من الحوادث العظيمة فى التاريخ المصري ما حدث فى ثورة 1919 عندما وقف الشعب جميعه يدا واحدة من أجل كلمة واحدة قالها سعد زغلول "الاستقلال التام أو الموت الزؤام"، وكان من المواقف المشرفة فى ذلك ما قدمته محافظة أسيوط والتى كان نتيجتها ضرب المدينة بالطائرات الإنجليزية.
يقول عبد الرحمن الرافعي فى كتابه "ثورة 1919" بدأت الحركة فى مدينة أسيوط بمظاهرات سلمية يوم 10 مارس سنة 1919 والأيام التالية، وذلك على أثر وصول الأنباء باعتقال سعد باشا، وأضرب طلبة المدرسة الثانوية الأميرية ومعهد أسيوط الديني ومدرية إخوان ويصا، وبقية المدارس وشاركهم الشعب فى المظاهرات، وسرت الحركة إلى أرجاء المديرية، وكان لإضراب المحامين تنفيذا لقرار مجلس النقابة أثر كبير فى امتداد الحركة واتساعها.
وكان بمدينة أسيوط أهراء هائلة من التبن مكدسة لحساب السلطة العسكرية، لتضغط وتكبس في مكبس أنشئ خصيصا لذلك، لكي يجل منها قوالب مضغوطة تصلح للوقود، فما أن اندلع لهيب الثورة حتى أشعلت النار فى هذه الأهراء، فالتهمتها، وتصاعدت النار فى جوانبها، فكان لها منظر مفزع، استمر عدة أيام، وحطم الثائرون المكبس وجعلوه أنقاضا، وانكمش رجال الإدارة وعلى رأسهم المدير محمد علام باشا، وتركوا المدينة عرضة للفوضى، وامتنعوا في المستشفى الأميرى، فانضم المحامون للمحافظة على الأمن والنظام فى المدينة، وألفوا من بينهم لجانا للطواف في الشوارع وتطمين الناس على حياتهم وأموالهم ومنع اندساس بعض الأشرار إلى المدينة لأغراض غير وطنية ومع أن هؤلاء المحامين كانوا يؤدون مهمة جليلة، فقد اعتقلتهم السلطة العسكرية بعد استتباب السكينة في المدينة وحاكمت بعضهم.
وهجم الثوار على مركز البوليس في المدينة، وأخذوا منه السلاح وهاجموا القوات البريطانية بها، ولكنها تلقت الأمداد فصدتهم عن مواقعها بعد أن كبدتهم خسائر جسيمة.
وأشد حوادث العنف فى الوجه القبلي، بل فى الثورة كلها، مهاجمة الثوار يوم 18 مارس 1919 القطار القادم من الأقصر إلى القاهرة، وقد وقع الهجوم في ديروط ثم في دير مواس، وكان به بعض الضباط والجنود البريطانيين، فقتلهم الثوار، وبلغ عدد هؤلاء القتلى ثمانية، وهم القائمقام بوب بك مفتش السجون فى الوجه القبلي والماجور دارفز والملازم وللبي وخمسة جنود.
وكان لهذا الحادث ضجة كبرى، إذ لم يسبق حدوث مثل هذا الاعتداء على ضباط وجنود الجيش البريطاني، واهتمت السلطة العسكرية بعقاب المعتدين عقابا هائلا، وألقت القبض على مئات من المتهمين، وقدمت من رأت إدانتهم إلى محكم عسكرية عليا، فكانت لهم قضية هامة.
وتفاقمت الحالة فى أسيوط واتخذ الجنود البريطانيين مكانا دفاعيا فى المدينة اجتمعوا به ومعهم النزلاء الأجانب، وبلغ عددهم 146 شخصا ووضع النساء والأطفال وعددهم سبعين فى المدرسة الثانوية وبقوا فى أمان.
وفى صباح 23 مارس 1919 هوجم المكان الدفاعي وقبل أن تستطيع الإمدادات الوصول إلى المركز الدفاعي الذي يحرس الطريق من قرية الوليدية إلى المدرسة، تمكن المهاجمون من اختراق النطاق وأخذوا يطلقون النار على الجنود البريطانيين وقد صد هذا الهجوم بعد أن تكبد الثائرون خسارة جسيمة من القتلى والجرحى بلغوا المئات.
وذلك قبل أن تصل طائرتان حربيتان مائيتان إلى أسيوط فألقتا بعض القنابل فأصابت بعض الأهلين وقتلت بعضهم.