نتائج الجولة التمهيدية، لاختيار مرشح الحزب الديمقراطى لانتخابات الرئاسة الأمريكية، والمقررة في نوفمبر المقبل لمواجهة الرئيس دونالد ترامب، تتجه بقوة نحو اختيار نائب الرئيس السابق جو بايدن، وهو ما يعنى الفشل فى تقديم صورة جديدة، سواء شكليا أو حتى من ناحية الرؤية السياسية التي يتبناها، خاصة وأن الرجل يمثل امتدادا صريحا لحقبة باراك أوباما، التي استمرت ثمانية أعوام، بالإضافة إلى كونه وجها تقليديا للحزب، وهو الأمر الذى ينذر بثورة حقيقية داخل أروقته في المرحلة المقبلة، في ظل حالة الغضب التي تجتاح جيل جديد من الشباب آثروا دعم منافسه بيرنى ساندرز.
إلا أنه بعيدا عن تداعيات النتيجة المتوقعة على مستقبل الحزب، والتي تعكس فشلا في احتواء غضب قطاع كبير من المنتمين له، ربما يلوح في الأفق فشلا أكبر يمثل حلقة جديدة من مسلسل الإخفاقات التي لاحقت الديمقراطيين في السنوات الأخيرة، يتجلى بوضوح في عدم قدرتهم على تقديم ما يمكننا تسميته بـ"سابقة"، يتباهون بها في مرشحهم المنتظر، وهو الأمر الذى اعتادوا عليه فى الأحداث الانتخابية الأخيرة، وإن كانت سوابقهم دائما ما كانت شكلية، بينما لا تحمل في جوهرها تغيير حقيقى في الرؤى السياسية يمكنها مجاراة التطورات سواء في الداخل الأمريكي أو على الساحة الدولية.
فلو نظرنا إلى آخر منافسات الديمقراطيين الرئاسية، نجد أن ثمة اختلافا في الوجوه، تجلى في اختيار شاب من ذوى الأصول الإفريقية، وهو باراك أوباما، تقدموا به في انتخابات 2008، ليصبح أول مرشح (وبعد ذلك أول رئيس) من أصحاب البشرة السمراء، وهو الاختيار الذى يحمل في طياته رسالة للمجتمع الأمريكي، مفادها قبول كافة عناصره، بعيدا عن أية أبعاد عنصرية أو عرقية، وهى المحاولة التي حققت نجاحا كبيرا، ظهر بوضوح في نجاح الرئيس للحصول على فترتين رئاسيتين، في حين قدموا هيلارى كلينتون لتحصل هي الأخرى على لقب "الأولى" باعتبارها، حال فوزها ستكون أول امرأة تجلس على عرش البيت الأبيض، إلا أن محاولتهم تلك باءت بالفشل الذريع، خاصة وأنها جاءت أمام مرشح "مغمور" بالمعايير السياسية المتعارف عليها آنذاك، وهو ترامب، الذى حقق انتصارا كاسحا.
وهنا تبدو معضلة الديمقراطيين هذه المرة فى الفشل فى تقديم مرشح يمكن أن يمثل "سابقة" في التاريخ الأمريكي، خاصة بعد انسحاب المرشح الشاب بيت بوتجيج، والذى كان سيمثل اختياره سابقة جديدة باعتباره (أول مثلى) يترشح للبيت الأبيض، وكذلك انسحاب إليزابيث وارن، والتي كانت ستمثل امتدادا لمحاولة كلينتون قبل 4 سنوات، باعتبارها امرأة.
اختيار بايدن، والذى بات الأقرب لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتي يرى قطاع كبير من المتابعين والمحللين بأنها ستكون الأشرس على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة، تمثل تقويضا لمسلسل "السوابق" التي اعتمدها الحزب الديمقراطى، في السنوات الأخيرة، عبر تقديم مرشحين يحملون اختلافا شكليا عن سابقيهم ممن اعتلوا عرش البيت الأبيض، وهو ما يعكس حالة من الإفلاس، خاصة بعد سلسلة من الخطوات التي عكست فشلا ذريعا، فيما يتعلق بالخصومة السياسية مع ترامب، في الأشهر الماضية.