كانت الطواعين والكوليرا والإنفلونزا الإسبانية والجدري، وغيرها من الأوبئة التى ضربت البشرية على مدار قرون طويلة، أكثر الأوبئة فتكًا فى تاريخ الإنسان، لكن أى من هذه الأوبئة لم يعاصر عصر الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات الحديثة، الذي جعل الجميع يعيش فى قرية صغيرة منفتحة على بعضها.
الآن فى القرن الحادى والعشرين، صار لدينا معرفة أكبر من أى وقت مضى بالمرض، وعدد من اللقاحات والعلاجات الفعالة، وخبراء متمرسون فى علم الأوبئة والبيولوجيا الجزيئية، وأيضًا انتشار الدراسات وتبادل المعلومات المتاح طوال الوقت عبر الإنترنت.
ومع تفشى فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" كان لعصر الإنترنت وضع مختلف، إذ أنه يعتقد أن أول إعلان للوباء لم يكن من الحكومة الصينية، بل عن طريق بيان نشر على شبكة الإنترنت وانتشر عالميًا، لكن قبل كورونا، ما هو الوباء الذى ظهر عالميًا فى عصر الشبكة العنكبوتية، وهل أثر ذلك فى ظهور الشائعات؟
وفقًا للمراسل الصحفى الأمريكى ديكلن ماكولا، فى مقال كتبه فى أبريل عام 2003، سارس هو أول فيروس يتفشَّى فى عصر الإنترنت، فانتفع من حقيقة أنه فيما أصبحت المعلومات أكثرَ قابلية للانتقال، تصبح الشائعات أكثر قابلية للانتشار أيضًا، وأثارت خدعة أحد المراهقين على الإنترنت التى ادّعى فيها أنه سيتم غلق حدود هونج كونج هرع المواطنون لشراء الأطعمة المعلبة والمناديل الورقية.
قضى صاحب متجر بقالة فى ساكرامنتو أسبوعين فى محاولة إثبات أنه وعائلته ليسوا مصابين بسارس، وأن متاجره آمنة تمامًا على عكس ما أُثير من شائعات، وفى يوم الثلاثاء، حاول أحد العاملين بالمجلس المحلى لمدينة ساكرامنتو تبديدَ الهلع حيث تناول بكل شجاعة تفاحةً خضراء من قسم المنتجات أمام المراسلين الصحفيين.
بحسب كتاب "عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور" لسوزان سكوت وكريستوفر دنكان، فإن ظهور سارس (المتلازمة التنفسية الحادَّة الشديدة) عام 2003 أثبت بجدارة الدمار الذي يمكن أن يحدثه مرض جديد، حيث وردت أنباء عن ظهوره فى آسيا فى يناير من نفس العام، وتصدر عناوين الأخبار على مدار الأشهر القليلة التالية.
ويتساءل المؤلفون: أكان يمكن أن يصبح سارس الطاعون الفتاك الجديد؟ عم الذعر على نطاق واسع وفر الأفراد من المناطق المصابة؛ ما ساهم فى نشر المرض إلى مسافات أبعد، ولم يمض وقت طويل حتى وردت أنباء عن ظهور حالات فى أوروبا وبالمثل فى الأمريكيتين الشمالية والجنوبية.
مقارنة بأوبئة طاعون الماضي، كان إجمالي الوفيات التى تسبب فيها سارس قليلًا نسبيا، فإجمالي عدد المصابين به 8000 حالة فى 27 دولة، لم يمت منهم سوى 780 شخصًا، وبالرغم من ذلك بذلت الهيئات المعنية بالصحة قصارى جهدها للتعامل بفعالية مع المرض، فمنع السفر من بلاد بأكملها لغير الضرورة، وتعرضت شركات الطيران للإفلاس، وانهارت اقتصادات محلية، وكان هناك خوف حقيقى من انهيار الأسواق المالية العالمية، وارتفعت مبيعات أقنعة الوجه الورقية فى الولايات المتحدة الأمريكية، مع أنه لم يَكُنْ هناك سوى 192 حالة إصابة بسارس تماثلوا جميعهم للشفاء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة