بعد مجيء الإسلام، وبعد أن مكن الله لهذا الدين، كان لازما وحتما أن يكون لهذا الدين نظام اجتماعى عادل يحتكم إليه المجتمع، ويحتمى به من بطش الظالمين والمعتدين، فكان ثمرة الإسلام غلغل العدل فى نفوسهم فأظهروه فى أحكامهم، وفقهوا واقع الناس وملابسات الحوادث فأسهموا فى إعادة الحقوق إلى أصحابها فى أقرب وقت، فهم نماذج مضيئة لقضاة اليوم من أبناء الإسلام فى أى مكان، وعليهم الأخذ بسننهم والاقتداء بأحكامهم، ليتحقق العدل على أيديهم، ويسود الأمن والأمان للناس فى وجودهم، وتسعد الدنيا بهم.
من بين هؤلاء القاضي " ابن عين الدولة " متحدى السلاطين
لقبوه بــ" أبن عين الدولة "، لشجاعته وجرئته التى جعلت شهرته وصيته يظل ويمتد إلى مئات السنين، لقوته فى تحدى السلاطين، فكان أقدامه على تولى منصب القضاء لإنصاف المظلوم وانتزاع الحق من الظالم ورده إلى أهله مرة آخرى، رحمة قلبه بالمساكين ورفقه بالفقراء هى ما أعلت شأنه بين أهله فى ذلك الوقت، فكان لا يخاف في الحق لومة لائم.
" أبن عين الدولة " شرف الدين أبو المكارم محمد بن القاضي الرشيد عبدالله بن الحسن بن علي بن أبي القاسم بن صدقة ابن الصفراوي المصري الشافعي " قاضي القضاة "، مسقط رأسه ومنشأه كان فى مدينة الاسكندرية، التى بدء فيها تلقيه العلم، حيث عرف عنه كثرة تعبده واقباله على تعلم القرأن وتلاوته، فمع مرور الوقت وكبر سنه أصبح من أصحاب الفقه بالإضاافة إلى اشتهاره بالنزاهة والتعفف.
تولى " أبن عين الدولة " القضاء فى عهد عهد الملك الكامل الأيوبي، حيث تولى " أبن عين الدولة " القضاء عن ابن درباس، حيث ولى منصب القضاء فى مدينة الاسكندرية 8 من أقاربه، ليستقل بعدها بمنصب القضاء فى القاهرة، ليتولى بعدها قضاء الإقليم المصري فى عام 617 هجرية.
من أبرز موافقه التى دلت على شجاعته فى القضاء، رفضه شهادة الملك " الكامل " فى إحدى القضايا التى كان ينظرها وقتها، حيث رأى القاضى " أبن عين الدولة " أن شادتة الملك لا تصلح، حيث جاء رفضه لشهادة الملك الكامل جاءت علنية أمام الناس فى ساحة مجلس القضاء دون أى تردد، وجاءت كلمته الرنانة عن ذلك الموقف والتى خلدت إلى يوما هذا كالأتى " إن السلطان يأمر ولا يشهد"، وفهم الملك الكامل أن القاضي لا يقبل شهادته، فواجهه بتهديده له " أنا أشهد في القضية أتقبل شهادتي أم لا "، ولم يتردد أبن عين الدولة عن قول الحق، فصاح قائلا " لا أقبلك وكيف أقبلك والمغنية عجيبة تطلع عليك بموسيقاها كل ليلة وتنزل ثاني يوم وهي تتمايل سكرى.
عناد السلطان استمر وأخذه الكبرياء، فتطاول على القاضى" أبن عين الدولة ": باللههجة الفارسية، فقال " أبن عين الدولة " لجموع الناس من الحاضرين " اشهدوا أني عزلت نفسي عن القضاء "، وترك المجلس وخرج غاضبا.
هذه الواقعة جعلت المقربين من السلطان الكامل الأيوبى، أن ينصحوه بأن يقدم اعتذاره إلى القاضى " ابن عين الدولة " حتى لا تشيع هذه الواقعة وينفضح أمره، مما أضطر السلطان الكامل أن يعتذر ويعترف بخطأه له، كما ألح عليه أن يعود إلى منصب القضاء مرة أخرى .
وفاة "ابن عين الدولة "
جاءت وفاته بعد تعرضه لمرض شديد أصابه في قدمه، مما أدى إلى عدم قدرته على الحركة، فولى من بعده من يطمئن على سير القضاء من بعده على نفس نهجه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة