ارتفعت سخونة المناقشات فى مجلس الشعب «البرلمان»، قاطع بعض النواب زميلهم نائب الإسكندرية المستقل عادل عيد فى استجوابه الساخن والذى ألقاه يوم 20 مارس، مثل هذا اليوم، عام 1978، وكان موضوعه عن فساد سكرتير المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية توفيق عويضة، إلا أن الاستجواب تعرض إلى الرئيس أنور السادات، واتهمه بالتستر على الفساد لحمايته «عويضة» الذى بلغ نفوذه حد أن الكاتب الصحفى مصطفى أمين، كتب عنه فى عموده فكرة: كانوا يقولوا لى: إن سكرتير المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية مسنود، وأن كل وزير أوقاف أراد أن يخرجه من منصبه هو الذى خرج من منصبه.
استعرض عادل عيد استجوابه مكيلا الاتهامات لعويضة، وكان الشيخ محمد متولى الشعراوى هو المعنى بالرد عليها، بوصفه وزيرا للأوقاف وشؤون الأزهر منذ نوفمبر 1976 حتى أكتوبر 1978 فى حكومة ممدوح سالم، وكان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية يتبعه، وحسب كتاب «وعرفت الشعراوى» للدكتور محمود جامع «دار التوزيع والنشر الإسلامية – القاهرة»، فإن «عيد» ذكر فى استجوابه بأن الأمر ليس مجرد مخالفات مالية للسيد سكرتير المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، ولكن الأمر أخطر من ذلك بكثير، فلقد كان هذا الرجل ظاهرة تستوقف الانتباه وكان مثار حديث الداخل والخارج.
وبعد طول مناقشات للاستجواب، ومقاطعات كثيرة من نواب يؤيدون السادات وبالتالى يرفضون أى اتهامات موجهة إلى «عويضة» تساءل النائب عادل عيد: «أنا لا أفهم من هى الجهة التى يتبع لها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، أيتبع وزارة الخارجية أم المخابرات العامة مثلا؟.. وما المقصود بولاة الأمور، ومن هم؟.. وبعد أن طرح هذه الأسئلة، هاجم الشيخ الشعراوى، متهما إياه بالتقاعس عن استخدام سلطاته التى خولها له القانون تجاه هذا الرجل، وقال للشيخ: كنت أنتظر من الشعراوى أن يكون له موقف يتفق مع موقفه كعالم جليل من علماء المسلمين، فمن رأى منكم منكرا فليغيره بيده، وأنا لا أرض منك فى موقفك كوزير أن تنكر بقلبك ولسانك، وإنما كنت أود أن تنكر بيدك، فإذا تصدى بعد هذا لك معتد، كائنا من كان، لعرقلة إرادتك، فقد أبرأت ذمتك إلى الله وإلى الناس.
فى سرده لوقائع الفساد ذكر عادل عيد، أن «عويضة» كان يتفاهم مباشرة مع رئيس الوزراء «ممدوح سالم» ورئيس الجمهورية من خلف ظهر وزير الأوقاف «الشعراوى» الذى لم يتصد لذلك، وأن الرئيس كان يرسله إلى للخارج فى مأموريات سرية وعلنية، لايعلم عنها الشعراوى شيئا ودون إذنه، رغم أن القانون ينص صراحة على أن التصريح بالسفر لابد أن يكون بموافقة الوزير.
وقف «الشعراوى» يرد قائلا: «يعلم الله أنى ما جئت لأرد على الاستجواب وإنما جئت لأردده»، وكان هذا بمثابة تأييده للاتهامات التى ذكرها عادل عيد فى استجوابه، ثم دافع عن السادات بطريقته البلاغية المعهودة قائلا: والذى نفسى بيده لو كان لى من الأمر شىء لحكمت لهذا الرجل الذى رفعنا تلك الرفعة، وانتشلنا مما كنا فيه إلى قمة ألا يسأل عما يفعل، مما أثار غضب بعض النواب، فصرخ الشيخ عاشور
«نائب الإسكندرية»: مفيش حد فوق المساءلة، لنرع الله.. فيما أمر رئيس المجلس حافظ بدوى الشيخ عاشور بالصمت، رد الشعراوى: أنا أعرف بالله منك، وفى نفس الوقت صاح الشيخ صلاح أبو إسماعيل «نائب الجيزة»: «لقد كذبت يارجل، لقد كدت تكفر، فاستغفر الله، فهذه الصفات لا تمنح لبشر إنما اختص بها المولى سبحانه».
انتهى الاستجواب بتوجيه الشكر للشيخ الشعراوى كوزير للأوقاف، وكأن شيئا لم يكن رغم وقائع الفساد التى ذكرها «عادل عيد»، غير أن شيخا آخر هو الداعية الشهير «عبد الحميد كشك» لم يترك هذه المناسبة تمر دون تعليق منه كعادته، ففى أول صلاة جمعة وأثناء خطبته بمسجد «عين الحياة بمنطقة حدائق القبة» قال: ماذا تقول لربك غدا ياشيخ شعراوى، لما وقفت فى مجلس الشعب، وقلت : لو كان بيدى شىء من الأمر لرفعت هذا الحاكم إلى قمة لا يسأل عما يفعل.. وتوجه إلى الشعراوى بسؤال: من الذى لا يسأل عما يفعل يا شعراوى؟، فرد المصلون بعلو صوتهم على صوته: «الله، الله».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة