أوضح مركز الازهر العالمى للفتوى الإلكترونية ،كيف كانت الدنيا قبل بعثة الرسول وكيف أصبحت؟،حيث قال المركز إن الدُّنيا كانت قبل بعثة سيّدنا رسول الله ﷺ تتخبط في ظُلمات الجهل والضَّلال، وتترنَّح في مهاوِي الهلاك والضَّياع.
وكانت الاعتقادات قد عَلَتْ فيها مَعالم الماديَّة، وتعالَتْ تعاليمُها على أفهام البريَّة، ونصَّبَ رؤساؤُها أنفسَهم أربابًا من دون الله، يحكمُون بأهوائهم أنفاسَ النَّاس ،وممالك العالم إذْ ذاك زاخرةٌ بالفوضى والتَّأخر والأميَّة، مُمزّقةٌ بالظّلم والاضطهاد والطَّبقيَّة.
ولم يختلفْ واقع العرب عن واقع هذه الممالك كثيرًا؛ بل كان امتدادًا لتلك المأساة الحضاريّة على المستويات كافَّة؛ فقد كانت عقيدةُ العرب شِركًا ووثنية، وفِكرُهم وهمًا وخرافة، يستقسمون بالأزلام، ويتحاكمون إلى الكَهَنة والعرَّافين، ويعتقدون في التَّشاؤم والعدوى والثَّأر والهامَة، ويدينون بالعصبيَّة، والتَّبعيَّة، والتَّقليد الأعْمَى.
وكانت عبادة الأصنام علامة ديانتهم البارِزة، يحجُّون إليها، ويعكفون عليها، وينذرون لها، ويطوفون حولها؛ مَظنَّة أنَّها تقربهم إلى الله زُلفى.
وكانت سياستهم البطش والنِّزال، وديدنهم الغدر والخيانة، لا بقاء بينهم إلا للأقوى، ولا حُكْمَ فيهم إلا للمُستبدّ الأعْتَى، يُقيمُون المعارك على تافه الأسباب، تحمرُّ أُنُوفُهم حَمِيَّة لا للحقّ، حسنتُهم للسَّادة، وسيئتُهم للعبيد، أرحامهم مُقطَّعة، وأوصالهم مُفكَّكة، يَئِدُ الوالد ابنته خشية العار، ويقتل ولده مخافة الفقر والإملاق، الحقوق بينهم ضائعة، والفواحش فيهم سائدة، لا يرون المرأةَ إلا سلعة تُشتَرى، أو متاعًا يُورَّث، أوقاتُ سلامهم قصيرة، وحِقْبَات حروبهم مُوحشة طويلة.
فبَعَثَ الله سبحانه وتعالى إلى العالمين رسولًا، يَعرِف النَّاسُ نسبَه وصدقه وأمانته وعفافَه، وقد كانوا أهل جاهلية؛ فكشف به الغمة لمَّا دعاهم إلى الله ليوحِّدوه ويعبدوه ويتَّقوه، ويخلعوا ما كانوا يعبدونه هم وآباؤهم مِن دونه مِن الحجارة والأوثان، وأمرهم بإقام الصَّلاة، وإيتاء الزَّكاة، وصَوْم رمضان، وحجِّ البيت لمن استطاع إليه سبيلًا.
ورغَّبهم في صدقِ الحديث، وقول الحقِّ، وأداء الأمانة، وصلة الرَّحم، وحُسْنِ الجوار، وأدب الحوار، والإيثارِ، والعمل، والإنصاف، والرِّفق، والسَّماحة، والمروءة، والحياء، والأُخوَّة، والشُّورى، والعزيمة، وقضاءِ حوائج النَّاس، وإكرام بني الإنسان، وتحرير العبيد، والإحسان إلى الوالدين واليتيم والمسكين وابن السَّبيل، واحترام المرأة، ومعاشرة الزَّوجة بالمعروف، وقِرى الضَّيف، وكِتمان السِّر، وكَظْم الغَيظ، وصَوْن العهد، والوفاء بالوعد، وحُسْن الظَّن، وحِفظ الأَيْمَان، والتَّحدُّث بالنِّعمة، ونشر الخير بحكمة ورحمة، وحثَّهم على كل فضيلة ومعروف.
ونهاهم عن الشِّرك بالله، وقَتْل النَّفس، وقَوْل الزُّور، ومُخامرة العقل، وإتيان الفواحش، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، وأخذ الرِّشوة، وقذف المُحصنات، والفِرار يوم الزَّحف، وتطفيف الكيل، وغشّ المعاملة، والسَّلب، والسَّرقة، وقَطْع الطَّريق، وترويع الآمنين، والسِّحر، والظُّلم، والخيانة، وإهدار الحقوق، وتشبّه الرِّجال بالنِّساء والنِّساء بالرِّجال، ونشوز المرأة على زوجها، وتتبُّع عورات النَّاس، والمكْر، والمُخادعة، والاستطالة على الخلق، والعُجب بالنَّفس، والتَّفاخر بالأنساب، والمنّ، واللَّعن، ونَهْر السَّائل، والهمز، واللَّمز، والغِيبة، والنَّميمة، والافتراء، والبُهتان، والإفك، وحذَّرهم كلَّ منكرٍ من الأخلاق والأفعال والأقوال.
وبَلَّغ ﷺ عن ربِّه سبحانه أنَّ النَّاس مُجازون على أعمالهم في الدُّنيا من جِنسها؛ إنْ خيرًا فخيرًا، وإنْ شرًّا فشرًّا، لا تستوي الحسنة ولا السَّيئة، ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وزْرَ أُخرَى، ثمَّ هم في الآخرة إلى ربهم صائرون، وبين يديه موقوفون مسئولون، لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ولا أنسابهم من الله شيئًا، أنفسهم بما كَسَبت رهينة، وأعمالهم وإن صَغُرت معروضة موزونة، ليس لإنسانٍ منها إلا ما سعى.
فمن أحسن تَنعَّم أبدًا في جنةٍ عرضُها كعرض السَّماوات والأرض أُعِدَّت للمُتَّقين، ومن أساء ساءت عاقبتُه في نارٍ أعدَّها الله تعالى للعُصاة المُكذِّبين.
وكانت شريعته ﷺ رحمةً كلُها، خيرًا كلُها، تُنظِّم علاقةَ الإنسان بربِّه وبنفسه وبالنَّاس، وتُصلِح الفَرد والأسرة والأمَّة؛ حيثما وُجِدَ الشَّرع وُجِدَت مَصَالِحُ العِباد، لها من الخصائص عَشْر: ربَّانية المصدر، شاملة الأحكام، واقعيَّة التَّشريع، عالميَّة الرِّسالة، ثابتة الأُصول، مَرِنَة المُعالجة، وسطيَّة المنهاج، مُيسَّرة التَّطبيق، الجزاء فيها دُنيوي وأُخروي، خَاتَمةٌ.
تُحافِظ على كُليَّاتٍ خَمْس: الدّين، والنّفس، والعرض، والعقل، والمال.