عندما بدأ الحديث عن ظاهرة التغير المناخى، ثارت حالة من الصراع بين الدول المتقدمة، ونظيرتها النامية، حول الالتزامات التي ينبغي أن تقدمها كل منهما لاحتواء الظاهرة، التي تمثل تهديدا صريحا للأمن العالمى، حيث رأت الدول المتقدمة أن المسئولية تقع على عاتق الجميع، وبالتالي ينبغي أن يكون الالتزام بها متساويا، في حين أن الدول النامية حملت توجها مخالفا، يقوم على أن الثورة الصناعية الكبرى التي خاضتها دول العالم المتقدم هي السبب الرئيسى لما يمكننا تسميته بـ"التمرد" البيئي، وبالتالي فيجب أن تحمل على عاتقها القسط الأكبر من الالتزامات.
هكذا كان الصراع منذ عدة سنوات، في ظل حديث عن تداعيات كارثية لظاهرة، لن تميز بين الدول من حيث تصنيفاتها، حيث تجلت فيه حالة من الأنانية لحفنة من القوى، سيطرت لسنوات على مقادير النظام العالمى، بقيادة الولايات المتحدة، بينما لم تضع في اعتبارها مسئوليتها الدولية باعتبارها الدول القائدة، لتحقيق أبسط المبادئ التي سطرتها هي نفسها، عندما وضعت المواثيق الدولية، التي تحمل قوة القانون الذى يحكم مجتمع الدول، وعلى رأسها ميثاق الأمم المتحدة، ومواثيق حقوق الإنسان وغيرها، والتي تدور في معظمها حول مبدأ واحد، وهو دحض التهديدات التي من شأنها تقويض الأمن والسلم الدوليين.
المشهد الصراعى بين دول العالم، على خلفية التغيرات المناخية، يتكرر مع تفشى فيروس كورونا، في ظل غياب الوجه الإنسانى عن السياسات التي تتبناها الدول التي تتصدر المشهد الدولى في المرحلة الراهنة، إلا أن المعطيات تبدو مختلفة، في ظل منافسة حقيقية على موقع الصدارة الدولية، جراء الصعود الصينى الكبير، بالإضافة إلى النجاح الكبير الذى حققته روسيا في السنوات الأخير لاستعادة جزء كبير من مكانتها الدولية بعد أكثر من عقدين من الركود.
وهنا نجد أن القوى الجديدة التي تصارع لإنهاء الهيمنة الأمريكية الأحادية على النظام العالمى، وعلى رأسها الصين وروسيا، باتت تتسلح بوجه إنسانى، يقوم على فكرة تقديم الدعم للدول الأخرى، ومن بينها قوى طالما اعتبروها خصوما لهم، في ظل تبعيتهم للولايات المتحدة، وحرصهم الشديد على الدوران في فلك واشنطن، وعلى رأسهم دول أوروبا الغربية.
فلو نظرنا إلى المشهد المأساوى الراهن في إيطاليا، نجد أن ثمة سباقا روسيا صينيا لتقديم الدعم للدولة العضو بالاتحاد الأوروبى، لم يتوقف على مجرد عبارات الدعم، وإنما امتد إلى القيام بدور في مكافحة الأزمة، التي تعد أحد أشرس الأزمات التي واجهت روما في التاريخ، عبر تقديم مساعدات دوائية من الصين، بينما أرسلت روسيا فرقا عسكريا للقيام بعمليات التعقيم، في الوقت الذى واصلت فيه واشنطن حالة التخلي عن الحلفاء في القارة العجوز.
الوجه الإنسانى للسياسة الدولية غاب عن القوى المهيمنة على المشهد الدولى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وهو الأمر الذى يفتح بابا جديدا لمزاحمتها من قبل خصومها، في المستقبل القريب، خاصة وأن النهج الأمريكي المتكرر يساهم بصورة كبيرة في نزع ما يمكننا تسميته "غطاء الشرعية"، الذى طالما حظت به لسنوات لقيادة العالم.