قالت لجنة الفتوى الرئيسة بمجمع البحوث الإسلامية، إن ما تم تداوله حول الحديث عن تأجيل الحمل فى ظل انتشار فيروس كورونا، لما فى ذلك من آثار سيئة تؤثر على الأم والجنين، إذ أن الفيروس يسبب تجلط الدم، ويؤثر على مصدر غذاء الجنين من المشيمة، الأمر الذي طرح مجموعة من التساؤلات عن جواز تأخير المرأة الإنجاب خوفًا من هذا الأمر، إن الإسلام شرع النكاح من أجل التكاثر البشرى وإبقاء للنسل تحقيقًا لقوله تعالى "إني جاعل في الأرض خليفة"، وقوله صلى الله عليه وسلم "تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة".
وأضافت اللجنة أن الأصل كرهة العزل في الجماع ومنع الحمل إلا لعذر، فمع اختلاف الفقهاء في حكم العزل بين مجيز ومانع، فإن الأولى تركه إلا لعذر فقد روى عن أبى سعيد الخدرى أنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل، فقال عليه السلام "لا عليكم ألا تفعلوا ذاكم، فإنما هو القدر"، وقد قال الإمام أحمد: قوله صلى الله عليه وسلم "لا عليكم" أقرب إلى النهي، وقال الحسن: والله لكأن هذا زجر، وقال الإمام النووي: هو مكروه عندنا في كل حال، لأنه طريق إلى قطع النسل، ثم يجمع بين الأحاديث بأن ماورد في النهي محمول على كراهة التنزيه، وما ورد في الإذن محمول على أنه ليس بحرام، وليس معناه نفي الكراهة.
وتابعت اللجنة: أنه بتطبيق ما سبق على السؤال، فنفيد بأن أهل الذكر والاختصاص في ذلك هم الأطباء، لقوله تعالى "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، ذلك أن الفتوى تحتاج لمعرفة الواقع، ثم تنزيل الحكم الشرعي على هذا الواقع، ومن المعلوم أن الأطباء هم من يرجع إليهم لمعرفة أن الفيروس يؤثر على الأم والجنين أم لا، وبالرجوع إلى أهل الطب وجدنا وجهات نظر مختلفة بما مفاده أن الضرر احتمالي ومشكوك فيه، ولم يصل إلى الظن أو اليقين، ومن ثم فإذا كان الهدف من تأخير الحمل في ظل انتشار فيروس كورونا هو الخوف على المرأة، أو الجنين حين الولادة فلا مانع من ذلك شرعًا، بشروط ثلاثة: الأول: ألا يكون المنع بوسيلة ضارة بدنيا أو نفسيًا، والثاني: أن يكون الهدف تأجيل الحمل حتى تنتهي الجائحة، وليس المنع الكلي للحمل بتعقيم الرجال، أواستئصال رحم المرأة، الثالث: ألا يكون تأجيل الحمل نظرة اجتماعية عامة، بل ينظر فيه كحالات فردية لكل امرأة على حدة حسب ظروفها الصحية، وما إذا كانت تعاني من أمراض مزمنة تزيد من الخطورة عليها حال إصابتها بالفيروس، وبما يقام الأمر مع الحمل.
وأوضحت اللجنة أنه يمكننا الاستدلال لما سبق بما قاله الفقهاء من أن المشقة تجلب التيسير عملًا بقوله تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج"، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام"، لكن مع تقدير الضرورة والحاجة بقدرها، كما يستدل على مشروعية تأجيل الحمل حالة تأكيد الضرر من الأطباء، أو حتى إخبارهم بظن الخطورة والضرر بالقياس، حيث يقاس هذا الأمر على جواز فطر المرأة وعدم الصوم في رمضان خوفا على نفسها، أو جنينها، أو رضيعها، بل هنا أولى وأعظم.
وأشارت اللجنة إلى أن ما يتعلق بإذن الزوج، ينبغي التفرقة فيه بين حالتين: الأولى: حالة احتمال الضرر المتوقعة دون دراسات علمية تؤيد ذلك، بل يكون التأجيل من باب الاحتياط فقط، فهنا يستلزم التأجيل موافقة الزوج، بمقتضى ما له من حقوق زوجية، والحالة الثانية: أن يؤكد الأطباء الضرر أو حتي يقولون بغالبية الظن بسبب دراسات ومشاهدات أولية تفيد ذلك، أو أن تكون المرأة من أصحاب الأمراض المزمنة المتفق على خطورة أمرها حال الإصابة بالفيروس، وبما يجعل الحمل عبئا إضافيًا، فلها تأجيل الحمل دون إذنه، إذ بالموازنة بين ضررها وبين ضرره، يكون ضرها أعظم، فيراعى دون غيره.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة