قبل 15 عاما شاركت بالتغطية الصحفية، فى مؤتمر علمى لنقابة الأطباء بعنوان evidence based medicine أى الطب المبنى على الدليل والبرهان، وقد كنت وقتها طالبا فى السنة النهائية بكلية الإعلام جامعة القاهرة، ومكلفا بتغطية أخبار النقابة من جريدة صوت الجامعة، وهى صحيفة "معملية" تصدر داخل الجامعة ولا تباع خارج أسوارها، كجزء من التدريب العملى للطلاب.
وحتى لا تهرب الفكرة بعيدا، فالطب المبنى على الدليل يعتمد على العلم والتجارب المثبتة والنتائج غير القابلة للشك، لا الاعتقادات الفردية، وقد ضرب المشاركون فى المؤتمر مثالا على فكرة الطب المبنى على الدليل بأدوية الضغط، التى كان يزيد عددها فى السوق خلال تلك الفترة عن 40 دواء، وقالوا:" كيف يمكن للطبيب أن يختار الدواء المناسب لمريضه، ويتأكد أنه الأنسب والأكثر فاعلية مع حالته على المدى الطويل والمتوسط، مع هذا الكم من الأدوية التى تنتمى إلى مركبات وعائلات مختلفة، وقد كنت منبهرا فى ذلك الوقت بما أسمع أن لدينا فى مصر هذا التطور العلمى فى مواجهة الجهل والخرافة والدجل الذى يمارسه البعض باسم الطب.
أتناول هذه المقدمة الطويلة لأدخل إلى موضوع علاجات كورونا وما تتحدث عنه شركات الأدوية المحلية والعالمية بين الحين والآخر من اكتشافات شبه يومية لأدوية جديدة لعلاج الفيروس المستجد، في حين أن العلم القاطع المبنى على الدليل لم يكتشف حتى الآن علاج فعال وآمن لهذا الفيروس، وهذا بالطبع مصدر الخطورة الأول على البشرية من المرض، فلو أن العلاج متاحا بهذه الكثرة وهذه الكميات كما تروج شركات الأدوية لبات الأمر سهلا، ولن نسمع اسم كوفيد 19 في وسائل الإعلام وسيتخفى قطعا من الصفحات الأولى ونشرات الأخبار والأنباء العاجلة، إلا أن الأمر يدخل فى نطاق اختلاط العلمى بغير العلمى، والسعى نحو المكاسب وانتهاز الأزمة التى يراها البعض "فرصة".
اللغط الدائر حول أدوية فيروس كورونا خلال الوقت الراهن، ينقسم إلى عدة أشكال، الأول يتحدث البعض فيه عن مصل واقى من المرض، وهذا الجانب تمثله شركات الأدوية الكبيرة، التى تسعى إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب المستقبلية، بالإضافة إلى المكاسب الدعائية والسياسية، فالدولة التى ستخرج بالمصل قطعا ستحظى بأهمية كبيرة وستمنح وتمنع كيفما تشاء، وهذا لن يخرج عن دائرة مجموعة من الدول الكبرى تعد على أصابع اليد، وأتصور أن التصفيات ستكون بين أمريكا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، بينما الجزء الثانى يتحدث عن أدوية جديدة تحد من نشاط المرض وتؤثر عليه وأغلب هذه الأدوية تحت الدراسة، ولا يمكن الجزم أو التأكيد بأنها مناسبة للمرضى بنسبة 100%، كما يقول الطب المبنى على الدليل، فأما الاتجاه الثالث يتحدث عن مجموعة أدوية قديمة تسخدم فى علاجات أوبئة وأمراض فيروسية، مثل أدوية الإيدز أو الملاريا أو التهابات الكبد، لعلاج كورونا، وقد كثر في هذا الاتجاه اللغط، فأحيانا نسمع أن الكلوروكين كان سببا في زيادة أعداد الوفيات فى أمريكا، وقد تم وقفه، بينما نسمع الرأي المعاكس أنه مازال فعالا في العلاج والسيطرة على نشاط الفيروس، بينما القسم الأخير يتناول فكرة بلازما المتعافين من الفيروس، وهى فكرة قديمة، تنجح أحيانا وتفشل أحيان أخرى، إلا أنها تأتى فى مرتبة متأخرة لصعوبة تطبيقها، خاصة مع تفشى الوباء وسرعة انتشاره.
أخيرا أقول العلم الحديث سيقدم العلاج للفيروس لا محالة، ولكن يجب ألا نخدع الناس بفوائد العرقسوس أو القرنفل أو البصل والترمس في مواجهة المرض، العلاج سيخضع شئنا أم أبينا للإثباتات العلمية والبراهين، فلا تسمعوا إلا لصوت العلم..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة