العالم والمقصود بها الإطار العام الذى نفهم به كل ما يحيط بنا (الكون، الحياة، الناس، مستويات الوجود) مؤكدًا أن معنى الدين فى خصوبته الأولى ضد التراث الدينى الذى صنعه البشر.
وبحث الكتاب عن الإسلام الحر الذى يأتى عن طريق تجديد الفقه ضاربا المثل بالإمام الشافعى (الفقيه الحر) الذى اختلف مذهبه الفقهى فى مصر عن مذهبه القديم فى العراق.