أثار الدكتور يوسف زيدان، منذ أيام، جدلا بعدما أوضح في لقائه بالتليفزيون "أن هناك تصورا لدى الناس بأن مفهوم الجهاد يرتبط بالدين الإسلامى، رغم أن أول ظهور لهذا المفهوم كان فى المسيحية وليس الإسلام، موضحا: "الآية الإنجلية صريحة جداً وبتقول بفعل الأمر الحاسم جداً بعد الترجمة العربية جاهد فى سبيل يسوع كما يجاهد الجندى الصالح فى سبيل سيده".
التصريحات التى خرج بها صاحب "عزازيل" أثارت جدلا واسعا بين مؤيد لتلك النظرية باعتبار أن هناك العديد من الحروب المسيحية قامت على أساس دينى من أجل الرب فى مفهوم يقارب فكرة الجهاد فى الإسلام، وبين معارضا يرى أن ادعاءات يوسف زيدان باطلة.
ورغم أن عدد الآيات التى تدعو إلى العنف فى الإنجيل لا تتجاوز عدد أصابع اليد، لكنها خلافا لشرح رجال الكنيسة الشرقية الذين دأبوا على تفسيرها بشكل رمزى محولين "الجهاد الجسدى" إلى جهاد روحى، تحولت فى الغرب إلى آيات تدعو إلى إقامة "شرع الرب" على الأرض، أبرزها تلك الآية التى جاءت على لسان المسيح فى إنجيل لوقا (لوقا 22:36): "من ليس له (سيف) فليبع ثوبه ويشتر سيفا" وقد بدأت بسببها حملة منقطعة النظير لبيع الأملاك فى أوروبا لشراء السلاح.
لكن ما قاله يوسف زيدان كان صحيحا إلى حدا ما، حيث شهدت فترة القرن الرابع الميلادى فى مدينة الإسكندرية العديد من الممارسات العنيفة، كان من بينها اقتحام عناصر للجماعات المتطرفة لمكتبة الإسكندرية التى كانت صرحا من صروح العلم، والاعتداء على المعابد الإغريقية والرومانية، وهدم التماثيل وحرق الأبحاث العلمية والخرائط التى انتمت إلى العصر "الوثنى" وقتل الفيلسوفة القديمة هيبتيا، فى الوقت الذى حاول بعض أصحاب الدين الجديد "المسيحية" إثبات ولائهم لدينهم وتجنيب كل ما يمكنه تعكير صفو المؤمنين به.
كما أن الحملات الصليبية على الشرق من أجل احتلال بيت المقدس "مدينة القدس" تحمل جانبا طويلا من تاريخ الصراع بين الشرق والغرب، الذى كان فى الأساس سياسيا تحت غطاء دينى بامتياز، ففى فى 19 نوفمبر عام 1095 دعا البابا أوربانوس الثانى مجلس كليرمون للانعقاد لمناقشة إرسال حملة إلى الأراضى المقدسة، وكان ذلك بداية لانطلاق الحملات الصليبية وبداية الصراع الحقيقى بين الغرب والشرق، والحروب الصليبية الطويلة التى استمرت إلى عصور متقدمة.
بحسب كتاب "عقيدة الخلاص بالإيمان والأعمال فى ضوء الكتاب المقدس" فإن الكنيسة الكاثوليكية أصدرت صكوك الغفران فى القرن العاشر، بناء على مجلس مجلس راتس سنة 934م، فأقبل معظم الكاثوليك على شرائها، بغض النظر عن كفارة المسيح أو الحالة الروحية للذين يبتاعون الصكوك، لكن تلك الصكوك لم تظهر بشكلها الشامل إلا عندما قامت الحروب الصليبية، عندما أصدر البابا أوربان غفرانا شاملا لكل الذين يخرجون إلى هذه الحرب بدافع الرغبة فى خدمة المسيحية، وبذلك ضمن الحياة الأبدية بحسب زعم أوربانوس، لكل العاملين فى هذه الحرب بعض عن النظر عن حياتهم الروحية.
وقال البابا الكاثوليكى في خطبته الشهيرة حينها: "يا شعب الله المحبوب المختار، لقد جاءت من تخوم فلسطين، ومن مدينة القسطنطينية أنباء محزنة تعلن أن جنساً لعيناً أبعد ما يكون عن الله قد طغى وبغى فى تلك البلاد، بلاد المسيحيين فى الشرق، قلب موائد القرابين المقدسة، ونهب الكنائس وخربها وأحرقها، وساقوا بعض الأسرى إلى بلادهم، وقتلوا بعضهم الآخر بعد أن عذبوهم أشنع تعذيب، ودنسوا الأماكن المقدسة برجسهم، وقطعوا أوصال الإمبراطورية البيزنطية، وانتزعوا منها أقاليم بلغ من سعتها أن المسافر فيها لا يستطيع اجتيازها فى شهرين كاملين.. على من إذن تقع تبعة الانتقام لهذه المظالم، واستعادة تلك الأصقاع إذا لم تقع عليكم أنتم، أنتم يا من حباكم الله أكثر من أى قوم آخرين بالمجد في القتال، وبالبسالة العظيمة وبالقدرة على إذلال رؤوس من يقفون في وجوهكم؟ ألا فليكن من أعمال أسلافكم ما يقوي قلوبكم، أمجاد شارلمان وعظمته، وأمجاد غيره من ملوككم وعظمتهم، فليثر همتكم ضريح المسيح المقدس ربنا ومنقذنا – الضريح الذى تمتلكه الآن أمم نجسة، وغيره من الأماكن المقدسة التي لوثت ودنست – لا تدعوا شيئاً يقعد بكم من أملاككم أو من شئون أسركم، ذلك بأن هذه الأرض التى تسكنونها الآن والتى تحيط بها من جميع جوانبها البحار، وتلك الجبال، ضيقة لا تتسع لسكانها الكثيرين، تكاد تعجز عن أن تجود بمن يكفيكم من الطعام، ومن أجل هذا يذبح بعضكم بعضاً، وتتحاربون ويهلك الكثيرون منكم في الحروب الداخلية، طهروا قلوبكم إذن من أدران الحقد، وأقضوا على ما بينكم من نزاع واتخذوا طريقكم إلى الضريح المقدس".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة