كان مولد النبى محمد عليه الصلاة والسلام حدثا عظيما، فقد جاء مصحوبا بدلالات كثيرة على نبوته المستقبلية، ومن ذلك ما حدث فى الفرس حسبما يذكر التراث الإسلامى.
يقول كتاب البداية والنهاية للحافظ ابن كثير تحت عنوان "ذكر ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط الشرفات"
ذكر ارتجاس إيوان كسرى، وسقوط الشرفات، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، وغير ذلك من الدلالات
قال الحافظ أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطى فى كتاب (هواتف الجان) حدثنا على بن حرب، حدثنا أبو أيوب يعلى بن عمران، من آل جرير بن عبد الله البجلى، حدثنى مخزوم بن هانى المخزومى، عن أبيه، وأتت عليه خمسون ومائة سنة، قال: لما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله ﷺ ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام.
وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت فى بلادهم، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك، فتصبر عليه تشجعا، ثم رأى أنه لا يدخر ذلك عن مرازبته، فجمعهم ولبس تاجه وجلس على سريره، ثم بعث إليهم، فلما اجتمعوا عنده قال: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا، إلا أن يخبرنا الملك ذلك.
فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب خمود النيران، فازداد غما إلى غمه، ثم أخبرهم بما رأى وما هاله، فقال الموبذان - وأنا أصلح الله الملك - قد رأيت فى هذه الليلة رؤيا، ثم قصَّ عليه رؤياه فى الإبل. فقال: أى شىء يكون هذا يا موبذان؟
قال: حدث يكون فى ناحية العرب، وكان أعلمهم من أنفسهم، فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر أما بعد: فوجه إلى برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغسانى.
فلما ورد عليه قال له: ألك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ فقال: لتخبرنى، أو ليسألنى الملك عما أحب، فإن كان عندى منه علم وإلا أخبرته بمن يعلم، فأخبره بالذى وجه به إليه فيه.
قال: علم ذلك عند خال لى يسكن مشارف الشام، يقال له: سطيح، قال فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتنى بتفسيره.
فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح، وقد أشفى على الضريح، فسلم عليه وكلمه فلم يرد إليه سطيح جوابا، فأنشأ يقول:
أصم أم يسمع غطريف اليمن * أم فاد فاز لم به شأو العنن
يا فاصل الخطة أعيت من ومن * أتاك شيخ الحى من آل سنن
وأمه من آل ذئب بن حجن * أزرق نهم الناب صرار الأذن
أبيض فضفاض الرداء والبدن * رسول قيل العجم يسرى للوسن
يجوب بى الأرض علنداة شزن * لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن
ترفعنى وجنا وتهوى بى وجن * حتى أتى عارى الجآجى والقطن
تلفه فى الريح بوغاء الدمن * كأنما حثحث من حضنى ثكن
قال: فلما سمع سطيح شعره، رفع رأسه يقول: عبد المسيح على جمل مشيح، أتى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بنى ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا، تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة، وانتشرت فى بلادها.
يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وفاض وادى السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات، وكلما هو آت آت، ثم قضى سطيح مكانه، فنهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول:
شمر فإنك ماضى العزم شمير * لا يفزعنك تفريق وتغيير
إن يمس ملك بنى ساسان أفرطهم * فإن ذا الدهر أطوار دهارير
فربما ربما أضحوا بمنزلة * يخاف صولهم الأسد المهاصير
منهم أخو الصرح بهرام وإخوته * والهرمزان وشابور وسابور
والناس أولاد علات فمن علموا * أن قد أقل فمحقور ومهجور
ورب قوم لهم صحبان ذى أذن * بدت تلهيهم فيه المزامير
وهم بنو الأم إما إن رأوا نشبا * فذاك بالغيب محفوظ ومنصور
والخير والشر مقرونان فى قرن * فالخير متبع والشر محذور
قال: فلما قدم عبد المسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح، فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكا، كانت أمور وأمور، فملك منهم عشرة فى أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضى الله عنه.
ورواه البيهقى من حديث عبد الرحمن بن محمد بن إدريس، عن على بن حرب الموصلى بنحوه.
قلت: كان آخر ملوكهم الذى سلب منه الملك يزدجرد بن شهريار بن أبرويز بن هرمز بن أنوشروان، وهو الذى انشق الإيوان فى زمانه، وكان لأسلافه فى الملك ثلاثة آلاف سنة ومائة وأربعة وستون سنة، وكان أول ملوكهم خيومرت بن أميم بن لاوذ بن سام بن نوح.
أما سطيح هذا فقال الحافظ ابن عساكر فى تاريخه: هو الربيع بن ربيعة بن مسعود بن مازن بن ذئب ابن عدى بن مازن بن الأزد. ويقال: الربيع بن مسعود، وأمه ردعا بنت سعد بن الحارث الحجورى، وذكر غير ذلك فى نسبه. قال: وكان يسكن الجابية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة