أعدت المعارضة التركية دراسة مطولة حول تأثير فيروس كورونا على المجتمع التركى، وكيف أحدث حالة تخبط شديدة لدى النظام التركى، حيث أكد موقع تركيا الآن، التابعة للمعارضة التركية، أن «كورونا، وباء العصر الحديث، ذاك الذي يحصد آلاف الأرواح يوميًا في كل دول العالم دون استثناء، لكن في تركيا الوضع مختلف، فلا بد أن تمارس حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عديد الألاعيب في سبيل تحقيق نجاح وهمي لا وجود له".
وقال الموقع التابع للمعارضة التركية، إنه بينما كان يشاهد العالم أجمع، حتى الأسبوع الماضي، آلاف الناس يفقدون حياتهم في العديد من دول العالم، على رأسها الصين، وإيطاليا، وإيران، بسبب ذلك الفيروس اللعين المستشري في كل الدول تقريبًا، رأينا الحكومة التركية تعلن للجميع خلو تركيا من أي إصابة بالفيروس، مرجعة ذلك إلى الإجراءات الوقائية التي اتخذتها، ولم يَكْتَفِ النظام بذلك فقط، بل دعا العالم إلى اتخاذه نموذجًا يُقْتَدَى به.
واستطردت الدراسة: مع ذلك؛ أعلنت تركيا، الأسبوع الماضي، أيضًا، بعد عديد ردود الأفعال الداخلية والخارجية علي أكاذيبها السابقة، إصابة أحد الأشخاص بالفيروس داخل تركيا. لكن الحكومة سوف تدرك حقًا مدى هزلية ما فعلته، حينما ترى تلك الأعداد، وقد بدأت في الازدياد تدريجيًا. فخلال ليلة أول من أمس؛ ارتفع العدد من 18 حالة مصابة إلى 47، وأمس ارتفعت الأعداد إلى 98، كما جرى الإعلان عن وفاة شخص آخر.
اعتقال المواطنين أول إجراءات حكومة أردوغان ضد كورونا
واستطردت الدراسة: لكن ما هي نوعية التدابير والاحترازات التي اتخذتها تركيا، ويمكن أن نعتبرها ناجحة خلال تلك الفترة؟ لقد كان أول إجراء جدي اتخذته الحكومة التركية هو اعتقال أولئك الذين روجوا الإشاعات والادعاءات عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول فيروس كورونا؛ لكن هؤلاء المعتقلين بحجة نشر تغريدات كاذبة كانت أعدادهم تفوق المصابين بالمرض. ومؤخرًا؛ أعلنت وزارة الداخلية الأخيرة في بيان أمس أنه جرى اعتقال 24 شخصًا شاركوا بيانات كاذبة عن «كورونا». لذلك كله، يبدو أن صراع تركيا الأكبر ليس مع المرض، في حد ذاته، بقدر ما هو مع من يتحدثون عنه.
وأوضحت الدراسة أن من التدابير الأخرى التي اتخذتها أيضًا كان وقف الرحلات الجوية إلى بعض الدول، وإغلاق بوابات الحدود مع جيرانها إيران والعراق. لكن هل هذه التدابير كافية؟ لقد بدأت كذلك للتو في إغلاق المساجد وقاعات الزفاف والمدارس والحانات وأروقة المعارض؛ حتى أن رئيس هيئة الشؤون الدينية التركية، الذي كان يعظ الناس على المنبر يوم الجمعة الماضية، دعا الجميع إلى الابتعاد عن الزحام والتجمعات، وكأنه يسخر بذلك من مئات الأشخاص الذين ملأوا المسجد.
الضحك في تركيا كالبكاء
قالت الدراسة: أما الأمر الذي كشف سخرية الوضع بشكل فج، كان ما حدث بالأمس أثناء افتتاح محل للأدوات المنزلية في محافظة سيواس التركية، حيث قام مئات الأشخاص بالهجوم على المحل للدخول بغية شراء مستلزماتهم. وهذا بدوره أوضح بشكل فاضح أن لا الدولة ولا حتى الشعب يعيرون اهتمامًا لهذا الفيروس المدمر، متسائلة: هل سيمنع تعقيم الحافلات أو مواقف السيارات أو الطائرات، الذي تقوم السلطات التركية، حتى تظهر فقط للشعب أنها تتخذ إجراءات ضد الفيروس، من انتشار هذا المرض؟! وما هي تلك الاحتياطات التي تقول الحكومة التركية إنها اتخذتها في ظل ما نراه من اكتظاظ في المستشفيات والسجون والأسواق والمطاعم؟!
واستطردت الدراسة: لكن أكثر ما يلفت انتباهنا، ويثير اهتمامنا هو عدم ظهور أردوغان، المحب للظهور الإعلامي بشكل واضح للجميع، منذ فترة طويلة في ظل ما تشهده تركيا حاليًا من نقاشات مستمرة حول فيروس كورونا المستجد، فمن المتعارف عليه في تلك الآونة أنه في البلدان التي تكافح هذا المرض يظهر القادة دائمًا على الملأ أمام الشاشات التليفزيونية، إما لإطلاع الشعب على كل ما هو جديد بشأن ذلك الوباء، أو لتقديم رسائل الدعم.
هل أصيب أردوغان بكورونا؟
وقالت الدراسة: هنا دعونا نذكر أن المشهد الأخير الذي ظهر فيه أردوغان على الشاشات، متحدثًا عن فيروس كورونا كان عندما ذهب إلى بلجيكا للقاء قادة الاتحاد الأوروبي في بداية الأسبوع الماضي، حيث لم يصافح الوزراء الذين جاءوا للسلام عليه قائلاً: «يمكنني أن أصيبكم بكورونا»، وفي الواقع؛ عندما لم يظهر أردوغان أمام الشعب لفترة طويلة، تسببت تلك الكلمة التي قالها العثمانلي في إثارة ادعاءات في وسائل الإعلام الاجتماعي حول ما إذا كان مصابًا بالفيروس حقًا أم لا.خزائن تركيا خاوية في مواجهة الوباء
على صعيد آخر؛ بينما تشهد العديد من الدول تدابير جدية تتخذها لمجابهة احتمالية فقدان بعض الأشخاص لأجورهم وأعمالهم، نتيجة عدم قدرتهم على الخروج من منازلهم بسبب الإجراءات الاحترازية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن تركيا لم تبادر بأي خطوة في هذا الصدد حتى الآن. تجدر الإشارة إلى وجود تكهنات حاليًا بأن أردوغان سيظهر أمام الكاميرات اليوم أو في الأيام المقبلة، ليعلن عن بعض الحزم الاقتصادية لمواجهة تلك الأزمة. ومع ذلك؛ فإن هناك تساؤلات عدة عن ماهية تلك الحزم الاقتصادية التي سيعلنها أردوغان، في ظل عدم امتلاكه سوى خزائن خاوية من الأموال، وكذلك إنفاقه حتى الآن حزم الإنقاذ ـ التي من المفترض أن تُقَدَّم للشركات المتعثرة ـ لصالح شركات الموالين له والمقربين من نظامه.
يريد الناس في تركيا أن يجرى إعفاؤهم من دفع فواتير الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي على الأقل حتى انتهاء الأزمة. لكن ـ بكل صراحة ـ لا يبدو ممكنًا أن يتخذ أردوغان تدابير من شأنها أن تساعد الناس على تَحمُّل تلك النفقات التي تثقل كاهلهم بشكل مستمر. لماذا هذا؟ بكل بساطة؛ عندما انخفضت أسعار النفط العالمية من 70 دولارًا إلى 30 دولارًا، لم تخفض الحكومة التركية الأسعار حتى الآن إلا بنحو 20 في المائة. هذا لا يعني سوى شيء واحد، وهو أنه ليست هناك أي أموال في خزينة الدولة.
مخاوف أردوغان من استمرار كورونا لفترة طويلة
لقد جرت إدارة ملف الاقتصاد بشكل سيئ للغاية، ولعل هناك نماذج عدة من دول أخرى تكشف مدى فشل تركيا في هذا الإطار. فعلى سبيل المثال؛ أعلنت ألمانيا وفرنسا عن حزم مساعدات مالية بقيمة 500 و330 مليار يورو للمتضررين، مشيرة في الوقت ذاته إلى إعفاء أولئك الذين لا يستطيعون الذهاب إلى وظائفهم من فواتير الكهرباء والمياه والغاز الطبيعي. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت هذه البلدان أنه سيجري منح ائتمان غير محدود دون تفرقة إلى جميع الشركات التي قد تضطر إلى تسريح العمالة، أو قد تتعطل مصالحهم وأعمالهم خلال فترة الأزمة.
إن أكبر مخاوف أردوغان هو أن تستمر أزمة فيروس كورونا المستجد لفترة طويلة؛ وهذا بدوره قد يتحول إلى مشكلة اقتصادية كبرى لتركيا. لذلك، يحاول النظام التركي مرارًا وتكرارًا أن يُصَدّر للرأي العام الداخلي أن هذا المرض لن يشكل أي خطرٍ حقيقي على تركيا.
وتماشيًا مع ذلك أيضًا؛ نجد أن دولًا كبيرةً مثل ألمانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا قد أعلن قادتها بنفسهم - بكل صراحة - أن ما يقرب من ثلثي المجتمع لديهم على الأقل سيصابون بهذا المرض؛ فهناك في تلك الدول شفافية وثقة بالنفس في القدرة علي مواجهة تلك الازمة. لكن تركيا، شأنها شأن بعض الدول المتخلفة أو الأنظمة القمعية المنغلقة على نفسها، لا تزال تتبع سياسة الإنكار. ويجري القيام بذلك بكل حرفية وإتقان من خلال وزير الصحة فخر الدين قوجة، الذي يبذل جهدًا كبيرًا لخلق انطباع بالصدق والشفافية لدى أبناء الشعب التركي.
وزير الصحة المستفيد الأول من أزمة كورونا
ويعد فخر الدين قوجة، المعروف بعضويته في جماعة «إسكندر باشا» الصوفية، هو أيضًا مالك مستشفيات جامعة «ميديبول»، التي تواصل نموها في تركيا من خلال القروض الميسرة التي تحصل عليها من الدولة. ذلك الرجل، الذي كان يعمل في فترة من الوقت كطبيب أردوغان، هو كذلك أحد أهم ممولي «مجموعة بيليكان»، التي تحاول مؤخرًا السيطرة على القضاء وكذلك إعداد صهر أردوغان وزير المالية والخزانة التركي بيرات البيرق، لخلافته فيما بعد. جدير بالذكر أن تلك المجموعة السرية هي من أجبرت رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو على الاستقالة، وتستخدم كذلك العديد من الصحفيين كأذرع لها في وسائل الإعلام. ويأتي علي رأس هؤلاء الصحفيين هلال كابلان، الكاتبة بجريدة «الصباح».
وتكمن أكبر رغبة لأردوغان، الذي يرتبط الآن بمقعده في الرئاسة بخيط هش ضعيف، بلا شك في اختفاء تهديد هذا الفيروس المستحدث. وبخلاف ذلك؛ لا يمكن لأردوغان أن يقاوم ذلك الضغط الذي سيكون على شعبه في ظل الإفلاس الضخم الذي سيحدث الواحد تلو الآخر في قطاعات عديدة، خاصة السياحة؛ لا سيما أنه إذا انتشر هذا الوباء في تركيا بسرعة، فسيكون أردوغان هو المسؤول الأول عن ذلك، ولن يمكنه حينها الإفلات من المسئولية.
حكومة أردوغان تكذب بالأرقام
دعونا نعود إلى بيان وزير الصحة "قوجة" الذي تحاول وسائل الإعلام الموالية لأردوغان تلميعه وإبرازه في مظهر الوزير الكفء الذي بإمكانه مجابهة تلك الأزمة. فقد واصل الوزير، الذي اعتاد الظهور أمام الكاميرات باستمرار عند منتصف الليل، نفس التقليد الليلة الماضية، وقال الكلمات التالية:
* لقد شاركنا معكم الحالة الأولى في تركيا منذ سبعة أيام.
توفي أحد المصابين بالفيروس؛ وهو رجل في الــــ89 من العمر. وانتقل إليه الفيروس من أحد العمال الصينيين لديه.
اكتشفنا 51 حالة إصابة جديدة بفيروس كورونا، وبذلك أصبح العدد الإجمالي للحالات 98 حالة. (العدد في الوقت الراهن: 4 وفيات، 359 حالة إصابة).
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة