أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد حبوشه

"ونحب تاني ليه".. دراما رومانسية بحس كوميدي

الخميس، 28 مايو 2020 11:39 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الحب هو المكون الرئيسي والأكثر إيجابية لكل الأشياء الموجودة في الحياة بصفة عامة، لذا تظل الأعمال الرومانسية هى الأكثر اهتماما للمشاهد لما تتضمنه من أحاسيس جميلة ومشاعر رائعة، ولا شك أن معظمنا مر بهذه المشاعر والأحاسيس الجميلة والبعض الآخر ينتظر المرور بها، وتعد الأفلام الرومانسية علامة مميزة في تاريخ السينما العالمية عن العاطفة والرومانسية، كما أن لها جمهور عريض يطلبها باستمرار وتتنوع تلك الأفلام بين الكوميديا الرومانسية والدراما والرومانسية، ويوجد العديد من الأفلام الرومانسية الخالدة في عقولنا مهما مر عليها من سنوات، ولقد شهدت السينما العالمية إنتاج الكثير من الأفلام الرومانسية المميزة ، بدءا من الرومانسية الأسطورية وأفلام الحب الأبدي حتى الرومانسية الكوميدية التي تجذب بعض الفئات العمرية الصغيرة.

وفي موسم رمضان 2020 يبدو عدد قليل جدا من المسلسلات التي تعتمد قصص الحب محورا رئيسيا لتصنع حالة رومانسية من شأنها أن تقاوم ذلك الطوفان من العنف و"السسبنس"، وإحداث نوع من المتعة في قلب المشاهد المأساوية، ومنها مسلسل "ونحب تاني ليه"، بطولة "ياسمين عبد العزيز، شريف منير، سوسن بدر، إيهاب فهمي، كريم فهمى، إسلام جمال"، وهو من تأليف عمرو محمود ياسين، وإخراج مصطفى فكري، ويأتي هذا المسلسل بمثابة طيف جميل بحكم انتمائه لنوعية الرومانسية الكوميدية في ظل طوفان العنف غير المبرر وتناول موضوعات الخيانة والانتقام، إلى جانب ارتفاع نسبة المشهيات من نوعية الإثارة، مع ابتعاد شبه كامل عن مشكلات المجتمع الحقيقية، والتكريس لأعمال الكوميديا السطحية في لوحة دراما رمضان لهذا العام.

ربما يرى البعض أن دراما هذا العام كمثلها من الأعوام السابقة في مجملها تخاصم الجدية المعبرة عن حالة الشارع بصورة واقعية - على خلاف ما يدعيه مؤلفي وكتاب سيناريو هذه الأعمال - لكني على العكس من ذلك أرى أن هنالك حفنة لابأس بها من المسلسلات ذات الطابع الاجتماعي الذي يقترب من الواقع بشكل ما، ومنها ما يميل إلى اللون الرومانسي، والتي أمكنها أن تحدث نوعا من التغيير من شأنه تحسين الصورة، وإنقاذنا من برثن ذلك الطوفان الهادر من العنف والعنف المضاد، ومن هنا يجيئ مسلسل "ونحب تاني ليه" بمثابة واحة الرومانسية الوحيدة في رمضان 2020، بفضل أداء "ياسمين عبد العزيز وكريم فهمي"، ويشاركهما في الدهشة الإبداعية القدير "شريف منير" في قدرة وتحكم، وأيضا "إيهاب فهمي" المخيف في حنكة ومرواغة وقدرة على التحايل والتلون كحرباء ماهرة في تغيير لون جلدها، وكثافة التجسيد والخبرة عند "سوسن بدر"، ونضج المخرج "مصطفى فكري" في تحريكه الكاميرا نحو مناطق الدفء في حياتنا على نحو يحمل مواقف كوميدية تخفف من حدة الأحداث التي تجنح أحيانا نحو الصراع وطغيان البيزنس الذي يمكن أن يفسد الأجواء الرومانسية في المسلسل.

الثنائي الرائع "ياسمين وكريم"، كانا يواصلان التألق من حلقة إلى أخرى بوتيرة عاطفية طاغية، وعلى درب جديد من العزف على أوتار المشاعر الرومانسية الحالمة بأداء راق ودقة متناهية في الحركة والسكون، حتى يمكنك أن تحلق معهما بحناحين رشيقين في سماء صافية مشحونة برومانسية عذبة تشفي القلوب التواقة للحب المفقود في زمن الاغتراب، وذلك على ايقاع موسيقي ناعمة اعتمد في غالبها الموسيقار المبدع "تامر كروان" على البيانو منفردا بالتعبيرفي كثير من الأحيان، فضلا عن أنك تستشعر من خلف الكاميرا ذكاء المخرج "مصطفى فكري" في اختيار زوايا ومشاهد تعكس الطبيعة الخلابة والديكور الثري بالعناصر التي تبرز جمال النيل في الليل مثال (مشهد غالية ومراد على يخت يعكس أضواء شفافة على صفحة نيل القاهرة) لتناسب الحالة الرومانسية في أوجها.

سرعان ماتبدو المشاهد كطيف حالم يداعب شغاف القلوب، وكأن المخرج عمد إلى صناعة مشاهد متواترة تقترب بالمشاهد في مجملها إلى واحة رحبة من الراحة بعد نهار رمضاني قاس مصحوب بحرارة خانقة، وكأنه عدو شرس لذلك العنف الضاغط على العصب العاري في الحياة المصرية الحالية، والذي يطغى - للأسف - في غالب الأعمال الدرامية الأخرى، بالإضافة إلى ظروف حظر التجوال والجلوس قسريا بالبيت في ظل الحجر الصحي، لذا فإن حالة تناغم الثنائي "ياسمين وكريم" استطاعت أن تنقلنا إلى أجواء ذلك الزمن الرومانسي الجميل في السينما المصرية في عصرها الذهبي في الخمسينيات والستينيات، لتذكرنا بأفلام خالدة ماتزال تسكن الذاكرة مثل: "بين الأطلال" فاتن حمامة وعماد حمدي "رد قلبي" مريم فخر الدين وشكرى سرحان، "أغلى من حياتي" شادية وصلاح ذو الفقار، ،"إني راحلة" مديحة يسري وعماد حمدي،"يوم من عمرى" عبد الحليم وزبيدة ثروت، و"الوسادة الخالية" له أيضا مع لبنى عبد العزيز، "صراع في الوادي" عمر الشريف وفاتن حمامة، وغيره من أفلام أخرى كـ "نهر الحب" و"سيدة القصر" و"أيامنا الحلوة"، ليتربع "عمر" علي عرش أفلام الحب قبل أن يسافر إلى السينما العالمية، فضلا عن كل ذلك الفيلم الأكثر رومانسية في حقبة الثمانينيات على الإطلاق "حبيبى دائما " نور الشريف وبوسي.

تظهر ياسمين عبدالعزيز في هذا المسلسل بإطلالة هادئة في إطار تغير جلدها وتغالب الكوميديا بشق الأنفس لصالح عمل درامي اجتماعي تتخلله كالعادة بعض المفاجآت، حيث تعيش "غالية" أو ياسمين عبدالعزيز حياة زوجية قلقة رغم نجاحها العملي كمهندسة ديكور وعلاقتها الجيدة بابنتها الصغيرة، بسبب الانشغال الدائم للزوج "عبد الله" شريف منير، الذي يعمل مخرجا للإعلانات، وهو للأسف يتجاهل - دون إدراك للعواقب - احتياجات زوجته ويترك لمساعدته "ميرنا" الرد على اتصالاتها في تصرف مهين، في وقت تتلقى "غالية" تحذيرات دائمة من أمها التي تكره كل صنف الرجال، وتقوم بدورها الفنانة "سوسن بدر" بأداء يخلط الكوميديى بالتراجيدي في محاولة لنقل الخبرة السيئة للأم مع زوج اكتشفت خيانته في السابق، وكلها مبررات كانت تدفعها إلى زرع الشكوك في قلب ابنتها، شكوك في الواقع كان لها ظل من الحقيقة التي داعبت خيال "غالية" في كثير من الأحيان بسبب تذبذب علاقتها بـ "مراد" التي كانت تتعرض لهزات بين الحين والآخر.

جاء أداء "ياسمين عبد العزيز" على نحو بسيط يؤكد صفاء موهبتها بعد أن تخلت عن الطابع الكوميدي منذ سنتين، لتثبت أنها ممثلة تجيد العزف على أوتار المشاعر الرومانسية التي خاصمتها لفترة بعد تجاربها الناجحة من قبل مع أحمد حلمي، ولكنها هنا تستنفر قواها التمثيلية لتشير إلى أن ما يحتاجه الممثل في تكوينه بوصفه ممثلاً هو دقة الملاحظة وسرعة البديهة، ولذا فإنها ركزت على انفعالاتها وأحاسيسها، بعيدا عن أي (كليشيه) أي الشيء الثابت الجاهز كما هو بلا تغيير، بل لجأت دوما إلى تنمية الحرفية الداخلية لديها كممثلة من خلال تطوير خيالها الخلاق واكتشاف جوهر الدور، كما لجأت أيضا إلى المدرسة القائمة على الأداء دون التقمص الانفعالي المعروف واستمدت مقوماتها من عنصري الدهشة والفطرية في الشخصية.

ويذكر هنا أيضا جودة الأداء لـ "شريف منير" في تجسيده لشخصية المخرج "عبد الله الروبي" والذي اتبع طرقا كثيرة تؤكد أنه ممثل أشبه بالساحر الذي يبني صورا إيهامية خادعة بغرض أن يوحي بواقع ما وبشكل أو بآخر، حيث يبدو نصابا أو محتالا يجيد عمله في التظاهر والكذب والتصنع وانتحال شخصية أخرى، أو تحويل شيء أو شخص إلى شيء آخر أو شخص آخر، لكن تحتم عليه قواعد اللعبة أن يتظاهر بصورة توحي بالأمانة كما كان يفعل "عبد الله" وهو يكذب بشكل صادق، وأن يتصنع بصورة مقنعة، وأن ينتحل - أو يحاكي - الشخص الآخر بشكل يقترب من الواقع، ولقد نجح "شريف منير في تقمص الشخصية والظهور في صفاتها بقدر المستطاع، وذلك بفضل توافر الإحساس وقوة تركيز أفكاره وتسلله تحت جلد الشخصية في أداء احترافي يعكس خبرته كممثل مخضرم وكبير.

ولقد لفت نظري أكثر في هذا المسلسل أداء "داهية التمثيل" إيهاب فهمى في طريقة تجسيده للشر على نحو هادئ ومختلف يؤكد نضجه في فن الأداء الصعب، من خلال تجسيد شخصية "إيهاب السويفي"، ومحاولة محاكاتها على أرض الواقع وتجسيد ملامح وصفات تلك الشخصية وأبعادها المتباينة في النص الدرامي، وهنا تكمن أهميته كممثل في مقدرته على فهم الدور الذي يلعبه، فضلا عن امتلاكه لطاقة خلاقة قادرة على تفهم أبعاد الشخصية، وهو ما جعله متمكنا من تجسيدها معتمدا على إتقانه لفن الإلقاء التمثيلي، فالإلقاء لا يعتبر فنا إذا لم يوضع في موضع خاص أي عندما يكون هناك من يتلقى ذلك العمل ويستجيب ويعبر بلغة غير لغة الواقع، حيث يلقيها بتهذيب وتتصف بالجمال على اتشاحها بالسواد الداخلي، لأنها كانت مع "إيهاب" تحمل ملامح الشر في طياته وأطواره المختلفة، وخاصة أنه كان يتمتع بابتسامة صفراء تغطي على كافة المواقف، وطريقة حديث ملتوي تضيف نوعا من المصداقية والاحترافية في الأداء.

المسلسل تتخلله كثير من العلاقات المركبة أيضاً؛ لكن أجمل مافي "ونحب تاني ليه أن معظم المشاهد تم تصويرها كأنها صفحات منتزعة من الطبيعة الخصبة، وهو ما أضفى نوعا من الإبهار في الصورة، ولعل تلك المبالغة أحيانا في الأناقة والتناسق اللوني والكادرات الاستعراضية خدمت الحالة الرومانسية، ليبقى المسلسل من النوع الخفيف البعيد تماما عن حالة الصراخ، حيث اتسم بايقاع هادئ للغاية، وأثبتت (ياسمين عبدالعزيز) أنها شخصية قادرة على اختزال أكثر من تعبير من دون مبالغة جراء خبرتها الطويلة في الأداء الدرامي، رغم أن الدور ربما كان جديدا عليها بعد أن اعتاد المشاهدون رؤيتها في أدوار البنت الشقية، أو بنت البلد في أعمال كوميدية سابقة تتسم بخفة ورشاقة حركتها.

وعلى قدر جرعة الرومانسية المطعمة بلمسات كوميدية إلا أن مسلسل "ونحب تاني ليه" يأتي بطابع اجتماعي لا يخلو من الصراع، حيث يرصد العلاقة بين أجيال مختلفة من النساء والأمهات، وكيفية تعاملهن مع فكرة فشل التجربة الأولى، وكيف تنظر كل منهن إلى تجربة الأخرى من زاوية خاصة، وقد لاحظت شيئا من ذلك في مطلع المسلسل حيث جاء صوت (ياسمين عبدالعزيز) وهى تقدم خلاصة فكرتها قائلة: "الحب هو السعادة .. الحب لكل من حولي"، وكأنها تؤكد فكرتها في أن سعادة الإنسان هى في قدرته على تشكيل حياته وتوجيه حبه لكل مظاهر الجمال المحيطة به.

وعلى الرغم من إدراكنا الكامل بأن السينما كانت قادرة على إلهاب الخيال، وإضاءة لحظاتنا بالمتعة، لقدرتها على نقل الواقع بعد إضافة مؤثرات خاصة إليه، مثل الموسيقى التصويرية والإضاءة والديكورات التي تجعل من المشهد الواحد لوحة فنية جديرة بالتأمل مرة بعد أخرى، خاصة مشاهد الرومانسية والحب، التي ربما ننسى الفيلم بأكمله ولا ننساها.

إجمالا فإن المسلسل على مستوى الأداء السلسل للثنائي المبدع (ياسمين وكريم) ومعهما (سوسن بدر وليلى عز العرب) في رؤيتهما السلبية للرجل، ومواقف (إيمان السيد وبدرية السيد) الكوميدية في قالب يعتمد السذاجة والتلقائية في وعى خاص يبعد عن السماجة وثقل الظل، استطاعوا جميعا أن يضيئوا لحظات حياتنا الحالية بالمتعة، وقدموا لوحات رومانسية بحس كوميدي يفيض بالبهجة والسرور، لتبقى خلاصنا الوحيد من هموم أزمة كورونا العاصفة بأوطننا العربية وبالعالم أجمع.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة