عاد الملك فاروق إلى القاهرة، بعد وفاة والده الملك أحمد فؤاد يوم 28 أبريل 1936.. كان فاروق فى بريطانيا للدراسة منذ 6 أكتوبر 1935 يرافقه أحمد حسنين باشا رائدا ورئيسا للبعثة ومهمته العناية بشؤونه، واختير عزيز المصرى نائبا للرائد وكبيرا للمعلمين، ووفقا للدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «فاروق وسقوط الملكية 1936 -1952»، فإن «أكاديمية وولتش» لم تقبل فاروق طالبا لصغر سنه، لكنها سمحت له بزيارتها كعون له فى دراسته، وتم الاتفاق على أن يبقى الوضع على ما هو عليه سنتان ثم ينتظم فى الدراسة.
توفى الملك فؤاد قبل انتهاء السنتين، فعاد فاروق وعمره 16 عاما وشهرين و17 يوما «مواليد 11 فبراير 1920»، وبقيت مسألة استكمال دراسته محل الاهتمام، وكان السفير البريطانى فى مصر «لامسبون» أكثر المهتمين بها، وأكبر الساعين إلى وضع تصورات بشأنها حتى يبقى الملك على طبعته الإنجليزية، حسبما تشير الدكتورة لطيفة سالم.
كانت عودة فاروق إلى لندن ضمن الأفكار المطروحة، وتؤكد «سالم» أنه لم يمض أسبوع على عودته، إلا واستعجل على ماهر «رئيس الوزراء 30 يناير 1936» لامبسون فى مناقشة شريف صبرى «خال فاروق والوصى عليه»، إذ كان يعارض بشدة عودته لإنجلترا، وبالفعل التقى لامبسون به وتباحثا فى الأمر، وعبر عن رأيه بأن عودة الملك لإتمام تعليمه سيكون له الأثر السيئ لدى الشعب الذى تعلق بمليكه، وأوضح أن كلا من الملكة نازلى «أم فاروق» وفاروق اشتركا فى الإدلاء برأيهما، والثلاثة يعتبرون الوضع السليم أن يعهد إلى مدرس إنجليزى له من المؤهلات المناسبة للتدريس للملك.
طلب شريف صبرى من لامبسون المساعدة فى ذلك، ورأى لامبسون أن تعلم الحكومة بتلك الإجراءات حتى لا تشكل عقبة أمام المسألة، وتذكر «سالم» أن لامبسون كتب إلى لندن وطلب منها البحث عن الشخص الذى توصى به ليقوم بمهمة التدريس لفاروق، وأن يكون هذا الشخص ملما ولديه القدرة فى التعليم والرياضة، وليقوم بالتدريبات والمراقبة، وليجعل من فاروق شخصا قادرا على تحمل المسؤولية، وتطبيع الملك، واستعلم لامبسون عن التفصيلات الخاصة بالعقد والمرتب.
تؤكد سالم: «فى يوم 20 مايو، مثل هذا اليوم، 1936، جرت مقابلة خاطفة بين فاروق ولامبسون، جلس بعدها أحمد حسنين باشا مع الأخير، وبدأ حوار بينهما يعطى الصورة كاملة عن تصورات «حسنين باشا» رائد الملك، فتكلم عن أن الأمير الوصى «محمد عبدالمنعم» والنحاس باشا يرغبان فى عودة فاروق إلى إنجلترا، وأن قلبهما يزداد غيرة تجاه الملك الذى بلغ أن مسألة سفره لهذا الغرض فكرة إنجليزية، تهدف إخراجه من مصر حتى تتمكن بريطانيا من عمل ترتيبات مع الوفد خلال غيابه تعوق بها مصالحه فى المستقبل، وعلى هذا الأساس فإن الأمر يزداد تعقيدا.\
تذكر «سالم» أن لامبسون انبرى بالرد وإبداء وجهة نظره بأنه من الأفضل ابتعاد فاروق عن الدسائس التى تحاك حوله وتركز عليه، وألا يصغى إلى هذه التفاهات، وأنه فى حال عودته إلى إنجلترا يجب يكون برغبته، وأن يفهم الشعب أنه ليس وراءها خطة إنجليزية للسيطرة عليه واستغلاله، وفى حالة عدم السفر فالبديل تعيين مدرس إنجليزى، وأن كل ما يعنى بريطانيا أن ينشأ الملك الشاب على تربية صحيحة.
وتؤكد «سالم» أن «حسنين باشا» تقبل إجابة لامبسون بارتياح، وأيد بحماس إحضار المدرس الخصوصى، وعاد وأظهر ما تقوم عليه حكومة الوفد ضد الأسرة المالكة، وتعرض لطموحات الأمير محمد على، مما جعل «لامبسون» يعبر عن موقف حكومته بأنها لن تسمح للوفد أو لغيره باللعب بالنظام القائم فى مصر، وأظهر استعداده للتعاون لإقصاء أى صعوبات قائمة.. تضيف سالم، أن لامبسون أراد أن يجس نبض الأمير محمد على ويعرف آراءه، فالتقى به فى نفس اليوم «20 مايو 1936»، ودار بينهما حوارا طويلا، وأعلمه الأمير بمقابلته للملكة «نازلى»، وشرح لها جهوده التى يبذلها لمصلحة ابنها، وأنه ليس له طموح شخصى، وأرجع سبب المعارضات فى سفر الملك إلى الخوف من تعرضه لسوء الخلق فى هذه السن الصغيرة، ويذكر لامبسون أنه نقل إليه فكرة تعيين إنجليزى مناسب ليقوم بالمهمة العلمية المطلوبة، فوافق ورأى ضرورة موافقة الملكة، وتكلم بثقة عن هذه الموافقة على أساس أنها لا تريد أن يبعد عنها ابنها مرة أخرى، وبذلك يتبين أن الأوصياء خاضعون للمشيئة البريطانية التى تحرص على إصباع فاروق بالصبغة الإنجليزية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة