يدخل الصراع بين الحضارات أبوابا عدة منها ما يتعلق بـ الآثار، فنجد دولا تحاول أن تبحث فى التاريخ القديم عن أصول وجذور، وكأن كما يقول أبناء البلد "ليست لك أصول" لذا نجد حضارات عظيمة معروف أصولها مثل المصرية القديمة وحضارة ما وراء النهرين، وبلاد فارس، وسبأ، التى مازالت أثارها الباقية تحكى عظمتهم أما الغزاة والمستعمرون والدول الحديثة نسبيا دائما ما تبحث عن تاريخ يثبتون بها هويتهم.
ولأن المصالح مشتركة بين بلدين مثل دولة الكيان الصهوينى وتركيا، وتاريخهم حتى وإن كانت الثانية أقدم وصاحبة تواجد تاريخى قديم بفضل الحضارة الإسلامية التى انتشرت فى بقع كثيرة من العالم وصنعت أمجاد عظيمة، إلا أنها بكل تأكيد ليست صاحبة حضارة عريقة مثل التى شهدتها مصر والعراق والصين، لكن يبدو أنها تبحث عن تاريخ مزيف تدعم به أسطورة أنظمتها الدكتاتورية، فكما تسرق إسرائيل تاريخ الفلسطينين الآن وتغتصبه، تزعم الآن أن تركيا هى صاحبة أقدم معبد فى العالم عمره نحو 11 ألف عام.
وحتى يكون الأمر مأخوذا بسمت علمى عملت دولة الاحتلال وتركيا على نشر هذا الكلام فى مجلة Cambridge Archaeological Journal، التى تزعم أن هذا المجمع الأثرى فى جوبكلى تَبه الواقع جنوب - شرق الأناضول، يعتبر أقدم المعابد فى تاريخ البشرية، استنادا إلى الترسبات التى تغطيه، ويعتقد أن الصيادين فى العصر الحجرى الحديث باشروا ببنائه قبل أكثر من 11.5 ألف سنة. أى قبل تشكيل أول حضارة بشرية.
الغريب أن مثل هذا الاكتشاف المزعوم لا توجد أى دلائل علمية عليه، وبالطبع ليس الكذبة الأولى التى يروجها الأتراك ويتفاخرون بها كذبا، فبحسب العديد من الدراسات التاريخية، كان هناك كذبة أخرى أكثر كوميدية أطلقها مصطفى كمال أتاتورك، والذى تحل اليوم ذكرى ميلاده الـ139، إذ ولد فى 19 مايو 1881م، بأنهم أصحاب أول الحضارات الإنسانية فى التاريخ.
وبحسب كتاب "تاريخ الدولة التركية" تأليف مؤميد أحمد غازى، فإن أتاتورك بعدما تولى رئاسة تركيا، بعد إسقاط الإمبرطورية العثمانية، أخذ ينفخ فى الروح القومية للشعب التركى، واستغل ما نادى به بعض المؤرخين أن "السومريين" أصحاب حضارة بلاد ما بين النهرين، كانوا ذات صلة باللغة التركية، فقال بأن الأتراك هم أصحاب أقدم حضارة فى العالم ليعوضهم عما أفقدهم من قيم بعد أن حارب كل نشاط إسلامى ولقبب نفسه بـ"أتاتورك" ومعناه أبو الأتراك.
واتفق عدد من الدراسات الأخرى منها "حاضر العالم الإسلامي: وقضاياه المعاصرة" للدكتور جميل عبدالله محمد المصرو، و"السلطان عبد الحميد الثانى وفكرة الجامعة الإسلامية" للدكتور على محمد الصلابى، و"الصهيونية: الغرب والمقدس والسياسة" للدكتور عبد الكريم الحسنى، مؤكدين أن انهيار دولة الخلافة هزت الأتراك فأخذ يلعب على مشاعرهم بمثل هذه الأكاذيب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة