اندفع الجنود الأتراك ينهبون متاجر الأرمن ومنازلهم، واتهموا الجنود الأرمن بالتجسس والفرار من الجندية، حسبما يذكر الدكتور محمد رفعت الإمام أبرز المؤرخين المصريين المتخصصين فى القضية الأرمنية فى كتابه «الإبادة الأرمنية فى الدولة العثمانية – 1915 -1916»، مضيفا: ارتاب الجنود الأتراك فى تسميم الخبازين الأرمن لمأكولات، واتهموا الفلاحين الأرمن بتقديم العون للأسرى الروس، وفى فبراير عام 1915 جردت السلطات الجنود الأرمن من أسلحتهم وأُدرجوا فى «طوابير العمل»، وأُرغموا على العمل فى صيانة الطرق أوحمالين، وفى ذات الوقت تم طرد الأرمن من الحكومة، وألغيت التذاكر الداخلية التى كانت تتيح لهم الانتقال عبر أنحاء البلاد».
حدث ذلك كمقدمة لمذابح الأرمن التى ارتكبتها الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى فى أغسطس عام 1914، وبدأت المذابح منذ مساء يوم 24 أبريل، مثل هذا اليوم، عام 1915.. يذكر «الإمام»: فى مساء 24 إبريل 1915 اعتقلت السلطات التركية أكثر من مائتى أرمنى، كتاب وشعراء ومحررى جرائد ومدرسين ومحامين وبرلمانيين وغيرهم من زعماء الأرمن بالآستانة، واقتيدوا بعيدا عن منازلهم ثم قتلوا، وسجن نحو 600 آخرين من مثقفى الأرمن ثم نفوا وقتلوا فى الأشهر اللاحقة.
يتتبع «الإمام» قصة مذابح تركيا للأرمن، مشيرا إلى أنه حين بدأت الحرب العالمية الأولى، وعلى مدى ثلاثة شهور استمرت ألمانيا فى الضغط على الآستانة بأساليب متنوعة بغية ضمان دخولها الحرب وفتح جبهات متعددة فى القوقاز وغيران ومصر لتشتيت دول الوفاق «الحلفاء» التى تتكون من إنجلترا وفرنسا وروسيا، وأخيرا دخلت الدولة العثمانية الحرب ضد روسيا فى أوائل عام 1914.
يذكر «الإمام» أن عدد الأرمن وقتئذ فى الدولة العثمانية كان يصعب تحديده، ففى حين قللت الإحصائيات العثمانية الرسمية «1914» من أعدادهم مليون و295 ألف نسمة، بغية إثبات أنهم يؤلفون أقلية، بالغت الإحصائيات الخاصة ببطريركية الأرمن بالأستانة 2 مليون و100 ألف بغية الحصول على امتيازات أكثر، يؤكد الإمام: رغم تأجج الحقيقة بين هذين الرقمين، فطبقا لإحصائيات البطريركية عاشت غالبية الأرمن بالدولة العثمانية فى الولايات الأرمنية الست شرقى الأناضول، بينما يقطن الأستانة حوالى 150 ألف أرمنى، ويسكن «قليقية» حوالى 400 ألف أرمنى.
حين دخلت الدولة العثمانية «تركيا» الحرب ضد روسيا استخدمت السلطات التركية العثمانية،و وفقا لما يذكره «الإمام» الصبغة الدينية فى التعبئة، حيث أعلنوا فى 23 نوفمبر 1914 «الجهاد» باعتباره «فرض عين» على جميع مسلمى العالم ضد «الملاحدة»، يوضح «الإمام» أنه بينما كانت الحرب وشيكة ضد روسيا حث رجال الدين الأرمن بنى جلدتهم كى يستجيبوا لأوامر التعبئة التى أصدرتها السلطات التركية «العثمانية»، فانصرف الأرمن إلى مراكز التجنيد طلبا للانخراط فى صفوف الجيش وبلغ عددهم 60 ألفا، وبالرغم من تقديم زعماء الأرمن بالدولة العثمانية تعهدات متكررة للسلطات التركية بإخلاص الأرمن، إلا أن مكونات الأرمن فى سائر الدولة كانت تأمل انتصار روسيا ربما يضع حدا لاضطهاداتهم، ولكنهم لم يعبروا علانية عن مشاعرهم وأثروا الفرار من الثكنات العثمانية فى حالات متكررة. يذكر «الإمام» أنه فى نفس الوقت كان هناك «الأرمن الروس»، وهؤلاء انخرطوا فى صفوف الجيش الروسى وبلغ عددهم حوالى 120 ألفا، وأرسلوا إلى الجبهة الأوربية الشرقية ..يضيف الإمام، أن الحرب بين الدولة العثمانية وروسيا دارت على جبهة القوقاز، ومارست القوات العثمانية استراتيجية هجومية بهدف السيطرة على إقليم ما وراء القوقاز الروسى، غير أنه فى شهر يناير وفبراير 1915 منى الجيش العثمانى بهزيمة ساحقة وكان الجنود المصابون بالتيفوس والكوليرا تبتلعهم الثلوج ويفترسهم الصقيع.
يؤكد الإمام: أدى هذا التقهقر العثمانى على جبهة القوقاز إلى أن تبحث السطات التركية عن كبش فداء، وفعلا ألقوا أسباب الهزيمة على الأرمن، واستغل الاتحاديون المتطرفون وجود الأرمن الروس المتطوعين يقاتلون فى الجيش الروسى، واتهموا الأرمن العثمانيين بـ«الخيانة العظمى»، لأنهم لم يتطوعوا فى جيشهم شأن أقرانهم الروس، وفى 24 إبريل 1915 أطلق عنان العنف ضد الأرمن العثمانيين؟ فماذا حدث فيه؟