أقام المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور هشام عزمى، محاضرة بعنوان "جذور الشخصية المصرية"، نظمتها لجنة الجغرافيا والبيئة، وألقاها مقرر اللجنة الدكتور السيد الحسينى، وأدار النقاش الدكتور عبد المسيح سمعان عضو اللجنة، وشهدت الجلسة تطبيق الإجراءات الاحترازية للوقاية والحد من انتشار وباء كورونا، ومن ضمنها التباعد بين الحضور، كما تم بثها عبر شبكة الإنترنت بواسطة القناة التابعة للمجلس بموقع "يوتيوب"، بهدف تيسير متابعة فعاليات المجلس الثقافية بشكل أكبر للجميع.
جانب من الندوة
وأشار الدكتور السيد الحسينى، إلى أنه يمكن النظر إلى الجغرافيا باعتبارها تشمل ثلاثة عناصر أساسية وهى: أولًا: الإنسان و هو حجر الزاوية فى الدراسة الجغرافية بصفة عامة، والجغرافيا البشرية على وجه الخصوص، وثانيًا: اللاندسكيب الطبيعى Physical Landscape، وهو ما خلقه الله على الأرض من موارد طبيعية وثروات اقتصادية، وثالثًا: اللاندسكيب الحضارى Cultural Landscape، وهو المظهر الحضارى المادى الذى صنعه الإنسان، وفقًا لقدراته وغنى الطبيعة المحيطة به أو فقرها، وهو ما يوصف بصناعة الحضارة، فما يجده الإنسان على سطح الأرض فى دولة ما من مظاهر، إنما هو انعكاس لنتاج التفاعل بين الإنسان وبيئته الطبيعية.
وأوضح السيد الحسينى أنه لا شك فى أهمية دور البيئة الطبيعية فى تشكيل الشخصية المصرية "الوطن والمواطن"، وهو ما يعد منذ فجر التاريخ أمرًا حصريًا أصيلًا فى الدراسة الجغرافية "الإنسان والبيئة"، ثم أكد أن خير من كتب من الجغرافيين عن شخصية مصر هو الدكتور جمال حمدان فى كتابة المصغر عن "شخصية مصر - دراسة في عبقرية المكان" الذى صدر عام 1970، وأعقبه بموسوعته الرائعة بنفس العنوان وتتكون من أربعة مجلدات، والتى صدر آخر مجلداتها عم 1984، وتعد - بحق - أفضل موسوعة منذ صدرت موسوعة وصف مصر 1804 التى أعدها علماء الحملة الفرنسية على مصر.
جانب من الندوة
وتابع الدكتور الحسينى كلمته حول جذور الشخصية المصرية من منظور جغرافى، مشيرًا إلى أنه من حيث الموقع والموضع، فتقع مصر جغرافيا فى قلب العالم العربى، وتقف بقدميها فى أفريقيا، وهى واحدة من دول حوض البحر المتوسط وتواجه أوروبا، هذه الدوائر الثلاث (العربية والأفريقية والمتوسطية) تشكل فى مجموعها انتماء مصر، كما تمتلك مصر سواحل بحرین يبلغ طولها نحو 2400 كم؛ فشمالًا نجد البحر المتوسط يطل على أوروبا، ويصل إلى المحيط الأطلنطى والغرب، وشرقًا نجد البحر الأحمر يصلها بعالم الموسمیات فى جنوب شرق آسيا، أمَّا الموضع فهو إمكانات الدولة وقدراتها أرضًا وسكانًا، وتتحدد قوة الدولة بمساحة أرضها وشكل الدولة وسطحها ومناخها ومواردها الاقتصادية وعدد سكانها وخصائصهم، من حيث التعليم والتكنولوجيا، الصحة، الدين، اللغة، الأقليات، معدل الإعالة، التركيب السكانى، قوة العمل وغيرها، ونوعية المجتمع المدنى ومؤسستها ونظامها السياسى.
ثم سلط الدكتور الحسينى الضوء على إحدى أهم سمات الشخصية المصرية وهى التوحيد والإيمان بالبعث والحساب، مؤكدًا أننا بدأنا التوحيد فى مصر قبل نزول الأديان بزمان، وتحديدًا منذ عصر الملك أمنحتب الرابع (أخناتون) والتحول من أمون إلى أتون، ومعناه رب قرص الشمس كدين عالمى وإله واحد، وإن استرد آمون مكانته فى عصر توت عنخ آمون، ولكن المصريون القدماء منذ أخناتون واصلوا الإيمان بالبعث والعالم الآخر والحساب، وبرعوا فى التحنيط لأن الجسد سيعيش به بعد البعث مع رجوع الروح إلى الجسد، وقد كانت الحضارة الفرعونية طبقة الأساس أو القاعدة لما تلاها من حضارات وثقافات أخرى مثل اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية بعد الفتح العربى ولا يزال هذا قائمًا، فالفلاح المصرى المحافظ بطبعه لا يزال حتى عهد قريب، يعيش هو وماشيته فى بيوت من الطوب الطين.
وأضاف وهناك ثوابت تتمتع بها الشخصية المصرية، تتجلى فى أبهى صورها مع الأحداث الجسيمة والتحديات الكبيرة التى تشهدها البلاد، وأفضل مثال على ذلك أنه خلال حرب أكتوبر، لم تسجل أقسام الشرطة بلاغًا واحدًا - وفى ثورة يونيو ضد الإخوان مؤخرًا لم تتعرض الممتلكات العامة أو الخاصة لأى ضرر من أى نوع، ما يدعو إلى الاطمئنان والتفاؤل بالمستقبل.
ثم عقب مدير النقاش الدكتور عبد المسيح سمعان، على ما قدمه الدكتور السيد الحسينى بتوجيه التحية له على هذا الشرح التفصيلى المستفيض، ثم قام بتوجيه التحية كذلك للحضور كافة، وأكد أن موضوع المحاضرة له أهمية كبيرة تتمثل فى غنى الشخصية المصرية بالعديد من الروافد الحضارية العريقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة