أراد الرئيس جمال عبدالناصر أن يبادر بزيارة الإمام أحمد حاكم اليمن فى جناحه الخاص بمدينة جدة بالسعودية، حسبما يذكر صلاح الشاهد كبير الأمناء برئاسة الجمهورية فى مذكراته «ذكرياتى بين عهدين، مضيفا: أبلغت الإمام برغبة الرئيس فى زيارته وحدد لهذه الزيارة صباح يوم الأحد 22 إبريل، مثل هذا اليوم، 1956 فتحدد موعد الزيارة فى مثل هذا اليوم «22 إبريل 1956»، وتوجه عبد الناصر إلى الإمام أحمد لتقع مفاجأة أدهشت الجميع.
يذكر «الشاهد» أن الرئيس عبد الناصر رأى هذه المبادرة لأسباب منها، أن «جلالة الإمام أحمد كان مصابا بالشلل، وأنه كان يكبر الرئيس المصرى فى العمر».
كان جمال عبد الناصر فى زيارة إلى المملكة العربية السعودية بدأت يوم 20 إبريل 1956، وجاءت لوقف المحاولات الخطيرة للتفريق «عبد الناصر» والعاهل السعودى الملك «سعود»، وفقا للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس»..يتذكر الإعلامى أحمد سعيد رئيس إذاعة صوت العرب 1953 إلى 1967 فى مذكراته «غير منشورة وبحوزتى نسخة منها»: «تلقى عبد الناصر اتصالا هاتفيا من الملك سعود ثم ولى العهد الأمير فيصل أكدا فيه صادق حرصهما على تنمية علاقات الثقة والتعاون مع مصر، الأمر الذى دفع عبد الناصر إلى إعلانهما بضرورة عقد لقاء عاجل مباشر يجمعهم، ولوفى جدة لتوثيق هذا الهدف المشترك، وأصدر عبد الناصر تعليماته بالتمهيد الإعلامى الفورى للرحلة».
يؤكد هيكل: كان الإمام أحمد إمام اليمن فى الصورة، فقد بعث للملك «سعود» قبل وصول «عبدالناصر» إلى جدة يطلب منه أن يسمح لليمن بالانضمام إلى مصر والسعودية فى أى عمل تقومان به، وهكذا انضم الإمام أحمد إلى الاجتماع.
يتذكر «الشاهد» وقائع هذه الزيارة ومفاجأة الإمام أحمد لعبد الناصر، مشيرا إلى أنه جرت العادة على أن يكون فى مقدمة الركب لترتيب الاستقبالات عند وصول الملك سعود والرئيس جمال عبدالناصر، وكان من المفروض أن يكون الإمام أحمد بالمطار، ولكن لظروفه الصحية وكبر سنه كان فى الانتظار بمدخل القصر، وكان وزير الدولة السعودى «عبد الرحمن الطبيشى» هو رئيس بعثة الشرف التى رافقت «الإمام».
يضيف «الشاهد» أن سبب اختيار « الطبيشى» لهذه المهمة هو «متانة جسمه وقوة ذراعيه حتى إذا ما تعلق به الإمام استطاع أن يحمله لأن الإمام كان مصابا بشلل الأطفال».. يتذكر: عندما وصلت حييت معالى وزير الدولة، ولكن دخل فى روع الإمام أن القادم هو جمال عبد الناصر وفى ثوانى، وجدته يعانقنى عناقا شديدا رهيبا، وقال: أهلا أخى جمال، ولم أستطع أن أحتمل ثقل جسمه، وألجمت الدهشة وزير الدولة السعودى الذى جعل يضحك على هذا الموقف الطريف، وحاول أن يفهم الإمام أننى لست جمال عبد الناصر، وأخيرا أدرك وقام بتقديمى إليه معالى وزير الدولة، وتكررت المأساة مرة أخرى، وعانقنى قائلا: «أهلا، أخى صلاح».
تم توقيع اتفاق للتعاون العسكرى مصرى سعودى يمنى يوم السبت «21 إبريل»، وطبقا لـ«هيكل» فإن عبدالناصر قال لـ«سعود» إنه لم يكن يتصور أن إمام اليمن بهذه الحالة، وأنه يخشى من أن يكون اشتراكه فى الاتفاقية إضعافا لها، لكن الأمير «فيصل» أسرع بالرد: اليمن مهم فى شبه الجزيرة العربية ومن الأفضل أن نحتوى الرجل قبل أن يخطفه غيرنا.
واستكمالا لدهشة عبد الناصر من الإمام يروى « الشاهد»، أن الجانب المصرى كان ينزل فى جناح بقصر «الضيافة الكبير» فى «جدة» وإلى جانبه ينزل الوفد اليمنى، وأراد عبد الناصر أن يبادر بزيارة الإمام فى جناحه الخاص وفى يوم 22 إبريل 1956 تمت الزيارة ووقعت المفاجأة.. يذكر الشاهد: فى الصالون الرئيسى الملحق بجناح الإمام أحمد جلس الرئيس عبد الناصر إلى يمين «الإمام» وبعد برهة وجيزة حدث شىء طريف، لا يمكن للإنسان أن يتصوره بأى خيال، إذ تسلل من تحت المقاعد حوالى أربعين طفلا لا تزيد سن كل منهم على عشر سنوات، وساد الهرج، وتصايح الأطفال من حولنا مهللين يلعبون وكأن الأمر لا يعنيهم فى كثير أو قليل».
يتحدث «الشاهد» عن رد فعل « عبدالناصر» والوفد المصرى: عقدت الدهشة ألسنتنا وألجمتنا وافتر ثغر الرئيس عبد الناصر عن ابتسامة صغيرة، أراد أن يدارى بها دهشته فى حضرة الإمام الرهيب، وأمام مجموعة الأطفال يمرحون، قال الإمام للرئيس عبد الناصر: هؤلاء أحباب الله.
وعن سر هؤلاء الأطفال، يذكر الشاهد أنهم علموا فيها بعد بأنهم «أطفال لآباء صدرت ضدهم فى عهد الإمام أحكام بالقتل أو السجن أو النفى أو التعذيب، كما كان بعضهم لا عائل لهم، وبعضهم رهينة لديه».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة