عرض أمريكى جديد لطهران، يدور حول تقديم الدعم في مواجهة شبح "كورونا"، مقابل تنازلات، لا تقتصر في نطاقها على ما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، فيما يتعلق بالإفراج عن السجناء الأمريكيين، وإنما تحمل في طياتها ما هو أكثر عمقا في ظل القضايا الخلافية الكبيرة بين الجانبين، وعلى رأسها رغبة واشنطن في إبرام اتفاق جديد تتوسع فيه القيود على الحكومة الإيرانية، بحيث تمتد من الحد من قدرتها على الوصول إلى السلاح النووي، إلى كافة القدرات التسليحية الأخرى، في ظل ما تمثله الدولة الفارسية من تهديد للاستقرار سواء في منطقتها أو العالم، من وجهة النظر الأمريكية.
إلا أن التركيز على مسألة السجناء الأمريكيين في طهران، يحمل في جوهره أولوية في أجندة ترامب، يبدو وأنه حملها على عاتقه منذ بداية حقبته، تقوم في الأساس على تحرير المواطن الأمريكي القابع فى السجون خارج بلاده، وهو الأمر الذى تحقق على سبيل المثال في دول أخرى، وعلى رأسها كوريا الشمالية، والتي قررت الإفراج عن سجناء واشنطن لديها، كـ"ثمن" ينبغي أن تدفعه مقابل انعقاد قمة بين الرئيس الأمريكي وزعيمها كيم جونج أون، لتكون بمثابة الطريق نحو الانفتاح على العالم.
الأمر نفسه ينطبق على العلاقات الأمريكية التركية، والتي شابها قدر كبير من التوتر، بسبب احتجاز أنقرة لقس أمريكى، يدعى أندرو برانسون، إلى الحد الذى قامت فيه الإدارة الأمريكية بفرض عقوبات على نظام الديكتاتور التركى رجب طيب أردوغان، حتى أجبرته على إطلاق سراح المواطن الأمريكي، وإعادته إلى بلاده.
لم يتوقف الاهتمام الأمريكي بالسجناء في الخارج على مجرد السياسات التي تتبناها واشنطن في مخاطبة العالم الخارجي، وإنما تمتد إلى اختيارات مسئولي الإدارة، وهو ما تجلى في اختيار روبرت أوبراين، مستشارا للأمن القومى خلفا لجون بولتون، خاصة وأن أوبراين قد شغل منصب المبعوث الرئاسى الخاص بشئون تحرير الرهائن فى وزارة الخارجية الأمريكية، وهو ما يمثل انعكاس صريحا للأهمية التي يوليها ترامب لمسألة تحرير السجناء الأمريكيين في الخارج.
ولعل قضية السجناء تتزايد أهميتها بدرجة كبيرة في المرحلة الراهنة، في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية، خاصة وأن الهدف الرئيسى الذى تخاطبه سياسات الرئيس ترامب هو المواطن، وهو ما يبدو واضحا في استخدامه المتواصل لمنصة "تويتر"، باعتباره الوسيلة الذى يمكن من خلالها مخاطبة المواطنين بصورة مباشرة، حيث يبقى استرضاء المواطن سلاح الإدارة الحالية للاحتفاظ بفرصتها للبقاء على رأس السلطة في أمريكا.
وهنا يمكننا القول بأن الضغط على إيران للإفراج عن السجناء الأمريكيين باستخدام ورقة كورونا، هو بمثابة امتداد صريح للسياسات الأمريكية التي بدأت منذ فترة طويلة، عندما حاولت واشنطن مقايضة التفاوض مع طهران بشرط الإفراج عن رعاياها القابعين خلف الأسوار في سجون طهران، وهو ما يمثل اهتمام واشنطن بتحرير سجنائها فى طهران قبل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نوفمبر المقبل.