من حق الدولة أن تتخوف من الموجة الثانية لفيروس كورونا، وعليها أن تتخذ التدابير اللازمة لذلك والاستعدادات المناسبة، مع استمرار رفع حالة الطوارئ داخل المستشفيات العامة والخاصة، بالإضافة إلى توثيق تجربة التعامل مع الفيروس خلال الفترة الماضية، والاستفادة من الخبرات التى تكونت لدى الطواقم الطبية والتمريض حول انتشار المرض وأساليب الوقاية منه، والبروتوكولات العلاجية المتبعة، إلا أن هناك نقطة خطيرة يجب التنبه إليها، تتعلق بالمبالغة فى إجراءات دخول السائحين إلى مصر فى الوقت الراهن، خاصة في هذا الموسم السياحى الذى بدأ منذ شهر تقريبا، ويعول عليه هذا القطاع كثيرا فى التعافى وتعويض خسائره.
وهنا أتحدث تحديدا عن القرارات الأخيرة التى تلزم السائح الأجنبي القادم إلى مصر بضرورة عمل تحليل " PCR " قبل الدخول إلى مصر وتقديمه إلى السلطات المختصة للتأكد أنه خال من فيروس كورونا المستجد، وعلى الرغم من أن القرار يبدو مناسبا ويضمن تحجيم المرض والسيطرة عليه، إلا أنه يضرب صناعة السياحة في مقتل، خاصة بعد الكبوة الرهيبة التي تعانى منها القطاع في ظل إغلاق كامل للفنادق استمر نحو 6 أشهر دون أي عائد.
وحتى ندرس الموضوع بشكل أعمق، يجب أن نضرب مثالا عمليا حول السياحة القادمة إلى مصر فى الوقت الراهن، التى أغلبها من الدول الفقيرة مثل أوكرانيا وكازاخستان وبيلاروسيا والمجر وصربيا، من خلال رحلات الطيران منخفض التكاليف، وقد بلغ إجمالى هذه الرحلات على مدار شهر ونصف مضت نحو 100 ألف سائح، وهذه النوعية من السياحة ليست لديها القدرة على دفع مبالغ إضافية، أو زيادة نفقات الرحلة، فلا يمكن بأى حال أن يقبل السائح بدفع ما يعادل 100 دولار من أجل إجراء تحليل " PCR "، بالإضافة إلى حجم الضرائب المفروضة عليه في صورة 12% خدمة و 14% قيمة مضافة، و1% ضريبة للمدينة السياحية التي يقيم بها، ليجد نفسه تجاوز التكلفة المقررة للرحلة، مع العلم أن هذا النوع من السياحة يحسب ويراجع كل دولار قبل إنفاقه، ويضع خطة تكاليف محدودة تناسب إمكانياته، التي غالبا ما تكون محدودة، ليجد نفسه في النهاية مطالب بدفع نحو 300 دولار تحاليل وضرائب وخدمات، في حين أن دولا في المنطقة لا تفرض هذه الإجراءات ولا تضع أى عوائق أو عراقيل على حركة السفر.
قطاع السياحة يحتاج إلى إنعاش سريع من جانب الحكومة، وهذا لن يكون إلا من خلال قرارات واضحة وصريحة للتخفيف عن كاهل الفنادق والقرى السياحية، وتقليل حجم الضرائب والتكاليف المفروضة على السائح، وليس بالكلمات أو التصريحات، فالأمر أعقد بكثير مما نتصور، ويحتاج إلى دراسة جادة وإجراءات عاجلة، يجب أن تكون على طاولة الحكومة اليوم قبل الغد.
هل هناك حلول يمكن الاعتماد عليها خلال الفترة المقبلة من أجل دعم حركة السياحة وتجاوز فكرة التحاليل التي يجب أن يقدمها السائح؟ الإجابة نعم.. فيمكننا تكثيف الإجراءات الاحترازية من خلال قياس درجات الحرارة باستمرار للسائح، وتوفير أطقم طبية فى الفنادق، وتقليل نسب الإشغال أو تثبيتها عند 50%، بالإضافة إلى توفير المعقمات والمطهرات، والتأكد من وثائق التأمين الطبى التى يحملها السائح قبل الدخول إلى مصر، بحيث يكون لكل سائح يدخل البلاد وثيقة تأمين تتكفل بمصروفات علاجه حال تعرضه لأى مشكلات صحية سواء مرتبطة بكورونا أو غيرها.
السياحة أحد المصادر الهامة فى الحصول على العملة الصعبة، وأحد الروافد المهمة التى تدعم اقتصاد الدولة، لذلك يجب التعامل معها بمنطق يعتمد على الدراسة والبحث والرؤية الشاملة، لا الهواجس والتسرع والقرارات غير المدروسة، التى قطعا سوف تنعكس على معدلات النمو ومسيرة التنمية التي بدأتها الدولة منذ 6 سنوات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة