ألغت تركيا الخلافة الإسلامية يوم 3 مارس عام 1924، عندما قام مصطفى كمال أتاتورك بخلع السلطان عبد الحميد، فانتهز القصر الملكى فى مصر الفرصة وعمل لنقلها إلى القاهرة، وتنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين، حسبما تذكر الدكتورة أمل فهمى فى كتابها «الملك فاروق والخلافة الإسلامية»، مؤكدة أن القصر اعتمد على الأزهر فى تحقيق هذا المشروع، وقام رجال القصر من أمثال سعيد باشا وحسن نشأت وكيل الديوان الملكى وقتذاك بالترويج لفكرة مبايعة الملك فؤاد للخلافة فى عهد وزارة الشعب سنة 1924،وشارك الأزهر بعلمائه فى تبنى الدعوة والترويج لها.
يكشف أحمد شفيق باشا فى حوليات مصر السياسية– 1924 الأسرار التى أحاطت بهذه الفكرة قائلا: الكثيرون من العلماء الذين لهم مكانة فى الرأى العام، كتبوا المباحث الطويلة يظهرون الحكمة الشرعية من وجود الخلافة وحاجة المسلمين إليها، وبدأت تتولد فكرة جديدة هى وجوب عقد مؤتمر لحل هذه المسألة واختيار الخليفة، واختلفت الآراء فى مكان عقد هذا المؤتمر، وكان الملك حسين، ملك الحجاز، يسعى أن يكون ذلك فى مكة المكرمة، ولكن العالم الإسلامى كان يتطلع إلى مصر، ويرى أنها أحق البلاد بالقيام بهذا المؤتمر الذى يبحث مشكلة الخلافة وينتخب الخليفة.
غير أن «أمل فهمى» تضع هذه الفكرة فى سياق سياسى شهدته مصر بعد ثورة 1919،مشيرة إلى أن القصر الملكى تبنى الاتجاه الإسلامى منذ أوائل عهده، كرد فعل طبيعى لمواجهة الأفكار الليبرالية والتكتلات السياسية التى شهدتها البلاد فى أعقاب الثورة، وما تلى ذلك من إعلان تصريح 28 فبراير 1922..توضح: «كان الاتجاه الإسلامى يمثل حاجة ملكية أملتها دوافع سياسية وليست دينية تتصل بالقصر، ومن ثم استهدفت توجهات القصر الإسلامية تأصيل دعائم حكمه وتوطيد مكانته السياسية».
تضيف «فهمى»: لاشك أن التغيرات السياسية والتشريعية التى شهدتها البلاد عشية إعلان تصريح 28 فبراير، كانت تحمل فى إطارها العام نذيرا بتراجع دور القصر كمؤسسة سياسية، رغم سعى الملك فؤاد للحد من آثار تلك التغيرات علي العرش، وفى إطار الصراعات السياسية بين الحركة الوطنية والقصر بدا من المتعذر عليه أن يحرز نصرا حاسما فى ظل غياب تأثيره الجماهيرى، على هذا بدا الاتجاه الإسلامى يمثل المجال الحيوى لاهتمامات القصر، على أمل أن يحقق من ورائه رصيدا شعبيا يدعم موقفه فى مواجهة خصومه السياسيين في الداخل، ويهيئ له مكانة متميزة بين الأقطار الإسلامية، وبعبارة أخري فإن توجهات القصر الإسلامية لم تكن انعكاسا لعقيدة ترسخت بين جنباته،أواستجابة لنزاع حقيقى للدفاع عن الإسلام، بل إن حركته فى هذا المضمار كانت بواعثها سياسية أكثر منها دينية.
تؤكد فهمى أن المفهوم الإسلامي تبلور عند القصر منذ عهد فؤاد من خلال اتجاهين، أولهما بسط هيمنته على الأزهر والاستئثار بالسطلة عليه، وثانيهما تبني فكرة الخلافة الإسلامية واعتمد فيه على رجال الأزهر.. يؤكد شفيق: اجتمع لدى محمد سعيد باشا، وزير المعارف، فى أوائل شهر مارس بعض العلماء ومن بينهم الشيخ محمد حسنين العدوى، وكيل الأزهر، ودار الحديث حول ما كان من طرد آل عثمان من تركيا وإلغاء الخلافة، فقال بعض الحاضرين: ولما لا تكون الخلافة للملك فؤاد، وما علينا إلا أن نجمع العلماء الموجودين فى القطر المصرى فينتخبونه ويبايعونه، وهكذا تتم لملك مصر، واستحسن الموجودون الفكرة ثم عرضها سعيد باشا على سعد باشا زغلول رئيس الوزراء الذى حبذها، ومن ثم قابل جلالة الملك وعرضها عليه فرفضها جلالته قائلا: كيف أقوم بالواجب نحو جميع المسلمين مع أن حملى ثقيل بالنسبة لمصر وحدها؟
لم يكن رفض فؤاد كلمة نهائية للفكرة. يكشف شفيق أن نشأت باشا وكيل الديوان الملكي بدأ في نشرها سرا.. يذكر: كان يسافر إلى طنطا ويجتمع بالعلماء هناك، ثم إلى الإسكندرية والمدن الأخرى التى يمكن أن تقام فيها اجتماعات من العلماء، ثم بدأت تتكون جماعات فى تلك الجهات بصفة لجان للخلافة. يذكر شفيق أن الأمير عمر طوسون انضم للدعوة، وكتب إلى رئيس الوزراء سعد باشا زغلول خطابا يوم 15 مارس 1924 يسأله فيه عن رأى الحكومة فى عقد مؤتمر عام لنظر مسألة الخلافة الإسلامية، بعد أن تواردت إليه رسائل عديدة من طبقات مختلفة بخصوص ذلك، وفى يوم 23 مارس اجتمعت لجنة الخلافة فى الأزهر ورفعت التماسا إلى الملك تؤيد فيه ما طالب به طوسون، وفى يوم 25 مارس، فى مثل هذا اليوم، 1924، انعقد اجتماع الهيئة العملية الدينية الإسلامية الكبرى فى الإدارة العامة للمعاهد الدينية بالأزهر لمناقشة الموضوع.. فماذا جرى فيه؟