لقاء مرتقب بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، ونظيره التركى رجب طيب أردوغان في العاصمة موسكو، يوم الخميس المقبل، بهدف إنهاء الدور المشبوه الذى تلعبه أنقرة في إدلب، لدعم الميليشيات الإرهابية المتطرفة في أخر معاقلها على الأراضى السورية، لتصبح زيارة أردوغان أشبه بـ"استدعاء"، من قبل "القيصر" الروسى، باعتباره صاحب اليد العليا في سوريا، منذ دخوله على خط الأزمة في 2015، لدعم نظام الرئيس بشار الأسد، ودحض الإرهاب، الذى سعت أنقرة وحلفائها الغربيين إلى دعمه في مختلف الدول العربية، في أعقاب ما يسمى بـ"الربيع العربى".
إلا أنه بعيدا عن طبيعة الزيارة، والتي تمثل امتدادا للقاءات أخرى حاسمة، أملى خلالها بوتين رؤيته على "القزم" التركى، كان أخرها لإنهاء العدوان التركى على منطقة الشمال السورى، في أكتوبر الماضى، تبقى "لعبة الإذلال"، هي بمثابة الهواية المفضلة لدى "القيصر في التعامل مع خصومه، حيث أنه غالبا ما لا يكتفى بالفوز بنقاط سياسية إضافية، في القضايا الخلافية على حسابهم، ولكنه يبقى مهتما بإبرازهم أمام العالم باعتبارهم الحلقة الأضعف في معادلة القوة، في مواجهة موسكو التي استعادت قدرا كبيرا من مكانتها الدولية، التي فقدتها في أعقاب الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتى.
"لعبة الإذلال" ليست جديدة في دبلوماسية بوتين في التعامل مع الخصوم، منذ ما قبل استعادة النفوذ الروسى، وربما كان أردوغان أحد أبرز ضحاياها في العديد من المواقف السابقة، وأهمها عند لقائه الأول بالديكتاتور التركى، بعد شهور من القطيعة في أعقاب إسقاط أنقرة لطائرة روسية على الحدود بين سوريا وتركيا، حيث حرص الرئيس الروسى على أن يكون اللقاء في "القاعة اليونانية"، بالقصر القيصرى، بمدينة سان بطرسبرج، في إشارة إلى التوتر الكبير بين تركيا واليونان، وهو ما يحمل رسالة ضمنية مفادها أن موسكو يمكنها حصار "الخليفة" المزعوم من كافة الجهات إذا ما اقترفت أثام أخرى تجاهها.
إذلال أردوغان من قبل القيصر الروسى لم يتوقف على مجرد الجانب الرمزى، كما هو الحال في اللقاء المذكور، وإنما امتد إلى تقويض دوره تدريجيا، وبالتالي تحويله إلى "دمية" يمكن استخدامها لتحقيق الأهداف الروسية، وهو ما بدا واضحا في استقطابه أولا إلى جانب موسكو، عبر الانضمام إلى محادثات "أستانا"، حول الأزمة السورية، وتجريده من حلفائه الغربيين، عبر تعميق التعاون بينهما حتى صارت روسيا أحد أهم المنافذ لتركيا، ليس فقط على مستوى البضائع، ولكن أيضا للوصول إلى السلاح، عبر الحصول على منظومة "إس 400" الدفاعية، وبالتالي انتهاك قواعد الناتو.
سياسات روسيا تجاه تركيا حملت مسارين متوازيين، أولهما تجريد تركيا من حلفائها الغربيين، لتتحول من قوى إقليمية بارزة بمعايير الغرب إلى مجرد تابع لموسكو، يمكن استخدامها لتقويض الناتو، بينما يدور الثانى حول حرمان الغرب من حليفهم الذى طالما اعتمدوا عليه لنشر الفوضى في الشرق الأوسط، في أعقاب "الربيع العربى"، وخاصة في سوريا، وبالتالي تصبح أوراق الأزمة السورية بالكامل في يد موسكو، سواء على المستوى الدولى، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا، أو على المستوى الإقليمى، عبر تحييد الدول الحليفة للغرب من داخل المنطقة، وعلى رأسها تركيا.
ولكن يبقى تحقيق الأهداف الروسية، ليس مجرد عن طريق الانتصارات الدبلوماسية العادية القائمة على التفاوض، وإنما نتيجة لفرض رؤية موسكو باعتبارها الطرف الأقوى على الأخرين، وهو ما بدا بوضوح في اتفاقات سابقة عقدها بوتين مع أنقرة، سواء فيما يتعلق بتجريد الميليشيات الإرهابية من أسلحتها في إدلب 2016، أو إجبارها على الانسحاب من شمال سوريا، ليبقى وجود القوات التركية قاصرا على المنطقة الحدودية.