لعل الكاتب نور الدين فرح، أحد أبرز الكتاب الصوماليين والأفارقة، حيث اهتم بتحرير المرأة في فترة ما بعد الاستقلال، وحصل على جائزة نيوستاد الأدبية عن مجمل أعماله عام 1998 (وهي جائزة تُمنح كل سنتين وتُعد ثاني أهم جائزة أدبية في العالم بعد نوبل)، ومن أبرز أعمال على الإطلاق كانت رواية "خرائط" الصادرة عام 1986.
وتُعد روايته "خرائط" (الرواية الأولى ضمن ثلاثيته الثانية – دماء في الشمس – هي أهم رواياته بإجماع النقاد، كما أنها أشهر أعماله، وكتبها عام 1986). وعاش طويلاً في المنفى (22 عاماً) خشية رد فعل الحكومة على كتاباته الجريئة، ثم عاد إلى الصومال عام 1996، بعد أن أمضى منفاه في الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا والسودان وغامبيا والهند ونيجيريا.
رواية خرائط
تستند رواية «خرائط» عام (1986م) على خلفية النزاع الدائر بين إثيوبيا والصومال على إقليم أوغادين، وأثر الحرب في تمزيق الشعوب، وحالات التشريد والتهجير والعنف والاغتصاب؛ ليسطع من هذه النكبة اليائسة بريق أمل متمثلًا في «ميسرا»، خادمة إثيوبية تجد طفلًا وليدًا صوماليًّا يصرخ بالقرب من أمه التي ماتت بعد ولادته بساعات، فتتبناه وترعاه وتربيه متجاوزة بهذا الحب أقاليم الحرب بين الدولتين. تزداد «ميسرا» تعلقًا بـ«عسكر» بعد يُتمه، وسماع خبر موت أبيه في السجن على خلفية اشتراكه في منطقة الصراع.
عاش الابن الصومالي اليتيم «عسكر» في كنف أمه الإثيوبية في مجمع «العم أوراكس» الذي يلحظ فيه «عسكر» نهمه الجنسي وزيجاته وطلاقاته المتكررة وتحرشاته الدائمة بأمه «ميسرا» بذريعة تستره على هويتها، ليأخذ نور الدين القارئ مجددًا لقضية استغلال «المرأة» جنسيًّا تحت ذرائع وطنية. تضجّ الرواية بأسئلة الهوية والولاءات العرقية في الحروب والنكبات، وتفجر الصراع الأهلي والتخوينات التي تعدى أثرها في نفس «عسكر» حتى تطال أمه الإثيوبية «ميسرا» بعد أن شكّك الجنود بولائها في الحرب، ليقع «عسكر» أسيرًا لهذه النوبات النفسية حائرًا معها بين خيار «الوطن الأم» وخيار «الأم الوطن».
تتناوب فصول رواية “خرائط” بين ثلاثة ضمائر، إذ يسرد الراوي بدايةً القصة لـ”عسكر” مخاطباً إياه، ثم ينتقل السرد في الفصل الذي يليه إلى “عسكر” نفسه ليسرد هو ما فات مخاطبه من أشياء، ثم أخيراً يسرد راوٍ عليم بكل شيء قصة “عسكر” و”مسرا” لنا، وربما له، في محاولة لتدارك نواقص الفصلين السابقين، ولملمة بعثرتهما.
بعد ذلك يعاود الراوي الأول مسك دفة السرد من جديد ليسير به إلى الأمام، فيستمر التناوب السابق نفسه بين ضمائر “المخاطب” و”المتكلم” و”الغائب” إلى أن تنتهي الرواية بإكمال اثني عشر فصلاً بديعاً. هذه التقنية الجميلة لها ما يبررها في الرواية، لكن الكاتب لا يوضح الأسباب إلا في جمل النص الأخيرة.
تحديد الهوية هو المحور الأساس والمركزي الذي يطرحه نور الدين فرح من خلال شخصيتيه الرئيستين، إذ ترعى “مسرا” الخادمة الأثيوبية “عسكر” بعد أن تجده في حجرة خلفية، قابعاً أمام أمه التي ماتت أثناء ولادته أو بعدها بساعات، وقد كان أبوه أيضاً مات قبل شهور قليلة في أحد السجون، على إثر اشتراكه في الحرب الدائرة بين الصومال وأثيوبيا على إقليم أوغدين الصومالي.