وسط منطقة مجمع الأديان الأثرية، يطل المتحف القبطى بصليبه البارز وباحاته الواسعة خلف أسوار القلعة الرومانية الشهيرة بابليون فى منطقة مصر القديمة، فالمتحف يحاط بآثار تمثل الأديان الثلاثة السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام ليشكل حلقة وصل بين كافة الحضارات التى مرت بمصر.
المتحف بنى على يد سميكة باشا المتحف عام 1910 ليجمع المادة الضرورية لدراسة تاريخ المسيحية فى مصر، لينضم لقائمة متنوعة من المتاحف المصرية مثل متحف القاهرة للفرعونى القديم، والمتحف اليوناني-الرومانى بالإسكندرية ومتحف الفن الاسلامى بالقاهرة.
يضم المتحف 16 ألف قطعة أثرية بالإضافة إلى جناحه القديم الذى يشكل فى حد ذاته قطعة معمارية نادرة فيتألف من حجرات متسعة كل حجرة تقود للتالية حتى إذا جاء عام 1947 افتتح الجناح الجديد الواسع، يتشابه نموذجه مع الجناح القديم.
بمجرد أن تعبر من البوابة الرئيسية للمتحف، يستقبلك أمناء المتحف بابتسامة واسعة ويأخذونك فى جولة بين حجراته المختلفة، تقابل قطع حجرية على الطراز اليونانى والرومانى مزدانة بالصليب وكأنه علامة الفن القبطي، بعدها ستقابل قطعة أثرية تنتمى للقرن السادس مصنوعة من الحجر الرملى وهى شاهد قبر يعلوه نقش صليب يشبه العلامة المصرية القديمة عنخ فى وسطه صليب أخر صغير وعلى جانبيه صليبين صغيرين، لتجمع القطعة بين الحضارتين الفرعونية والقبطية، وقد وجدت بين آثار منطقة البدارى بأسيوط.
بين معروضات المتحف، تلحظ منحوتات من الحجر الجيرى وهى المجموعة المسماة بحفائر الفسطاط ويرجع تاريخها إلى القرن الخامس وهى عبارة عن تاج عمود على شكل سلة مفرغة مجدولة بأعلاها أربع حمامات وصلبان لتمزج بين الحضارتين الفرعونية والقبطية.
آثار دير الأنبا أبوللو بباويط بأسيوط
فى منتصف المتحف القبطى، قسما خاصا بآثار دير الأنبا ابوللو بباويط بمدينة أسيوط، إذ يخصص متحف اللوفر العالمى قسما منه أيضا لتلك المعروضات، و"باويط" كلمة مأخوذة من كلمة قبطية تعنى "تجمُّع" أو "دير.
دير الأنبا أبوللو من أوائل الأديرة التى بُنيت فى "مصر الوسطى"، حيث يعود تأسيسه إلى آواخر القرن الرابع وبداية القرن الخامس حوالى عام 390 م، على يد القديس "أبوللو"، وهو يقع على مساحة تبلغ 3 كم ويحتوى على كنيستين.
ومن أهم هذه القطع، قطعتين فنيتين تزينان مدخل الدير عبارة عن أيقونة للسيد المسيح، وصورة للأب "مينا"- المسئول عن الدير فى نهاية القرن السابع الميلادي- بالإضافة إلى بعض الأوانى الفخارية، وبعض من المخطوطات التى تحكى الكثير عن الحياة اليومية للرهبان.
وبين معروضات المتحف القبطى الجزء السفلى من شرقية باويط الشهيرة، يرجح أنها ترجع إلى النصف الثانى من القرن السابع الميلادى من دير الأنبا ابوللو بباويط، موجودة حالياً بمتحف القبطى. وتظهر فيها السيدة العذراء فى وسط تلاميذ السيد المسيح وعلى يمنيها بطرس الرسول وعن يسارها يوحنا الحبيب، وكان قديماً لا يوجد حامل للأيقونات أمام الهياكل فكان يستعيض عن ذلك برسم القديسين فى الهيكل والشرقية.
الجناح القديم للمتحف يضم مجموعة من قطع الأثاث الخشبية والأبواب المطعمة. وجدير بالملاحظة أنه يضم الباب المصنوع من خشب الجميز الخاص بحامل ايقونات كنيسة القديسة بربارة. الألواح يمكن تمييزها حيث قاموا بتركيبها فى العصر الفاطمى أثناء القرن الحادى عشر والثانى عشر.
المجموعة تستقر فى الجناح الجديد الذى يظهر مختلف الأنواع والطرز والموضوعات، مثل التصميمات الهندسية، لفائف نبات الاكانتس وأوراق العنب، وافريزات مزدانة بأرانب، طواويس، طيور، والانشطة الريفية، مرورا بالتراث الهيللينستى والقبطى حتى الصيغ الفنية الاسلامية فى مصر.
آثار مدينة أهناسيا.. فى قلب المتحف القبطى
يضم المتحف أيضا مجموعة من آثار مدينة أهناسيا فقد كانت مكانة إهناسيا خلال فتر حكم البطالمة (332 - 30 قبل الميلاد) لا تزال عالية كمكان للعبادة ومركز ثقافى فى مصر. وحاول الحكام الإغريق إيجاد تناسق بين آلهتهم وبين آلهة قدماء المصريين، ونسبوا إله المصريين القدماء حرشف بإلههم هرقل، ومن هنا اشتهرت إهناسيا فى أوساط علماء الآثار بـ"هيراكليوبولس".
مخطوطات نجع حمادى
يضم المتحف القبطى قسما خاصا بمخطوطات نجع حمادى أو مكتبة نجع حمادى وهى مجموعة من النصوص الغنوصية التى اكتشفت بالقرب من نجع حمادى فى صعيد مصر سنة 1945 م. تتألف تلك المخطوطات من إثنى عشر بردية وجدها مزارع يدعى محمد السمّان مدفونة فى جرار مغلقة. اشتملت تلك المخطوطات على اثنين وخمسين مقالة معظمها غنوصي، ولكنها اشتملت أيضًا على ثلاثة أعمال تنتمى إلى متون هرمس وترجمة جزئية لكتاب الجمهورية لأفلاطون.
فى مقدمته لكتابه «مكتبة نجع حمادي»، أشار جيمس روبنسون إلى أن هذه المخطوطات قد تنتمى إلى دير القديس باخوم القريب، ودفنت بعد أن أدان البابا أثناسيوس الأول استخدام الكتب غير الكنسية فى خطابه لعيد الفصح سنة 367 م. أثّر اكتشاف هذه النصوص بشكل كبير على الدراسات الحديثة حول المسيحية الأولى والغنوصية.
كتبت تلك المخطوطات باللغة القبطية. ويعد أبرز محتوياتها نسخة من إنجيل توما، التى تعد النسخة الوحيدة المكتملة من هذا الإنجيل، بعد اكتشافها، اعتمد الباحثون أجزاء الأقوال المنسوبة ليسوع التى اكتشفت فى أوكسيرينخوس سنة 1898 م المعروفة ببردية أوكسيرينخوس الأولى، وقارنوا محتويات المخطوطات بالاقتباسات الموجودة فى المصادر المسيحية التى ترجع إلى عصور المسيحية الأولى، كما ربطوا تلك النسخة من إنجيل توما بالنسخة اليونانية الأصلية الناقصة، ترجع تلك المخطوطات إلى القرنين الثالث والرابع الميلاديين.
ملابس الكهنة والنسيج القبطى والأيقونات
من بين الأقسام البارزة فى المتحف القبطي، قسم المنسوجات القبطية الذى يضم مجموعة متنوعة من ملابس الكهنة بالإضافة إلى سجاد يزخر برسوم قبطية، وفى القسم المجاور مجموعة نادرة من الأيقونات المسيحية التى تروى قصصا مختلفة عن السيد المسيح وقديسين البرية الأوائل.