"عقدة الخواجة" متواجدة فى كل مناحى الحياة، تجعل المنتج الأجنبى يتصدر على المحلى، حتى فى علم الأثار سيطرت أسماء البعثات الاجنبية والعلماء الاجانب على الاكتشفات الاثرية وتوارت أسماء مصرية هامة بذلت نفس الدور وقد يكون أكثر.
ومن منطلق رد الجميل وتسليط الضوء على شخصيات مصرية كان لها دور كبير فى الاكتشافات الاثرية على مر العصور، اطلقت إدارة التنمية الثقافية بمكتب وزير السياحة والاثار حملة عبر موقع فيس بوك تحت عنوان، #علماء_آثار_مصريون، والتى تهدف إلى إلقاء الضوء على علماء آثار مصريين كانوا أهم وأشطر من الأجانب ولم يأخذوا حقهم في الشهرة والمجد، وقامت الادارة بنشر سلسلة من التغريدات عن علماء أثار مصريون قدمت من خلالها قصص حياتهم الثرية ومجهوداتهم فى علم الاثار.
وقالت الادارة عن الحملة :" كلنا نسمع عن كارتر مكتشف مقبرة الملك توت، ومارييت مؤسس المتحف المصري وماسبيرو وغيرهم من علماء الآثار الأجانب الذين عملوا في مصر، وللأسف قليل مننا من يعرف أن هناك علماء آثار مصريين كانوا أهم من الأجانب ولم يأخذوا حظهم في الشهرة، وجاء الوقت لتسليط الضوء عليهم".
ومن أبرز من تحدثت عنهم الحملة العالم المصري لبيب حبشي ابن المنصورة واحد من أهم علماء الآثار المصرية في أوائل القرن العشرين، والذى له اكتشافات هامة فى جزيرة إلفنتين بأسوان، ومجموعة من الأديرة فى صحراء مصر الغربية، وعمله في مصلحة الآثار (وزارة السياحة والآثار حالياً) لمدة 30 سنة جعله يتدرج في المناصب والخبرات حتى وصل لدرجة كبير مفتشين ووكيل المصلحة.
حبشي أقام مجموعة كبيرة من الحفائر في أنحاء مصر والسودان وخاصة منطقة الأقصر، واكتشف معبد لشخص يدعى حقا إيب بجزيرة إلفنتين بأسوان، وأكتر من 60 لوحة جرانيتية في نفس المنطقة بالإضافة إلى لوحة الملك كاموس بطل حرب التحرير ضد الهكسوس.
وبعد خدمة 30 سنة في مصلحة الآثار، اتجه حبشي في مغامرة تانية وهو العمل كمستشار للبعثة لأثرية في النوبة التابعة لمعهد الآثار الشرقية بجامعة شيكاغو سنة 1960، وبعدها ب6 سنوات منحت جامعة نيويورك لبيب حبشى الدكتوراة الفخرية في حفل عالمي ضم علماء الآثار وأمناء كبريات المتاحف على مستوى الولايات المتحدة والعالم.
شهرة حبشي امتدت مع اكتشافه لمجموعة من الأديرة في صحاري مصر الغربية وقام بدراسة المخطوطات القديمة الموجودة بمكتبات الأديرة. واخرج لنا مجموعة ضخمة من المؤلفات والدراسات وأعمال النشر للاكتشافات في علم المصريات والقبطيات لا تخلو عنها أي مكتبة أثرية.
وحصل حبشي على العديد من الأوسمة والنياشين باعتباره من أهم علماء مجال الآثار والقبطيات من فرنسا وإيطاليا، وأختير مستشار لهيئة الاثار المصرية والمجالس القومية المتخصصة وعضوية المجمع العلمى المصرى. وأنشأت الجامعة الأمريكية بالقاهرة كرسي خاص بالآثار المصرية بإسمه تقديرا لمكانته العلمية.
وبعد وفاة لبيب حبشي (1984) تم عمل كتاب تذكاري تحت عنوان " لبيب حبشى.. حياة وميراث عالم مصريات "، يحمل سيرته الذاتية ونشاطه وعلمه تخليدا لإسمه وذكراه.
أما أحمد فخرى فلقب بشيخ الاثريين المصريين، والذى عشق الصحراء الغربية، وقاد العديد من الاكتشافات خاصة فى الواحات الخارجة والبحرية وسيوة، وأثمرت حفائرة لاكتشاف تاريخ جديد للمنطقة ظل مجهولا آلاف السنين.
وقالت إدارة التنمية الثقافية :"مينفعش نتكلم عن أعظم علماء آثار مصريين من غير ما نذكر شيخهم الجليل، الدكتور أحمد فخري (من مواليد الفيوم 1905 وتوفى في باريس 1973).
ومن ألقابه راهب الصحراء المصرية نظراً لشغل الحفائر الرائع الذى قام به بين صحاري مصر وخاصة في الواحات الخارجة والبحرية وسيوة، واكتشف معابد منطقة عين المفتلة في النص الاول من القرن العشرين، ومقابر منطقة الشيخ سوبي زي مقبرة الحاكم جد خنسو غف عنخ حاكم الواحات البحرية من العصر المتأخر، ومقابر منطقة المزوقة بالواحة الداخلة وهي جبانة رومانية قرب منطقة القصر.
وأثمرت حفائره في الواحات لاكتشاف تاريخ جديد للمنطقة فضل مجهول آلاف السنين، ومهد الطريق لاكتشافات زاهي حواس من بعده في منطقة وادي المومياوات الذهبية في الواحات البحرية ومنطقة سن العجوز بهضبة أهرام الجيزة.
علم ومجهودات الدكتور أحمد فخري لم تكن في مصر فقط، بل علمه امتد لليمن واقام فيها مجموعة من الحفائر والدراسات الناجحة لاعادة اكتشاف آثار وتاريخ وحضارة اليمن القديمة، بالإضافة إلى اشرافه على العديد من المعارض الخارجية للآثار المصرية.
كٌتب وأبحاث الدكتور احمد فخري ركيزة أساسية لأي مكتبة آثار عربية، ترك لنا أمهات الكتب اللي كل طلبة ودارسي الآثار التى يعتمدوا عليها مثل "الأهرامات المصرية" و "مصر الفرعونية" و"الواحات البحرية" و" واحة سيوة" و" دراسات في تاريخ الشرق القديم"
و "بين آثار العالم العربي" و"اليمن ماضيها وحاضرها" و" رحلة أثرية إلى اليمن".
اما الأثرى زكريا غنيم صاحب عدد كبير من المؤلفات فى الحضارة الفرعونية وتاريخ مصر القديم، ومكتشف هرم الملك سخم – خت من ملوك الأسرة الثالثة سنة 1952، بدأ حياته بوهج كبير فى الاكتشافات الاثرية وانتهت بشكل مأساوى حيث انتحر غرقا فى النيل.
وصادف غنيم فى حياته -كما قالت ادارة التنمية - سوء حظ مصحوب بإضطهاد انهت حياته، بعد أن كان يجهز نفسه ليكون واحد من أهم علماء الآثار في عهده مثل هيوارد كارتر مكتشف مقبرة توت عنخ آمون وأحمد كمال باشا أول أثري مصري وسليم حسن صاحب موسوعة مصر القديمة.
وبدأت قصة غنيم فور تخرجه حيث عمل في مجال الحفائر، واستطاع بسبب حبه وشغفه بالآثار وحب المغامرة إنه يكتشف هرم الملك سخم – خت من ملوك الأسرة الثالثة سنة 1952، وتأكد إنه ليس هرما عاديا، ولكنه هرم مدرج مثل هرم زوسر المدرج، واكتشف بداخله قطع غريبة ومهمة مثل أواني من الحجر والذهب والخزف ومواد تجميل، واستمر في عمله حتى سنة 1954 ووصل إلى حجرة دفن الملك ووقف أمام تابوته المقفول.
الاكتشاف العظيم هذا " طلع اسم زكريا غنيم للسما"، وأصبح اسم مصر يتردد على ألسنة العالم أجمع، وبالتالي بدأ جميع علماء الآثار من كافة دول العالم يأتوا مصر لاستكشاف أسرار الهرم المميز.
و قرر غنيم إن عملية فتح التابوت تكون على الهواء وأمام العالم بحضور الرئيس جمال عبد الناصر, ومع فتح التابوت ببطء، وقف الجميع في حالة اندهاش وترقب في انتظار رؤية مومياء الملك سخم خت، الذى سيجعله أهم كشف في التاريخ بعد الكشف عن مقبرة الملك توت، ولكن كانت المفاجاة: وجد التابوت فاضي ولا يوجد بداخله أى دليل على صاحب الهرم، وكانت صدمة العمر لغنيم.
ولم يكن هذا آخر الرحلة: حيث اتهمه البعض بسرقة وتهريب آثار وهي التهمة اللي انهت حياته المهنية والاجتماعية، وبالرغم من نجاح صديقه الأثري الفرنسي "جان فيليپ لوير" فى إيجاد دليل براءته ولكن كان بعد فوات الآوان، وعند حضوره لمصر ليمنح غنيم دليل براءته، كان الاخير وصل إلى حالة من الاحباط دفعته ليرمي نفسه في النيل سنة 1959.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة