تمر، اليوم، الذكرى الـ699، على رحيل الشاعر الإيطالى الشهير دانتى أليجييرى، أحد أعظم شعراء إيطاليا عبر التاريخ، وواحد من أهم شعراء العصور الوسطى، إذ رحل فى 14 سبتمبر عام 1321م، عن عمر ناهز 56 عامًا، ولعل أعظم أعمال "دانتى" كانت الكوميديا الإلهية المكونة من ثلاثة أقسام الجحيم، المطهر والفردوس، التى تعتبر بمثابة البيان الأدبى الأعظم فى العصور الوسطى فى أوروبا، وصاحبة الأثر الأكبر على العديد من المؤلفات الأدبية واللاهوتية.
رسالة الغفران
وبحسب العديد من النقاد والباحثين فإن "دانتى" تأثر فى كتابته للكوميديا الإلهية بكتاب "رسالة الغفران" لأبى العلاء المعرى، خاصة فى الخيال القرآنى، الذى كان أول من تحدث بتمثيلات مدهشة عن عوالم الجنة والنار، إضافة إلى الأدبيات الفقهية الروائية التى استقت منه واستفاضت فى تفسيره.
ووفقا لكتاب "مقاربة بين رسالة الغفران للمعرى والكوميديا الإلهية لدانتي" يبين عمر فروخ رأيه فى مسألة العلاقة بين دانتى والمصادر العربية، فيتأرجح بين موقفين أولهما: أن دانتى متأثر برسالة الغفران، وثانيهما تأثره بقصة المعراج بأسلوب تميز بالطابع الإنشائى، ثم يقول: "يقترب دانتى من لزوميات المعري، ولكنه اهتم بكتابه المشهور رسالة الغفران، وبنى عليه ملحمته المشهورة (الكوميديا الإلهية)".
وذلك من دون أن يثبت الصلة التاريخية بين المعرى ودانتي، ثم يقول فى موضع آخر: "رسالة الغفران تنتزع من دانتى فضل السّبق إلى موضوعه".
وأمّا جلال مظهر فى كتابه (مآثر العرب على الحضارة الأوروبيّة) ومحمّد غنيمى هلال فى كتابه (الأدب المقارن) فقد ذهبا إلى ما ذهب إليه بلاثيوس من تأثّر دانتى بالمصادر العربيّة الإسلامية، وفى ذلك يقول محمّد غنيمى هلال: "تأثّر دانته فى الكوميديا الإلهيّة بمصادر عربيّة".
أما لويس عوض فهو يطرح فى كتابه (على هامش الغفران) السّؤال التّالي: "هل اعتمد دانتى فى الكوميديا الإلهية على ما تعلّمه من قصّة المعراج وحدها، أو أنه كان على علم أيضا برسالة الغفران" وهو مقتنع تماما بأنّ دانتى قد تأثّر بقصّة المعراج أولا، ثم يرجح أن رسالة الغفران للمعرى كانت فى متناول يدى دانتي، وقد قرأها عن ترجمة لاتينية ضائعة، ويعزو ترجيحه هذا إلى "أن أوجه الشبه بينها وبين الكوميديا الإلهية أوضح ما يمكن أن يُنسب إلى محض الصّدفة أو توارد الخواطر بين الشعراء".