خلال أقل من أسبوع سقط أكثر من مسؤول محليات فاسد، وألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض على أكثر من قضية رشوة، آخرها كانت عملية ضبط مدير الإدارة الهندسية بالضبعة وآخر لتلقيهما رشوة 500 ألف جنيه وقبلها ضبط رئيس حى مصر القديمة، متلبسا بتلقى رشوة 400 ألف جنيه من متعهد قمامة، مقابل عدم إلغاء التعاقدات الخاصة بالمتعهدين، وتمكينهم من صرف مستحقاتهم المتأخرة لدى الحى.
وفى أغلب قضايا الرشوة يبدو المسؤول الفاسد محترفا، وله سوابق، وقد يكون سقوطه بعد شهور أو سنوات من تولى مهمته وتلقى الرشاوى، وبالفعل فإن التحريات تشير إلى أن رئيس حى مصر القديمة المتهم اعتاد تلقى رشاوى مستغلا سلطته. ومن المفارقات أن رئيس سابق لحى مصر القديمة سقط متلبسا برشوة أكثر من مليون جنيه.
ومن القاهرة إلى مطروح، حيث تم ضبط مدير الإدارة الهندسية وباحث قانونى برشوة 500 ألف جنيه من مفوض لإحدى الشركات العقارية.
وهناك مفارقة أخرى أن أكبر قضايا الفساد ضبطتها الرقابة الإدارية فى محافظة مرسى مطروح العام الماضى، وشملت كلا من السكرتير العام والسكرتير العام المساعد ومدير إدارة الشؤون القانونية السابقين بمحافظة مرسى مطروح، على خلفية اتهامهم فى عدة جرائم تتعلق بتسهيل الاستيلاء على المال العام ورشاوى وصلت إلى 500 مليون جنيه، وهذا المبلغ أضاع عشرين، وربما ثلاثين مليارا من المال العام، فى صورة أراضٍ ومصالح.
معنى تكرار تلقى الرشوة وممارسة الفساد فى نفس نطاق الحالات التى يتم ضبطها، يشير إلى عدة نقاط، لعل أهمها أن سقوط فاسدين لا يسبب خوفا لدى القابلين الرشوة، فضلا عن وجود ثغرات تسمح بمرور الفساد، ونعرف أن الدولة بذلت جهودا تنفيذية وتشريعية كبيرة، لسد ثغرات الفساد، لكن واضح أن الأمر بحاجة للمزيد من تشديد القبضات، فضلا عن أهمية مواجهة الفساد وهو فى مرحلة النمو.
هيئة الرقابة الإدارية تعمل بجدية وحزم وتواصل مراقبة كبار موظفى المحليات، وخلال العام الماضى أسقطت عددا من رؤساء الأحياء والمدن برشاوى كبيرة، بجانب رئيس حى مصر القديمة السابق، وقضية مطروح، فقد سقط عام 2019 رؤساء أحياء الهرم والدقى والتجمع الخامس وحى المستثمرين بالرحاب وروض الفرج، السابقين، وأيضا نائبة محافظ الإسكندرية التى صدر حكم عليها بالسجن 12 سنة، ومحافظ المنوفية المسجون بعد إدانته بالرشوة حقق 50 مليون جنيه فى عام واحد.
نحن أمام فساد منهجى، تطارده الرقابة الإدارية، ولا يمكن القول، إن كل الفاسدين يسقطون، هناك أغلبية تمر بفسادها، وإذا كنا نتحدث عن حالات كلها فى المحليات، ربما تكون إعادة الاعتبار للحكم المحلى الشعبى أحد طرق مواجهة وسد ثغرات الفساد، لأن المجالس الشعبية فى حال تمت بشكل ديمقراطى يمكن أن تسفر عن مجالس تراقب وتتابع، وتحسم عمليات التعاقد والتصرف فيما يتعلق بالمال العام.
مع الأخذ فى الاعتبار أن الكثير من قضايا الفساد يسقط فيها المرتشون بناء على بلاغات، وهناك نسبة لا بأس بها تمر، وهذا ليس لنقص فى جهود الرقابة وإنما فى اتساع دوائر الفساد فى المحليات، ربما تكون الإجراءات الأخيرة لضبط البناء ومواجهة حاسمة للمخالفات طريقا لسد الثغرات، لكن الأمر يتطلب بالفعل إعادة بناء نظام التصاريح والمخالفات بشكل أكثر شفافية بحيث يكون الحصول على الترخيص ومراقبة الالتزام به، بعيد عن نفس الجهة التى تصدره، لأن السلطة المطلقة تجعل المواطن يضطر لدفع رشوة من أجل الحصول على حقه، وإذا حصل عليه بسهولة سوف تنتهى أغلب أبواب الفساد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة