من نتائج التطور الإلكتروني الذي أصاب العالم خلال القرن الماضي وظهور ثورة الاتصالات الهائلة فيه أن أضحت الأحاديث الشخصية عامة والهاتفية خاصة عرضة للالتقاط والتسجيل والإفشاء، ولعل أبرزها ظهور أجهزة الاتصال الهاتفي النقالة التي تعتمد النظام اللاسلكي في الاتصال، تلك الهواتف النقالة لا يكاد شخص الآن يفتقر إليها وما رافقها من تقدم تقني في تسجيل المكالمات الصادرة منه والواردة إليه.
وفى أيامنا هذه أصبحت تلك المكالمات الهاتفية بواسطة تلك الأجهزة الصغيرة والدقيقة عرضة للتسجيل وبطرق مختلفة، وبالتالي عرضة للإفشاء، وعليه فقد أصبح من اليسير أن نجد العديد من المكالمات الشخصية التي نجريها أو تلك التي قد أجريناها بتلك الأجهزة النقالة قد تم تسجيلها وحفظ تفاصيلها الصوتية الدقيقة، وبالتالي قد تقدم كدليل في الاتهام.
هل تسجيل المكالمات التليفونية يقع فاعله تحت طائلة القانون؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تهم ملايين المستخدمين في الوقت الذي لا يخلو فيه بيت أو شخص من وجود هاتف محمول في يده، وتتمثل تلك الإشكالية في الإجابة على السؤال..هل يعد تسجيل المكالمات التليفونية على الموبايل جريمة خاصة مع انتشار برامج حديثة يمكن من خلالها تسجيل المكالمات الواردة والصادرة من الهاتف المحمول دون أن يشعر المتحدث على الطرف الأخر، وماذا لو تم بث هذه المكالمة المسجلة على شبكة الانترنت وكانت تتضمن ألفاظاً تخدش الحياء؟ فهل يقع الأمر تحت طائلة القانون؟ وهل تصلح المكالمة التليفونية المسجلة خلسة دون الحصول على إذن قضائي أن تكون دليلاً يعتد به أمام المحاكم ضد المتحدث فيها لو احتوت على إقرار أو اعتراف بواقعة؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض أشرف سعيد فرحات .
فى البداية - الدستور كفل حرية الرأي وحرية المراسلات والمحادثات وكل حريات الأفراد، والاعتداء علي هذه الحريات يستوجب معاقبة المعتدي، ومنذ عام 1971 حظر القانون التنصت علي المحادثات التليفونية، وذلك لأنها من الحريات الشخصية للأفراد فلا يجوز لأي شخص مهما كان أن يعتدي علي هذه الحرية ويقوم بالتنصت أو التسجيل لهذه المحادثات، وكما يسري هذا الحظر علي الأفراد العاديين فإنه يسري كذلك علي السلطة التنفيذية في الدولة، والقانون قد كفل ووضع ضمانة للأمر بالتسجيل، فلم يعطه للنيابة العامة شأن أذون التفتيش، وإنما أعطاه للقاضي وحده، فهو الذي يصدر الإذن للجهة المختصة لتسجيل المحادثات التليفونية ولا يكون ذلك إلا حين نكون بصدد جريمة وتكون الدلائل مؤكدة علي ارتكاب المتهم جريمة معينة، فيتم التسجيل لضبطها مثل ما يحدث في حالة قضايا الرشوة، ويترتب علي ذلك انه إذا قام شخص من تلقاء نفسه بتسجيل محادثة تليفونية لشخص آخر دون رضاه ودون علمه فإنه يقع تحت طائلة القانون ويستوجب العقاب طبقا لقانون العقوبات – وفقا لـ "فرحات".
من صاحب إذن التسجيل وكم مدته وعقوبة المخالفة؟
وعلى ضوء المادة 45 من الدستور المصري فإن لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمتها وسريتها مكفولة، ولا يجوز الإطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محدودة وفقا لأحكام القانون، كما أنه طبقا للمادة 206 فقرة 2 إجراءات جنائية، فإنه "يجوز للنيابة العامة أن تضبط لدي مكاتب البريد جميع الخطابات والرسائل والطرود والمطبوعات وأن تراقب المحادثات اللاسلكية"، ويشترط لاتخاذ أي إجراء من الإجراءات السابقة الحصول علي أمر مسبب بذلك من القاضي الجزئي وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الأمر بالمراقبة لمدة لا تزيد علي 30 يوما ويجوز للقاضي الجزئي أن يجدد هذا الأمر لمدة أو مدد أخري مماثلة، وإذا تم مخالفة ذلك فإن الفعل يقع تحت طائلة المادة 309 مكرر من قانون العقوبات التي تجرم ذلك والعقوبة فيها الحبس مدة لا تزيد علي سنة ويحكم في جميع الأحوال بمصادرة الأجهزة كما يحكم بمحو التسجيلات الحاصلة عنها أو إعدامها – الكلام لـ" فرحات".
جريمتين أخرتين متعلقتين بتسجيل المكالمات
وهناك مراقبة أخري للمحادثات التليفونية تصدر بإذن من رئيس المحكمة الابتدائية لجريمتين هما المنصوص عليهما في المادتين 166 مكرر و308 مكرر عقوبات الجريمة الأولي: من تسبب عمداً في إزعاج غيره بإساءة استخدام أجهزة المواصلات التليفونية.
والجريمة الثانية: كل من قذف غيره بطريق التليفون فالإذن في هاتين الجريمتين يكون من رئيس المحكمة الابتدائية طبقا للمادة 95 مكرر إجراءات جنائية، فيأمر بوضع جهاز التليفون تحت الرقابة في المدة التي يحددها المشرع، ويجرم تسجيل المكالمات الشخصية عبر الهاتف دون الحصول علي إذن من النيابة أو القاضي الجزئي حسب الأحوال، وإذا تم التسجيل برضاء المجني عليه وبعلمه فلا تكون هناك جريمة، ولا يكون هناك حاجة للحصول علي إذن قضائي في هذه الحالة وهذا متبع في بعض شركات الاتصالات التي تبادر برسالة صوتية حين تتصل بها تخبرك أن المكالمة قد تكون مسجلة حرصاً علي خدمة العملاء، وإذا تم تسجيل مكالمة دون إذن قضائي أو رضا المجني عليه وكان مضمون المكالمة المسجلة قد يشكل جريمة سب أو قذف فإن هذه التسجيلات لا يعتد بها قانوناً ولا ينتج أي أثر قانوني أمام المحكمة وتعرض الذي قام بتسجيلها للمساءلة القانونية.
3 صور أخرى تنطوي علي الاعتداء علي سرية المحادثات التليفونية
وفى سياق أخر – يقول الخبير القانوني والمحامى معتز بدر - أن المادة 309 مكرر عقوبات جرم ثلاث صور تنطوي علي الاعتداء علي سرية المحادثات التليفونية ما لم تتوافر أحد أسباب إباحة ارتكاب احدي هذه الصور، وأولي هذه الصور التجريمية هي التنصت علي المحادثات التليفونية، فلكي يمكن القبول بارتكاب جريمة تنصت علي محادثة تليفونية يجب أن يثبت ارتكاب الغير النشاط الإجرامي للجريمة، ويقصد بالغير هنا كل من كان خارج طرفي الحديث التليفوني، وهناك 3 صور للنشاط الإجرامي.
الأولي استراق السمع أي الاستماع خلسة إلي الحديث التليفوني سواء تم ذلك بالإذن المجردة أو باستخدام جهاز من الأجهزة المتخصصة لذلك، وعليه فلا يقع تحت طائلة العقاب التقاط الحديث التليفوني متي استمع إليه المتهم من خلال سماعة التليفون التي في يد المرسل نفسه أو استماع ضابط الشرطة للحديث التليفوني بموجب إذن قضائي بذلك يصدر من قاضي التحقيق أو القاضي الجزئي أو بموجب رضا المرحل نفسه أو لتوافر علاقة إشرافية كأن يتنصت الأب علي محادثات ابنه الصغير أو يتنصت الزوج علي محادثات زوجته متي كان لديه شك قوي في سلوكها – الكلام لـ "بدر".
والصورة الثانية تسجيل الحديث التليفوني، والثالثة نقل الحديث التليفوني، ويشترط بجانب النشاط الإجرامي توافر القصد الجنائي لدي المتهم بعنصرية العلم والإرادة، فالجريمة عمدية أي أن يكون الجاني عالما بطبيعة نشاطه الإجرامي، وأن من شأنه التنصت علي المحادثات التليفونية للغير وانصراف إرادته من نشاطه هذا إلي استراق السمع أو نقل الحديث وتسجيله وعليه، فلا عقاب علي من يسترق السمع أو يسجل أو ينقل الحديث بطريقة الإهمال أو عدم التبصر أو التقصير مهما كان جسيما أو التقط الحديث بصورة عرضية كتلامس خطوط التليفونات يعاقب المتهم في هذه الجريمة بالحبس مدة لا تزيد علي سنة ومصادرة الأجهزة وغيرها، مما يكون قد استخدم في الجريمة، كما يحكم بمحو التسجيلات المتحصلة منها أو إعدامها ويشدد العقاب بالحبس الذي يصل إلي 3 سنوات متي كان الجاني موظفا عاما استغل وظيفته في ارتكاب جريمته – الحديث لـ "بدر".
توافر القصد الجنائي في جريمة تسجيل المكالمات
ووفقا للمادة 309 مكرر من قانون العقوبات فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد علي سنة كل من اعتدي علي حرمة الحياة الخاصة للمواطن وقام بتسجيل محادثة جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون، وذلك في غير الأحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضا المجني عليه، فإذا رضي الأخير زالت السرية ولم يعد هناك حق معتدي عليه ويشترط لتوافر الرضا أن يشمل جميع أطراف الحديث برمته، وقد افترض القانون رضاء المجني عليه إذا صدرت الأفعال المعاقب عليها أثناء اجتماع علي مسمع أو مرآي من الحاضرين في ذلك الاجتماع.
ولابد من توافر القصد الجنائي في تلك الجريمة أي علم المتهم بالصفة الخاصة للحديث وأن من شأن الجهاز الذي يستعمله أن ينقل الحديث أو يسجله، ويجب أن تتجه إرادته إلي فعله أو نتيجته وتطبيقا لذلك، فإنه لا يرتكب هذه الجريمة من استمع إلي محادثة تليفونية لتشابك الخطوط أو ترك سهوا جهازا للتسجيل في مكان خاص فسجل حديثا جري فيه، وفي حالة الحصول علي دليل عن طريق التسجيل بطريقة غير مشروعة، فإن الدليل يكون باطلا ويحق للمجني عليه مطالبة القاضي الجنائي بتوقيع عقوبة المادة 309 مكرر عقوبات وهي الحبس علي من استحصل علي هذا الدليل.
رأى محكمة النقض
أما عن مدي قانونية تسجيل المحادثات التليفونية دون الحصول على إذن مسبق بذلك، فإن الأصل ووفقا لقانون الإجراءات الجنائية لا يجوز تسجيل المكالمات كما شرحنا من قبل بمعنى أن أي محادثات إلا بعد الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية، لكن صدر حكم حديث لمحكمة النقض أجاز تسجيل المكالمات التليفونية إذا احتوت علي سب وقذف، وذلك دون الحاجة إلي إذن من المحكمة.
وقالت المحكمة فى حيثيات الطعن رقم 22340 لسنة 62 القضائية، أن مفاد نص المادة 95 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية، فرضت لحماية الحياة الخاصة والأحاديث الشخصية للمتهم، عدم سريانها على تسجيل ألفاظ السب والقذف الموجهة إليهما والتعرف على شخص من اعتاد على توجيه هذه الألفاظ، وانتهاء الحكم المطعون فيه إلى بطلان الدليل المستمد من شريط تسجيل المجني عليه، نتيجة خطأ في تطبيق القانون، وجب نقضه.
متى يصدر قرار وضع الهاتف تحت المراقبة؟
وأضافت المحكمة، أنه لما كان نص المادة 95 مكرراَ من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى على أنه لرئيس المحكمة الابتدائية المختصة فى حالة قيام دلائل قوية على أن مرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها فى المادتين 166 مكرراَ، 308 مكررا من قانون العقوبات قد استعان في ارتكابها بجهاز تليفوني معين أن يأمر بناء على تقرير مدير عام مصلحة التلغراف والتليفونات وشكوى المجني عليه في الجريمة المذكورة بوضعه تحت المراقبة للمدة التى يحددها - مفاد ذلك بصريح النص وواضح دلالته - أن المشرع تطلب مباشرة الإجراءات المبينة بالمادة المار ذكرها.
وأشارت المحكمة، إلى أنه كي يوضع تحت المراقبة التليفون الذى استعان به الجاني فى توجيه ألفاظ السب والقذف إلى المجني عليه، بحسبان أن تلك الإجراءات، فرفضت ضمانة لحماية الحياة الخاصة والأحاديث الشخصية للمتهم، ومن ثم فلا تسرى تلك الإجراءات على تسجيل ألفاظ السب والقذف من تليفون المجنى عليه الذى يكون بإرادته وحدها ودون حاجة إلى الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية بتسجيلها بغير أن يعد ذلك اعتداء على الحياة الخاصة لأحد، ومن ثم فلا جناح على المدعيين بالحقوق المدنية إذ وضعا على خط التليفون الخاص بهما جهاز تسجيل لضبط ألفاظ السباب الموجهة إليهما توصلا إلى التعرف على شخص من اعتاد على توجيه ألفاظ السباب والقذف إليهما عن طريق الهاتف، ولما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى بطلان الدليل المستمد من الشريط المسجل بمعرفة المدعيين بالحقوق المدنية من جهاز التليفون الخاص بهما، فإنه يكون قد اخطأ فى تطبيق القانون بما يعيبه ويوجب نقضه.
وقالت المحكمة فى حيثيات الحكم إن مما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى بإلغاء الحكم المستأنف وبراءة المطعون ضدهما من جريمة السب بطريق التليفون وبرفض دعواهما المدنية قد شابه الخطأ فى تطبيق القانون، ذلك أنه أطرح الدليل المستمد من التسجيلات التى تمت بمعرفتهما عبر التليفون الخاص بهما، والتى تضمنت عبارات السب الصادرة من المطعون ضدهما على سند من أن تلك التسجيلات قد تمت دون الحصول على إذن من الجهة التى ناط بها القانون ذلك الأمر، مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه .