وقال مفتي الجمهورية في حوار مع وكالة أنباء الشرق الأوسط "أ ش أ " اليوم ، :" لا ريب أن المعركة الحقيقية الآن هى معركة وعى ومن ثم على الجميع مراعاة السكينة والثبات والصبر والحكمة والتعقل، وتقبل كافة الابتلاءات بصدر رحب فأهل الإيمان والمعرفة بالله تعالى يرقبون الله ورحمته في السراء والضراء ، كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له".

وأضاف مفتي الجمهورية قائلا:" ومن لوازم هذا ألا يستمعوا إلا إلى بيانات الدولة الرسمية وألا ينساقوا خلف الشائعات والأكاذيب التي يطلقها المغرضون في الداخل والخارج بغرض بث الرعب وزعزعة الأمن، وقال:" كذلك أوجه نصيحة لفئة غير ملتزمة من الشعب المصري بأن يلتزموا بكافة التعليمات والقرارات التي تتخذها السلطات حتى تمر هذه المحنة بسلام" ، وأكد :"أن الدولة لم تدخر جهدًا في اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الاحترازية والوقائية والطبية لدفع هذا الضرر على حساب المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد المصري يوميًا، ومن ثم علينا نحن جميعًا كمصريين أن نتعاون مع الدولة من خلال الالتزام بتعليمات الأمن والسلامة التي تعلن عنها وزارة الصحة المصرية والجهات المختصة في الدولة أولًا بأول، وأن نتعاون على البر والتقوى والالتزام بتعليمات ديننا الحنيف من الحرص الدائم على الطهارة والنظافة" ، مشددا على أن هذه الأزمة عكست مدى ما تتمتع به القيادة السياسية الحكيمة من صلة بالله تعالى ويقين ووعى وبصيرة وصبر وثبات وتلاحم مع الشعب.

وأشاد مفتي الجمهورية ، بمبادرة الدولة في مساعدة العمالة غير المنتظمة وتخصيص مقررات شهرية لها لمساعدتها على مواجهة تداعيات الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا ، موضحا أن كافة مؤسسات الدولة تعمل منذ ظهور جائحة كورونا على قدم وساق، وقد ظهر هذا جليًا في كافة الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة ولجنة الأزمات، مضيفا :" ومن جانبنا فقد بادرت دار الإفتاء المصرية بمبادرات شتى وأصدرنا مجموعة من الفتاوى لمعالجة كافة ما نجم عن الأزمة وانطلقت كافة دعواتنا وحملاتنا من مبدأ مهم وهو مبدأ الرحمة واسم الله الرحيم، فنحن نترجم معنى الرحمة إلى أفعال وعبادات عملية يصل نفعها إلى الناس، ونحقق الوعي الحقيقي للنص الشرعي الذي يتحرك على أرض الواقع في صورة عبادة ذكية تؤدي دورًا مجتمعيًّا مهمًّا، وقد بادرنا بحث الناس على تعجيل إخراج الزكاة وتوجيه الأموال للمستحقين من الفقراء والمحتاجين والعمالة غير المنتظمة.

وقال مفتي الجمهورية ، إن حملة "كأني اعتمرت ..الصدقة أولى" التي أطلقتها دار الإفتاء المصرية لمواجهة التداعيات الاقتصادية الأليمة بسبب هذه الأزمة .. هي فتوى مستقرة في دار الإفتاء من قديم الزمان وحتى يومنا هذا، ونريد أن نرسخ هذا الوعي في العمل الخيري ، كما أنها نداء إسلامي مستمد من فلسفة الإسلام الراقية في العبادة ، وناشد من كانوا ينوون أداء العمرة هذا العام أن يستثمروا أموالهم في طاعة الله ، مؤكدا أن التصدق في وقت الأزمات وفك كربات المحتاجين أعظم وأرجى للثواب عند الله سبحانه وتعالى ، وتمثل صرخة أصحاب الحاجات لأهل الفضل أن أفيضوا علينا من المال أو مما رزقكم الله ، ومحاولة لإعادة الاعتبار لنصوص إسلامية جعلت نفع الآخرين ورفع الحرج عنهم أفضل عند الله من عبادات فردية تشبع رغبات أصحابها ولا يتعدى نفعها إلى غيرهم ، كما هي رغبة في إعادة العقل المسلم لفقه الأولويات، هذا الفقه الذي يمثل منهج الإسلام في التعاطي مع مختلف المستجدات، وهو المنهج الذي يجعل الإحساس بالمسلمين وهمومهم واجبًا، فضلًا عن كونه نعمة، لذلك جاء في الحديث النبوي الشريف: "المسلم أخو المسلم: لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره"، فمن ترك مسلمًا يجوع أو يعرى- وما أكثر ما يحدث ذلك هذه الأيام - وهو قادر على إطعامه وكسوته فقد خذله .

واستشهد مفتي الجمهورية بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحبُّ الأعمال إلى الله عزَّ وجل: سرورٌ تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهرًا" ، لافتا إلى أن هذه الحملة ومثيلاتها من الحملات تمثل النزوع الإنساني إلى الخير في أبهى صوره، وتجسد الفهم النبوي الراقي لمهمة المسلم الإيجابية داخل مجتمعه، وتساءل : ماذا تفعل العبادة لإنسان انعزل عن مجتمعه ولم يعد يشاركه همومه؟! وماذا تفعل العبادة لإنسان أغلق بابه على نفسه وادعى رهبانية لم يكتبها الله عليه؟!.

وأضاف مفتي الجمهورية ، :" على الإنسان أن يبدأ بما يعول وبمن يعرفه وجيرانه وأهل بلدته ، كما أن هناك أيضا جمعيات موثوق منها وذات تنظيم عال ولديها القدرة على التواصل ومعرفة الفقراء في كل مكان في ربوع ومدن مصر منها صندوق تحيا مصر ، وبيت الزكاة والصدقات المصري الذي يرأسه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ، ومؤسسة مصر الخير الذي يرأس مجلس أمنائها فضيلة الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق ، وجمعية الأورمان الذي يرأس أعمالها المهندس حسام القباني " ، مشيرا إلى أن شهر رمضان هذا العام يأتي علينا في ظل ظرف استثنائي يجعلنا أمام تحديات وإعادة لترتيب الأولويات.. ولا يخفى فضل شهر رمضان على أحد، فهو من أفضل الشهور عند الله سبحانه وتعالى، وفيه من النفحات الكثير، والثواب فيه مضاعف ففيه تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران، فهي فرصة عظيمة يجب اغتنامها.

وأكد مفتي الجمهورية ، أن الموت بسبب فيروس كورونا يدخل في أسباب الشهادة، فقد ورد في الأحاديث الشريفة منزلة وأنواع الشهداء، والوفاة، فهو يندرج تحت اسم الطاعون، وهو عند كثير من المحققين يعني المرض والوباء العام ، مبينا أن هذه الأسباب يجمعها معنى الألم لتحقق الموت بسبب خارجي، فليست هذه الأسباب مسوقة على سبيل الحصر، بل هي منبهة على ما في معناها مما قد يطرأ على الناس من أمراض، وهذا المرض داخل في عموم المعنى اللغوي لبعض الأمراض، ومشارك لبعضها في بعض الأعراض، وشامل لبعضها الآخر مع مزيد خطورة وشدة ضرر، وهو أيضًا معدود من الأوبئة التي يحكم بالشهادة على من مات بسببها ، فمن مات به فهو شهيد، له أجر الشهادة في الآخرة، غير أنه تجري عليه أحكام الميت العادي، من تغسيل وتكفين وصلاة عليه ودفن، ونأمل في أن يعامل الشهداء معامله كريمة وأن ينالوا من التكريم ما يستحقون.

وأضاف مفتي الجمهورية ، أن المؤسسات الدينية الوسطية تعمل كحائط صد ضد الإرهاب والتطرف ونشر الأفكار الدينية المعتدلة، إيمانا منها بأن ترك الجيش والشرطة في مواجهة عصابات الجماعات الإرهابية لن يجدى نفعا ما لم تتكاتف جهود الدفاع المسلح مع الدفاع الفكري، والأفكار الدينية المغلوطة تُعَد من أهم الأخطار التي نواجهها على المستوى المحلى والدولي؛ وذلك لأن التطرف الديني في العادة لا يقف عند حد الفكر المتشدد المنطوي على نفسه القابع في زاويته؛ بل سرعان ما يتطور إلى مرحلة فرض الرأي ثم محاولة تطويع المجتمع بأسره قسرًا لهذا الفكر، ولا سبيل له إلا العنف والإرهاب وسفك الدماء.

وقال :"الحل يكمن في مواجهة هذه الأفعال الهدامة التي تُؤثر في استقرار البشرية وتؤخر التطور الإنساني والتعاون والتكاتف بين الجميع، وأن تقوم كل دولة متحضرة وكل جهة حكومية ومؤسسة دينية ومنظمة دولية بدورها في تشخيص مشكلة التطرف والإرهاب وبناء برامج الوقاية منها ووضع الآليات المناسبة لمواجهتها واتخاذ الإجراءات الحاسمة والرادعة تجاه الدول التي تدعم وتمول وتحمى تنظيمات التطرف والإرهاب".

وأكد مفتي الجمهورية ، أن دار الإفتاء المصرية من أهم المؤسسات التي سارعت منذ البداية إلى المواجهة الفكرية للتطرف والإرهاب، وواكبت تزايد وتيرة العنف وارتفاعها في المنطقة، واستخدمت وسائل التكنولوجيا الحديثة سواء على نطاق الوقاية أو كوسيلة للعلاج ، كما اعتمدت الأساليب العلمية والمنهجية كوسيلة فاعلة في هذه المواجهة الفكرية، ومن ضمن أساليبها الرصد والإحصاء العلمي الدقيق، وكذلك عبر إنشاء "مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة".

وشدد مفتي الجمهورية ، على أن ترويج الشائعات وإعادة نشر الأخبار دون تثبت، إثم شرعي ومرض اجتماعي، يترتب عليه مفاسد فردية واجتماعية ويسهم في إشاعة الفتنة، لافتا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين ، إلا أن الجماعات الإرهابية قد دأبت على استغلالها أسوأ استغلال وكذلك استغلال كافة أزمات الوطن حتى أنهم من الخسة والندالة لم يدعوا أزمة كورونا تمر دون استغلالها في ترويج الشائعات وإثارة البلبلة وخرق الإجراءات الوقائية التي وضعتها الدولة للحد من انتشار الوباء، وهؤلاء سعوا بأكثر من طريقة إلى تحريض الناس على مخالفة قرارات حظر التجول ومنع التجمعات التي قد تتسبب في نقل العدوى، فنادوا بالخروج في مسيرات على خلاف الشرع، مثلما حدث في الإسكندرية وبعض المدن بدعوى التكبير والابتهال إلى الله لرفع البلاء ، مؤكدا أن هذه الجماعات تشن هجوما عبر لجانها الإلكترونية على كل من يقوم بتحذير الناس من دعواتهم المشبوهة، وقد حذرنا من الانسياق وراء المتاجرين باسم الدين، ومن الصدام مع المجتمع وتبنى الآراء المتشددة ومخالفة القواعد العامة التي تضعها السلطات المختصة ، مطالبا الدولة باستخدام الحق الرصين الأساس المقرر لها شرعا وقانونا في عقاب من يقوم بالتحريض ضد مؤسسات الدولة أو يرفع السلاح ضد الأفراد ومؤسسات المسئولة.

وقال مفتي الجمهورية ، :" إن الإسلام حثنا على حِفَظِ النَّفس وصيانتها بكلِّ الطُّرق والسُّبل التي تدرأ عنها الهلاك، وتمنع عنها الضرر؛ ومن ذلك ما قرره الفقهاء من القواعد الوقائية في الشريعة الإسلامية بقاعدة الدَّفع أقوى من الرَّفع، ودرء المفاسد مقدم على جلب المنافع، و إذا حدث ما يعرض الإنسان للهلاك من أمراض، ففي هذه الحالة نقول لا تذهب إلى المسجد حتى ينتهي الوباء ، ونحن نعلم أن المسلمين جميعًا حزنوا لغلق المساجد، فقلوبهم تتعلق ببيوت الله، ولكن لا داعي للجدل والمزايدة، خاصة في ظل الأزمة التي نمر بها، كما أن حفظ النفس مقدم على جلب المصالح، والدولة اتخذت إجراءات من شأنها تخفيف الكثافات في المصالح الحكومية وبالتالي تخفيف الزحام في المواصلات العامة ، مضيفا وإذا كانت العبادات الجماعية كصلاة الجمع تؤدى ظهرا في المنزل بسبب جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية فمن باب أولى تؤدى صلاة التراويح في المنزل وأن تصلي كل أسرة جماعة في المنزل مع أخذ الإجراءات الاحترازية ، مستنكرا في الوقت ذاته الدعوات المشبوهة لإقامتها على أسطح المنازل والعمارات .
وبين مفتي الجمهورية ، أن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم تضطلع بدور رصين لخدمة الفتوى وقضايا المسلمين حول العالم شرقًا وغربًا، ومن ثَمَّ زيادة فعاليتها في مجتمعاتها حتى يكون الإفتاء أحد عوامل التنمية والتحضر للإنسانية، وتكمن أهمية الأمانة العامة في سياق زمانها ومكانها ، لافتا إلى أن العالم الآن يشهد موجات عنف متتالية وتيارات تبحث عن فتاوى تبرر لها العنف ، ولذا كان على المؤسسات الدينية العريقة ذات الشأن في هذا المجال أن تعلن عن نفسها لترد بقوة وبحسم على الأفكار الضالة بمنهجية علمية رصينة، وهى الاستراتيجية التى تتبعها الأمانة.

وأضاف قائلا : ويمكن القول إن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم هي استجابة لمعطيات الواقع ومشكلات المسلمين وأوضاع دولهم وجالياتهم، فالأزمات والمشكلات التي يمر بها المسلمون في مختلف أرجاء المعمورة تتطلب استجابات نوعية تواكب حجم المشكلات والتحديات الراهنة، وقد كانت أمانة الإفتاء في العالم أول مؤسسة إسلامية في العالم تعنى بتجميع وتكتيل المؤسسات والهيئات الإفتائية في مختلف بقاع الأرض لتعيد إلى الفتوى دورها الإيجابي في حياة المجتمعات والشعوب، ولتزيل عنها ما لحق بها بسبب تصدر غير المتخصصين وأنصاف العلماء وأصحاب التوجهات المتطرفة للفتوى والرأي الديني.

وأشار إلى أن مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة يعمل على رصد كافة ما تروجه الجماعات الضالة وآثارها في العالم كله من خلال متابعة ما يدور في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وإطلاق المنصات الإلكترونية المتعددة للرد على شبهات هذه الجماعات بأساليب مختلفة، وهكذا كان "مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية" أول مرصد من نوعه يرصد ويحلل ويرد على دعاوى التطرف.

وأضاف مفتي الجمهورية ، :" أن المرصد قد تم إنشاؤه عام 2014، ولا شك أن جهوده إلى جانب كافة جهود مراصد دار الإفتاء البحثية قد ساهمت في تشكيل الوعي المصري الوسطي ؛ ولن نكتفي بما قدمناه من برامج وآليات لمواجهة هذا الفكر وَفق العمل المؤسسي المنظم الدقيق الذي تبلور في العديد من الإنجازات الهامة التي تخدم قضايا الإسلام والأمة، ولن تألو جهدًا في استخدام التراث الإسلامي العريق والأفكار الإنسانية المتحضرة ووسائل التكنولوجيا المعاصرة، ولن تتوانى عن متابعة هذه الأنشطة الهدامة بهدف محاصرتها والقضاء عليها متعاونين مع الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، ومع كل مخلص لهذا الوطن ولهذه الأمة ولقضايا الإنسانية جمعاء".