اضطر كثير من الناس حول العالم ملازمة المنزل طوال اليوم بل والعمل من المنزل، بهدف تقليل الاحتكاك ونقل العدوى بين الموظفين، بسبب تفشى فيروس كورونا المستجد "كوفيد 19"، كما أصبح الحال نفسه مع الأطفال الذين يتقلون دروسهم داخل المنزل أيضًا، لكن الوضعية الجديدة للعمل بين أفراد الأسرة داخل المنزل، رآها البعض مهمة صعبة التنفيذ فى حالة وجود أطفال.
وفى ظل اجتماع جميع أفراد الأسرة داخل المنزل على مدار اليوم وخوض كثير من الناس هذه التجربة لأول مرة، وهى حياة غير معتادة، أصبحت جملة "لقد وضعت أطفالى فى الثلاجة، الأمر رائع!".. واحدة من النكات التى ينشرها الكبار على منصات السوشيال ميديا بعد قرار العزل المنزلى الإلزامى الذى تتبعه فرنسا لمواجهة فيروس كورونا المستجد، لكن هناك خطر أن يصبح المزاح حقيقة، خاصة وأن الاجتماع الطويل لأفراد الأسرة على غير المعتاد قد يفجر الغضب وفقدان أعصاب الكبار أثناء أدائهم أعمالهم الوظيفية بينما يلهو الأطفال غير مبالين.
وفى هذا الصدد، تطرح المجموعة النسوية "نو توت (نحن جميعًا)، مبادرة للحماية واحتواء "الانفجار"، والتى تشير إلى أن الحجر مناسبة لتمضية الكثير من الوقت مع الأطفال، لكن عندما نعمل من منازلنا عن بُعد وتكون مساحة المنزل صغيرة أو نكون مرهقين، يمكن أن تتضاعف التوترات
من جهتها، تقول الطبيبة النفسية مويرا ميكولاتشاك: "نعم قد تودون رمى الأطفال من النوافذ، وهذا طبيعى، لكن ما هو غير طبيعى هو أن تقدموا على ذلك"، ودعت الأهل إلى "التخلّى عن دور الرجل أو المرأة الخارقة لتخفيف الضغط عن أنفسهم"، وبهدف مساعدة الأهل، أنشأت "نو توت"، 20 مجموعة على تطبيق "واتساب" وتضمّ حتى الآن أكثر من 4 آلاف مستخدم، وذلك وفقًا لما نقلته وكالات أنباء عالمية.
وتقدم المجموعة من خلالها النصائح التعليمية والتوجيهات: "عند الشعور بأن الضغط يتزايد اعزلوا أنفسكم حتى ولو فى الحمّام، ولكن أيضاً يمكن مشاهدات الفيديوهات المسلّية مع الأطفال أو برمجة بعض الوقت بعيداً منهم بالكامل من خلال الإغلاق على أنفسكم فى غرفة، فيما يقوم الشريك الآخر برعاية الأطفال"، وتكمن الفكرة فى المساعدة على تجنّب "الكلمات" و"الأفعال" التى قد "تضرّ أو تؤذى"، خصوصاً أننا "قد نندم على بعض سلوكياتنا لاحقاً".
ويقول التقرير، "تطبّق سارة هذه التعليمات لتبقى مسترخية، وهى أم لثلاثة أطفال (7 سنوات و4 سنوات وشهران)، وتقول: "أمس أغلقت على نفسى لمدّة ساعة فى الغرفة من دون التصاق الأطفال بى وقمت بجلسة تأمّل من خلال إنستجرام".
ومع إنهاء فرنسا أسبوعها الأول من الحجر المنزلى التام، أوضحت سارة: "الأمر يسير على ما يرام، لكنه مقلق ومحبط على المدى الطويل"، ولا شكّ فى أن الأمر مرهق للأهل، لكنّه كذلك بالنسبة إلى الأطفال أيضاً، فيما يقول استيبان - المحجوز مع أهله فى رومانفيل إحدى ضواحى باريس - "إنها حجّة لألعب فى غرفة المعيشة فيما والدتى تعمل".
كما تروى فرجينى - وهى مديرة مصرف وأمّ لصبيين (11 و6 سنوات) فى أرجنتويل بشمال غرب العاصمة - "على أن أكون أمّاً ومعلّمة ومديرة وطاهية وعاملة تنظيف.. ذلك كثير"، بينما تطالب مويرا ميكولاتشاك من جامعة لوفان الكاثوليكية فى بلجيكا، بعدم الاستهانة بالموضوع حتى ولو كانت الأمور تسير على ما يرام بالنسبة إلى معظم الآباء.
فيما خصّصت جامعة لوفان صفحة خاصّة على موقعها على الإنترنت مليئة بالنصائح حول "طريقة تنظيم يوم الأطفال"، والتى تقول "فى لحظات محدّدة "اتركوهم وحدهم"، أيضاً كونوا مرنين و"لا تتردّدوا فى تليين بعض القواعد"، وتتابع: "يمكننا أن نتوقّع زيادة الإرهاق لدى الأهل" وهو ما يثير المخاوف من "حالات إهمال أو عنف".
وهذا القلق نقلته أيضا وزارة الدولة لشؤون الطفولة فى فرنسا، إذ حذّرت من "زيادة أخطار سوء المعاملة بسبب الظرف الحالى الذى أجبر الموظفين على العمل من منازلهم"، وقالت ميكولاتشاك: "يجد الآباء أنفسهم آباء فى المنزل من دون أن يرغبوا فى ذلك، ومن المعروف أن الوالدين فى المنزل هم أكثر عرضة للإرهاق وفقاً للدراسات".
وأضافت: "العائلات الغربية ليست معتادة على العيش مع بعضها البعض"، وتتابع أنه فى الفترة الحالية لا يمكن اللجوء إلى الأجداد أو الذهاب إلى المطعم" لتخفيف الضغط، والحلّ الذى توصّل إليه "إتيان"، وهو والد لطفلتين تبلغان 10 و6 سنوات، ترك العمل.
وقال: "فى البداية وفى ظل إغلاق المدارس وضعت نفسى تحت الضغط ولم أكن أعرف كيف أقوم بكلّ ذلك خصوصاً أن الأطفال لم يتركوا لى الوقت، لاحقاً فهمت، تركت كلّ مشاريعى المهنية وباتت الأمور أفضل بكثير".