في اعتراف بتفوق آسيا على الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، أقر وزير الخزانة الأمريكي الأسبق لورانس سامرز، بأن وباء كورونا سيفتح الباب أمام عصر ستكون فيه الريادة للصين والدول الآسيوية، مشيراً إلى أن الأزمة التي خلفها انتشار الوباء على مستوى العالم، تعد ثالث أكبر صدمة للنظام العالمى في القرن الحادى والعشرين، بعد هجمات سبتمبر الإرهابية عام 2001 والأزمة المالية عام 2008، إلا أنها "الأكبر" على الإطلاق.
وأقر سامرز بالتفوق الآسيوي في مقاله، مستشهداً بنسب وفيات كورونا في الصين مقارنة بالولايات المتحدة، مشيراً إلى أن البلد الآسيوي يشهد وفيات بمعدلات أقل، وأن التعامل الأمريكي مع الأزمة كان مخيباً للآمال، وأن فكرة اعتماد الولايات المتحدة على المعدات الطبية المستوردة من الصين بشكل رئيسي لم تكن يوماً ورادة في الأذهان.
مقال الوزير الأمريكى
وأكد سامرز في مقال نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية إن التغييرات العالمية التي سيحدثها كورونا تمكن في المرحلة التي تليها والأسس الجديدة التي سيتم تدشينها للنظام العالمى، قائلاً إن أزمة كورونا ستظل تعتبر حدثا هاما بعد أجيال من الآن. وسيتعلم طلاب المستقبل آثاره المباشرة، تماما مثلما يتعلم طلاب اليوم عن حادث اغتيال الأرشيدوق فى عام 1914 (الذى فجر شرارة الحرب العالمية الأولى) أو انهيار سوق الأسهم عام 1929، الذى سبب ما أصبح يعرف بالكساد الكبير، أو مؤتمر ميونيخ عام 1938، الذى سبق انطلاق الحرب العالمية الثانية. فقد كانت كل هذه الأحداث مهمة، لكن أهميتها التاريخية النهائية تكمن فى ما تلاها
وفيما يلى نص المقال:
إن أزمة كوفيد 19 هى ثالث أكبر صدمة للنظام العالمى فى القرن الحادى والعشرين بعد هجمات سبتمبر الإرهابية عامى 2001 والأزمة المالية عام 2008. أشك أنها هى الأزمة الأكبر حتى الآن.
وعلى الرغم من أن الحدثين الأوليان سيظهران فى كتب التاريخ المدرسية، إلا أن أحداث 11 سبتمبر وإفلاس الأخوين ليهمان (الذى أدى إلى الأزمة المالية عام 2008) سيتلاشيان بمرور الوقت من الذاكرة الشعبية.
وعلى العكس من ذلك، فإن أزمة كورونا ستظل تعتبر حدثا هاما بعد أجيال من الآن. سيتعلم طلاب المستقبل آثاره المباشرة، تماما مثلما يتعلم طلاب اليوم عن حادث اغتنال الأرشيدوق فى عام 1914 (الذى فجر شرارة الحرب العالمية الأولى) أو انهيار سوق الأسهم عام 1929، (الذى سبب ما أصبح يعرف بالكساد الكبير)، أو مؤتمر ميونيخ عام 1938، (الذى سبق انطلاق الحرب العالمية الثانية). فقد كانت كل هذه الأحداث مهمة، لكن أهميتها التاريخية النهائية تكمن فى ما تلاها.
هذه الأزمة هى حدث عالمى ضخم من حيث تأثيرها. فمن وجهة نظر أمريكية، أصبح شبه مؤكد أن عدد من الأمريكيين سيموت بكوفيد 19 أكثر ممن ماتوا فى كل النزاعات العسكرية خلال السبعين عاما الماضية. وتشير بعض التوقعات التى تحظى باحترام إلى أن عدد من سيموتون سيفوق كل ضحايا حروب القرن العشرين. كما أن فقدان الوظائف هذا الربيع أصبح بمعدل أسرع من أى مرحلة فى التاريخ، ويعتقد العديد من خبراء التنبؤ أن البطالة ستصل إلى مستوى أعلى مما كانت عليه فى مرحلة ما بعد الكساد، ولمدة عامين. وبينما أكتب من بلدة صغيرة لم أغادرها منذ شهرين، أشك أن هناك حدث غير حياة الكثير من العائلات الأمريكية بشكل جذرى منذ الحرب الأهلية مثلما فعل كورونا.
وقبل شهر، كان من المنطقى الافتراض أن كل الوفيات والخسائر الاقتصادية والاضطراب الاجتماعى سيكون أمرا عابرا، ويبدو أن هذا أقل معقولية الآن. وقامت الولايات المتحدة بأفضل حلولها، وإن كان ليس هو أفضل الممكن، بالإغلاق لشهرين، ومع ذلك لم يقل عدد الوفيات عن ألف فى اليوم. وأغلب البلاد يتخلى الآن عن سياسات العزلة، وتحدث أمور مماثلة فى أغلب أوروبا ، كما يتم تسجيل تفشى جديد فى الدول التى كانت قصص نجاح مثل سنغافورة وألمانيا وكوريا الجنوبية. ويبدو من المعقول جدا الآن أنه لن يكون هناك تحسن دائما فى الوضع الحالى فى الغرب.
وبقدر أهمية هذه الأحداث، فإن ما تنذر به قد يكون أكثر أهمية من ناحيتين؛ الأولى أننا نعيش على ما يبدو مرحلة انتقالية مهمة فيما تفعله الحكومات. فمن الناحية التاريخية، يأتى التهديد الأكبر لحياة وأمن المواطنين العاديين إما من فشل الحكم المحلى سواء بالاضطراب أو الطغيان أو من خلال قوى أجنبية معادية. وشكلت تلك الحقيقة تصميم المؤسسات السياسية المحلية والدولية، وتم إحراز تقدم، فتم تجنب تكرار الحروب العالمية، وأصبحت فرصة أن يموت شخص فى وفاة عنيفة الآن خُمس ما كان عليه قبل نصف قرن.
وفى الوقت نفسه، فإن التهديدات الخارجية بالأساس لكل الدول قد زادت أهميتها وتتجاوز الآن تلك التقليدية. فبمرور الوقت، أصبح التغير المناخى يهدد الجميع. ويشير الإيدز وإيبولا وميرس وسارس والآن كوفيد 19 إلى أن الوباء سيحدث بوتيرة متكررة. وهناك أيضا الإرهاب والاضطرابات التى تسبب حركات جماعية من اللاجئين، وعدم الاستقرار المالى. ونواجه أيضا تحديات من التطور الجديد فى الذكاء الاصطناعى وتكنولوجيا المعلومات. ويساعد وباء كورونا على الدخول فى عالم يعتمد فيه الأمن على تجاوز عتبة التعاون مع الحلفاء والخصوم على حد السواء أكثر من الحفاظ على توازن القوى.
أما الطريقة الثانية التى يمكن أن يحدث من خلالها وباء كورونا انتقالا هى التحول عن القيادة الديمقراطية الغربية للنظام العالمى. فقد كان أداء الحكومة الأمريكية خلال الأزمة محزنا. ولم يتم تأدية بعض المهام الأساسية مثل توفير الماسكات للعاملين فى الرعاية الصحية الذين يعالجون المرضى، وكان غياب التخطيط على المدى المتوسط واضحا، بل تم تجاهل برتوكولات السلامة الأولية فى البيت الأبيض، مما يعرض سلامة القادة للخطر.
لكن، وبرغم كل إخفاقات إدارة ترامب، فإن الولايات المتحدة لم تكن سيئة للغاية مقارنة ببقية الغرب، فبريطانيا وفرنسا وأسبانيا وإيطاليا ودول أخرى لديها معدلات وفاة من كورونا أعلى من الولايات المتحدة من حيث عدد السكان. وفى المقابل، فإن دولا مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند لديها معدلات وفاة أقل 5% عن المستويات الأمريكية. وحتى فكرة أن الصين تقدم المعدات الصحية الأساسية للولايات المتحدة لم تكن متصورة قبل عام.
لو تبين أن القرن الحادى والعشرين سيكون قرنا آسيويا، مثلما كان القرن العشرين قرنا أمريكيا، فقد يتم تذكر وباء كورونا باعتباره نقطة التحول. فنحن نعيش ليس فقط أحداثا دراماتيكية، ولكن ما يمكن أن يكون مفصلا فى التاريخ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة