رحل الدكتور سليمان العطار منذ أربعين يوما أو أكثر قليلا، لكن أثره لا يزال باقيا وممتدا، لأنه أثر العلم وأثر التلاميذ الممتدين فى كثير من بلدان العالم.
أتذكر أننى فى دراستى للسنة التمهيدية للدكتوراه جلست أمام سليمان العطار وأخبرته أمام كل زملائى - بعيدا عن صداقتنا تماما - ( أشكرك لأنك تحترمنى وتحترم وقتى فأنت الأستاذ الوحيد الذى لم يعتذر عن أى محاضرة.. بل تأتى قبل الوقت المحدد، لا تفاجئنى بأى شىء.. تستقبلنى دوما بابتسامة.. تسهل كل شىء لى.. فأنا أشكرك لأننى لا أشعر أبدا أمامك بأى خوف أو قلق من المادة أو الامتحان، ولا أقوم من أمامك إلا وقد فهمت كل شىء وأمتعت عقلى .. يوم محاضرتك أنتظره لأننى أخرج بطاقة للحياة وللعلم). ابتسم وأخبرنى أننى أول مرة أخبره بذلك.. قلت له.. سليمان أنت الأكبر سنا فى كل الأساتذة وأعلم جيدا وضعك الصحى.. وعندما أحضر أجدك تنتظرنا وتقدم المادة بشكل ممتع وسلس.. حتى أبحاثك بسيطة وممتعة.. أنا أحبك بالفعل أحبك لأنك معلم صادق ومتميز.
وقد وجه عدد كبير من زملاء وتلاميذ الدكتور سليمان العطار رسائل محبة إلى العالم الكبير جاء فيها:
الدكتور خيرى دومة
أربعون يوما مضت على الرحيل! أستاذى الجميل سليمان العطار، بعدها لم يعد العالم كما كان قبل رحيلك، ليس فقط لأن الدنيا تغيرت من وجوه عديدة بعد العاصفة، ثم جائحة الكرونا، ولكن لأن العالم من دون سليمان العطار مختلف تماما عن العالم فى حضور سليمان العطار، سليمان العطار كان بالنسبة لتلاميذه وزملائه، ولنا فى الجامعة، ولقرائه، كان رحمة وكان شيئا جميلا تحب أن تجلس إليه، وتحب أن تستمع منه ويمنحك الأمل فى الحياة، كل تلاميذه كانوا يستمدون منه الأمل ويستمدون منه الرغبة فى العمل، وفى التقدم، إلى رحمة الله استاذى الجميل وإلى لقاء إن شاء الله ( مع السلامة)
الدكتور محمود الضبع
عاش حياته فى هدوء وصمت، ورحل فى صمت أيضا تاركا مؤلفات تثير الكثير من الإشكالات التى يعانيها الوطن العربى، قضى سنواته الأخيرة يتأمل ويحلل هذه القضايا ويكتب بعين المثقف العام، والناقد الواعى المتجاوز لحدود التخصص إلى الباحث فى الدراسات الثقافية.
الدكتور محمد مرسى
يصعب الحديث عن الأستاذ والصديق والعم سليمان العطار لكن كما قال هو: الحب حزمة من الإشارات التى يمكن أن يعبر عنها بكلمات أو أفعال بسيطة. سليمان العطار الإنسان القوى بذاته وخصاله يدعم من حوله بالحب فيزداد حبهم له وهو القادر حتى بعد رحيله لسماحته ومحبته وكرمه غير المحدود أن يشعل مواقد الكرم والخلق والفكر، لذلك فهو سليمان الإنسان الإنسان الذى استطاع أن يخلق جنة يعيش فيها من تعرف عليه لذلك فهو باق فى عقول من عرفوه أو تقرب منه بفكره ونبله، وإذا كان هناك مساحة أكبر للكتابة لراوية عليكم الكثير عن علاقة امتدت على مدار نصف قرن. كل التحية لروحه الطاهرة.
الدكتور حسين حمودة
سليمان العطار.. الحاضر المقيم:
.. بعد وفاته بيوم واحد كتبت، غير مصدّق أنه قد رحل:
..." أمضيت هذا النهار كى أستوعب، أو أصدّق، رحيله أو غيابه بالأمس. ولم أستوعب أو أصدق. استعدت مسيرته معي، ومسيرتى معه، ومسيرتنا معا. درّس لى فى نهايات السبعينيات من القرن الماضي، ولم يكن محض مدرس. منحنى أكثر من محاضرة واحدة كاملة، وأنا الطالب، كى أعرض وأناقش مع زملائى بحثى عن تمثّل الأدب الشعبى فى الأدب الفردي، وعن مثول "ألف ليلة وليلة" فى بعض قصص يحيى الطاهر عبدالله. وعرّفنى على صديقتين إسبانيتين تقومان بإعداد رسالتين، كى أساعدهما، وأصبحنا أربعة أصدقاء. منذ تلك السنوات، وحتى الآن [التى لم تعد "الآن"]، سهرنا معا، هو وأنا، مئات المرات، وتناقشنا آلاف المناقشات، وقرأت له وقرأ لي، وضحكنا لساعات لا أستطيع أن أحصيها، وتناولنا الطعام والشراب مرات ومرات، و تشاركنا فى مناقشة عدد كبير من الرسائل، وتحدثنا عن المستقبل أكثر مما تحدثنا عن الحاضر أو الماضي.. هل هذه هى المسيرة؟ لا.. المسيرة كانت أكثر رحابة وامتدادا.. وكانت وظلت مقرونة بروحه الاستثنائية الفياضة بالنبل.. كان جزءا أساسيا من الحياة الأكاديمية ولكنه ظل مجاوزا لها. فى مؤسسة الجامعة لم يكن "البروفيسور" لآلاف الطالبات والطلاب بقدر ماكان لهنّ ولهم: الأب [وهو الذى لم يحظ بأبوة مباشرة]، والصديق، والأخ، وأحيانا الأم، ودائما الحانى الأبديّ.
وهو فى تلك الحياة الأكاديمية كان المثال على وفاء نادر. أصغيت إليه طويلا وكثيرا وهو يتبتّل فى محراب أستاذه الراحل عبدالعزيز الأهواني، أو يحلق فى تأويل محيى الدين ابن عربى [وفى أزمنة متأخرة أصغى إلى وأنا أستعيد شيخى الأستاذ نجيب محفوظ]. وكانت أفكاره مشرعة دائما على حقائق المكتشفات الحديثة جدا، التى يتابعها بشغف، ولكنها كانت موصولة أيضا باستخلاصات وخلاصات التاريخ كله. كان مدفوعا دوما بمغامرة التفكير غير التقليدي، وبنزوع التقصّي، وبتأمل إمكانات المستقبل، واحترام قوانين العلم، بقدر ما كان مسكونا أيضا بأسئلة الروح، واستبصارات التصوف، والحس الإنسانى الذى رآه مفتاحا من مفاتيح معرفة الوجود ومن الوجود كله. لم يكن يطيق المال فى جيوبه، وقد شهدته ـ مرات ـ وهو يتسلّم راتبه من "الخزنة" القديمة بكلية الآداب، ثم يوزع معظمه على العمال ["الأكل فى البيت ولسه معايا أجرة التاكسي" - قال مرّة وهو يبتسم]... عاش فقيرا، تقريبا..لم يكتنز أو يمتلك شيئا، وهو الذى اشتغل لسنوات طويلة جدا، داخل مصر وخارجها.. اكتفى بأن يحيا غنى النفس، فحسب، وبلغ الحدّ الأقصى لغنى النفس..
هل رحل حقا؟
.. هذا النهار أمضيته محاولا استيعاب أو تصديق رحيله أو غيابه.. والمحصّلة الأخيرة لمحاولاتي: أصبح حاضرا معى حضورا أكبر.."
كانت هذه كلمات فى اليوم التالى لرحيله.. والآن، بعد هذا الرحيل بحوالى أربعين يوما.. أراه لا يزال، وأوقن أنه سوف يظل، حاضرا معى حضورا أكبر..
الدكتور عوض الغبارى
عاش المرحوم الصديق الأخ الغالى الأستاذ الدكتور سليمان العطار محبا للحياة وللناس، كان ينشر البهجة والتفاؤل بين كل من عرفه ولم يكن يبخل بعلمه ولا بماله ولا بوقته ولا بصحته على طلابه أو زملائه.
قدم أعمالا علمية عظيمة خاصة فى مجال الترجمة بكل التواضع الذى يتسم به العلماء الأصلاء.
كان سفيرا للعلم والثقافة فى الداخل والخارج ولم تغره الشهرة أو تغيره عن طابعه الإنسانى الجميل
تواصل معى حتى اللحظات الأخيرة من حياته العامرة بالصدق والحب والأصالة والنزاهة.
أقبل على الحياة بفلسفة وحكمة لا تخالف ضميره النقى وإيمانه بالحب والسلام.
كان نبع خير ومودة وصداقة صادقة لم يختلف حول أصالته ونبله أحد، كان راهبا فى محراب العطاء والإيثار على النفس.الدكتور سليمان العطار نسيج وحده شخصية عظيمة تنطلق عظمتها مع بساطتها كان يتناول كل عمل علمى وحياتى بروح متصوف لا يخاف فقرا ولا يرغب فى غنى، الحزن عليه عظيم فقدنا بفقده ركنا من ذواتنا رحمه الله رحمة واسعة، بقدر ماساعد الناس وأسعدهم بكرمه وفضله.
وعزاؤنا فيه قول الشاعر
على مثل هذا عاهد الدهر أهله وصال وتفريق يسر ويؤلم
وإن منع الغياب ان يقدموا لنا فإنا على غيابنا سوف نقدم"
الدكتور وليد الشاعر
"المسيح الذى عاش بيننا
عاش سليمان العطار حياة بسيطة متصوفًا زاهدًا نبيلًا مستغنيًا عن كل شيء وكل أحد، لكن قلبَه وسع الكونَ كله، فكان طاقة حب وخير وجمال وعطاء بلا حدود، لم يردّ سائلًا أو طالبًا أو محتاجًا.
كان سليمان أستاذًا وعالمًا وأبًا وصديقًا وحبيبًا للجميع، لم يعرف الكره أو الحقد أو الحسد طريقًا إلى قلبه، ولم ينشغل بأحد سوى نفسه. فاض كرمه وخيره وطيب خلقه وغمر قلوب وعقول كل من عرفوه.
أقام العطار حياته كلها على الحب، أحب الناس جميعًا، وأحب الحياة بحلوها ومرها، وأحب العالم وتصالح مع كل نقائصه ونقائضه، أحب أسرته وأصدقاءه وزملاءه وطلابه، وكان سببًا ربما وحيدًا لسعادة - بل وإسعاد - كثيرين منهم.
احترم العطار المرأة وأنصفها وأحبها كما هي، وعلّمها أن تحب نفسها وتكون نفسها، فأحبته بل عشقته كل النساء.
كان مذهبه الحب، وعليه أقام حياته كلها: حب الناس، وحب الحياة، وحب العمل، وحب الخير، وحب الجمال.
كان يتكلم بقلبه لا بلسانه، يبدأ كل كلامه وينهيه بجملته الأثيرة "الحياة جميلة"! صدقت يا سليمان! نعم، الحياة جميلة .. ما دمت أنت فيها! الحياة جميلة .. وأنت أجمل ما فيها!
الدكتور خالد أبو الليل
لم يكن منزل العطار بالنسبة لى مختلفا كثيرا عن شخصية العطار نفسه، بل كان عاكسا له ولشخصيته.فيهما (العطار ومنزله) تعلمت التعمق فى الأشياء، ذلك التعمق السلس وليس المعقد، ومنهما استلهمت كثيرا من الأفكار، وكنت دوما أدون ملاحظات، استفدت منها كثيرا، وأضاءت لى طريق نفسى والحياة والمعرفة. العطار بالنسبة لى أستاذ وأب وصديق وأخ وإنسان، بكل هذه المعاني، وعلى نحو ما كنت أتعامل مع شخصيته بلا غربة أو اغتراب، بل كنت أتعامل بطبيعتي، هكذا كنت أشعر مع منزله، كنت أدخله، فتسكننى حالة من المحبة للحياة، تزول معها كل أحاسيس الوحشة أو الشعور بالغربة أو الاغتراب. دوما كنت أشعر أنهما مني، وبأننى منهما (العطار ومنزله). ولم أعرف معانى الوحشة والافتقاد إلا برحيلهما.
الدكتورة سحر محمد
العطار نهر أفكار
فى جلسة لك مع العطار وإن كانت جلسة محدودة تستطيع أن تخرج منها وقد أستطاع أن يولد فى عقلك أفكارًا وتأملات فى شتى مناحى الحياة وأكثرها بداهة تخرج من جلسته مدهوشًا متسائلًا، يجيبك أحيانًا ويفكر معك أحيان أخرى وينتظر إجابتك كثيرًا يمكنه بمنتهى البساطة والتلقائية أن يقول هذا أمر يحتاج منا إلى التفكير معا.
يمنحك العطار هذه القيمة ويعزز قدرتك على استخدامها، باحثًا فيمن أمامه عن نقاط قوته مؤمنًا بالإنسانية ــ وبدور كل إنسان وقدرته ــ محبًا لها. فالعطار يبحث عن مزايا من أمامه ليتوجه بها ويبصره بها، وعن نقاط الضعف فهو القادر على منح من أمامه ثقة وأملًا وطاقة تساعده على علاج بعضها وتقبل وتخطى بعضها الآخر.
لم ينشغل العطار يومًا فى علاقته بمن حوله بتقييمهم قدر انشغاله الصادق المحب بإكسابهم المعرفة والعلم والقدرة على إعمال عقولهم فى كل ما يحيط بهم وفى أشد الأمور رسوخًا وتسليمًا حتى يروا ويؤمنوا بنور عقولهم.
فالإنسان بالنسبة إليه هو معنى الحياة وطاقتها وأملها المستمر، لذا سعى إلى منحه القدرة على تقدير ذاته ومحبتها. فأحبته القلوب والعقول.
الدكتور أنوار مصطفى
أستاذى العطار المتصوف الزاهد المحب للحياة. اب حنون واستاذ ينظر لتلاميذه بأمل وينتظر من تلاميذه التجديد والتغيير بأمل حياته كانت متوقفة على العطاء . علمنى ان الحياه فن وفن الحياة فى الحب وتفهم الآخر وممارسة كل ما هو متكرر بإحساس وسعادة الطفل بهدية جديدة . ابن عربى كان يحى فيه وكأنه وجد مدينته فى عالمنا هذا من خلاله. وفد علمنى ابن عربى ان الموت لا يحول بين الأستاذ وتلميذه. رمضان والعطار اعتدنا كل سنة ان نحتفل فى بيت العطار بقدوم شهر رمضان وحقيقة كنا ننتظر طوال شهر مضان هذا اليوم . كان يحدثنا عن أهمية الاحتفالات وأثرها فى تقدم الأمم والبهجة التى ترافق تجمع الأسرة فى البيت الكبير ومعنى البيت الكبير. كان يشرح ويفصل ويستقصى الأمور يفاجئنا بمعانى جديدة لما ألفنا. كل شيء نمطى فى حضرته كان يتحول بملامسته له لشيء مميز وجديد كان يهب كل شيء يتناوله من روحه النقية . لم ولن اعترف بفراقه لان روحه تحيا فى وفى تلاميذه. ونظرات الأمل فى عيونه لا تفارقني.
الدكتورة إيمان سيد
لا يوجد فى الحياة أجمل من أن يخلف المرء حبا، وهذا ما فعلته أستاذى الحبيب، لقد صنعت حبا وخلفت حبا، وكنت مثالا لتجسيد التعاطف والمحبة لكل من حولك، فكنت نعم المحب ونعم الأستاذ ونعم الصديق، يلجأ إليك الجميع وهم يعرفون أنك ستخفف عنهم، كم كنت ودودا لينا، كم كنت أستاذا عظيما وإنسانا أعظم.. لروحك كل السلام والمحبة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة