لم يكن العرب القدماء مهتمين بالتوثيق الدقيق لأيامهم، كانوا يعتمدون على "الشفاهية" لكن بعد مجىء الإسلام وصارت المنطقة جغرافيا حديث العالم راحت الكتب تبحث في تاريخ الأجداد، وبحثت عن أجداد العرب وعلاقتهم بسيدنا إسماعيل عليه السلام.
يقول كتاب البداية النهاية تحت عنوان "خبر عدنان جد عرب الحجاز"
لا خلاف أن عدنان من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، واختلفوا فى عدة الآباء بينه وبين إسماعيل على أقوال كثيرة، فأكثر ما قيل أربعون أبا، وهو الموجود عند أهل الكتاب، أخذوه من كتاب رخيا كاتب أرميا بن حلقيا على ما سنذكره.
وقيل: بينهما ثلاثون. وقيل: عشرون. وقيل: خمسة عشر. وقيل: عشرة. وقيل: تسعة. وقيل: سبعة. وقيل: إن أقل ما قيل فى ذلك أربعة، لما رواه موسى بن يعقوب عن عبد الله بن وهب بن زمعة الزمعي، عن عمته، عن أم سلمة، عن النبى ﷺ أنه قال:
" معد بن عدنان بن أدد بن زند بن اليرى بن أعراق الثرى".
قالت أم سلمة: فزند هو الهميسع، واليرى هو نابت، وأعراق الثرى هو إسماعيل، لأنه ابن إبراهيم، وإبراهيم لم تأكله النار، كما أن النار لا تأكل الثرى.
قال الدارقطني: لا نعرف زندا إلا فى هذا الحديث، وزند بن الجون وهو أبو دلامة الشاعر
قال الحافظ أبو القاسم السهيلى وغيره من الأئمة: مدة ما بين عدنان إلى زمن إسماعيل أكثر من أن يكون بينهما أربعة أباء أو عشرة أو عشرون، وذلك أن معد بن عدنان كان عمره زمن بخت نصر ثنتى عشرة سنة.
وقد ذكر أبو جعفر الطبرى وغيره أن الله تعالى أوحى فى ذلك الزمان إلى أرمياء بن حلقيا، أن اذهب إلى بخت نصر فأعلمه أنى قد سلطته على العرب، وأمر الله أرميا أن يحمل معه معد بن عدنان على البراق كى لا تصيبه النقمة فيهم، فإنى مستخرج من صلبه نبيا كريما أختم به الرسل.
ففعل أرميا ذلك، واحتمل معدا على البراق إلى أرض الشام، فنشأ مع بنى إسرائيل ممن بقى منهم بعد خراب بيت المقدس، وتزوج هناك امرأة اسمها: معانة بنت جوشن من بنى دب بن جرهم، قبل أن يرجع إلى بلاده. ثم عاد بعد أن هدأت الفتن وتمحضت جزيرة العرب.
وكان رخيا كاتب أرمياء قد كتب نسبه فى كتاب عنده ليكون فى خزانة أرمياء، فيحفظ نسب معد كذلك والله أعلم، ولهذا كره مالك رحمه الله رفع النسب إلى ما بعد عدنان.
قال السهيلي: وإنما تكلمنا فى رفع هذه الأنساب على مذهب من يرى ذلك ولم يكرهه، كابن إسحاق، والبخاري، والزبير بن بكار، والطبري، وغيرهم من العلماء.
وأما مالك رحمه الله فقد سُئل عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم فكره ذلك وقال له: من أين له علم ذلك؟ فقيل له: فإلى إسماعيل. فأنكر ذلك أيضا.
وقال: ومن يخبره به؟ وكره أيضا أن يرفع فى نسب الأنبياء، مثل أن يقال: إبراهيم بن فلان بن فلان، هكذا ذكره المعيطى فى كتابه.
قال: وقول مالك هذا نحو مما روى عن عروة بن الزبير أنه قال: ما وجدنا أحدا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل.
وعن ابن عباس أنه قال: بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون.
وروى عن ابن عباس أيضا أنه كان إذا بلغ عدنان يقول: كذب النسابون مرتين أو ثلاثا. والأصح عن ابن مسعود مثله.
وقال عمر بن الخطاب: إنما تنسب إلى عدنان.
وقال أبو عمر ابن عبد البر فى كتابه الأنباه فى معرفة قبائل الرواه): روى ابن لهيعة، عن أبى الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يقول: ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء عدنان، ولا ما وراء قحطان إلا تخرصا.
وقال أبو الأسود: سمعت أبا بكر بن سليمان بن أبى خيثمة، وكان من أعلم قريش بأشعارهم وأنسابهم يقول: ما وجدنا أحدا يعرف ما وراء معد بن عدنان فى شعر شاعر، ولا علم عالم.
قال أبو عمر: وكان قوم من السلف منهم عبد الله بن مسعود، وعمرو بن ميمون الأزدي، ومحمد بن كعب القرظي، إذا تلوا: { وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ } [إبراهيم: 9] قالوا: كذب النسابون.
قال أبو عمر رحمه الله: والمعنى عندنا فى هذا غير ما ذهبوا، والمراد أن من ادعى إحصاء بنى آدم فإنهم لا يعلمهم إلا الله الذى خلقهم
وأما أنساب العرب فإن أهل العلم بأيامها وأنسابها قد وعوا، وحفظوا جماهيرها وأمهات قبائلها، واختلفوا فى بعض فروع ذلك.
قال أبو عمر: والذى عليه أئمة هذا الشأن فى نسب عدنان، قالوا: عدنان بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام. وهكذا ذكره محمد بن إسحاق بن يسار فى السيرة.
قال ابن هشام: ويقال عدنان بن أد، يعني: عدنان بن أد بن أدد. ثم ساق أبو عمر بقية النسب إلى آدم. كما قدمناه فى قصة الخليل عليه السلام.
وأما الأنساب إلى عدنان من سائر قبائل العرب فمحفوظة شهيرة جدا، لا يتمارى فيها اثنان، والنسب النبوى إليه أظهر وأوضح من فلق الصبح، وقد ورد حديث مرفوع بالنص عليه، كما سنورده فى موضعه بعد الكلام على قبائل العرب، وذكر أنسابها، وانتظامها فى سلك النسب الشريف، والأصل المنيف، إن شاء الله تعالى، وبه الثقة وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة