الكثير من علماء الأزهر فضحوا فكر الإخوان وإجرامهم فى حق الشعب المصرى، من بينهم الدكتور محمد جاد الحق، فربما لا يحظى إمام أزهرى فى العقود الأخيرة بما اقتنصه شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق على جاد الحق من قبول شعبى وإجماع واسع من العلماء والفقهاء وعوام الناس، حتى أصبح تجسيدا لدى البعض لاستقلال المنصب الدينى، ونزاهة الرأى والحجة.
وكان جاد الحق جادا فى آرائه ومواقفه، واضحا كالشمس وحادا كالسيف، هكذا تعامل مع زملائه فى العلم وداخل أروقة الأزهر، ومع الدولة ومؤسساتها، وهكذا أيضا سجل شهادته على جماعة الإخوان الإرهابية وانحرافاتها، التى رأى أنها وصلت إلى مستوى التخريب والفـتنة.
موقف الإمام الأكبر الدكتور جاد الحق على جاد الحق من الإخوان أعلنه بوضوح فى كتاب "بيان للناس من الأزهر الشريف"، قال فيه: ظهرت فى العشرينيات من مارس 1928 حركة تنادى بوجوب الاستغناء عن القوانين الوضعية، والعودة إلى القوانين الإسلامية، بحكم أننا دولة إسلامية، وأن تاريخنا الطويل منذ عهد الفراعنة ورسالة إدريس عليه السلام يقوم على الدين، وأن حضارتنا فى جميع عصورها مصبوغة بصبغة دينية، إلى جانب أننا كبشر لا يصح أن نستغنى عن هداية الله بهداية غير الله، تمسكا بالمادة الأولى فى دستور الحياة البشرية يوم أن أهبط الله آدم إلى الأرض.
وأضاف فى كتابه: "كانت هذه الحركة قائمة على الدعوة، وتهيئة الأذهان لقبول هذه الفكرة، وتهيئة المجتمع ليكون مجتمعا إسلاميا، ينتهى إلى أن تكون مصر بحكمها وشعبها بلدا إسلاميا بالمعنى الصحيح. وحين اهتمت هذه الجماعة بإصلاح القاعدة ولم تتعجل الحكم، اهتم بعض أفرادها، أو جماعة أخرى تستهدف هذه الغاية بالقمة، معتقدة أن الحكم الإسلامى قانونا وتطبيقا لا يعود إلا بالاستيلاء بسرعة على السلطة القائمة، وقتل الحكام الذين تربوا فى أحضان الاستعمار، لأنهم فى نظرها كفار بطريق مباشر أو غير مباشر، صراحة أو ضمنا، وكان من أثر هذا الاعتقاد انحراف فى السلوك، أدى إلى قتل واغتيال وتخريب وفتنة، راح ضحيتها أبرياء".
واستطرد الإمام الراحل جاد الحق على جاد الحق فى تعداد جرائم الإخوان وانحرافاتهم، وبحسب ما ذكره فى كتابه فقد أورد قائمة من الحوادث المقطوع بثبوتها فى حق الإخوان، وقال: "نسجل للتاريخ بعض هذه الأحداث فيما يلى: اغتيال رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى فى 1948، واغتيال رئيس جماعة الإخوان حسن البنا فى 1949 كرد فعل على اغتيال النقراشى، ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر سنة 1954، وقتل بعض طلبة الكلية الفنية العسكرية فى إبريل 1974، واغتيال الشيخ محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف فى يوليو 1977، وترتب عليه إعدام رئيس جماعة التكفير والهجرة وخمسة ممن عاونوه، واغتيال رئيس الجمهورية محمد أنور السادات يوم 6 أكتوبر 1981 مؤكدا فى كتابه أن تلك الحوادث وغيرها، من أهم مظاهر العنف التى ترتبت على التطرف الدينى فى الفكر والأسلوب، الذى اعتمدته جماعة الإخوان منذ نشأتها فى عشرينيات القرن الماضى".
ومن بين الشهادات التى تكشف فضائح فكر جماعة الإخوان، حيث انضم الشيخ محمد متولى الشعراوى، إلى جماعة الإخوان فى ثلاثينيات القرن الماضى، وكان خطيب التنظيم الأبرز، وكتب شعرا فى مدح مؤسس الجماعة حسن البنا، لكنه كما هو الحال مع كل سابقيه من أصحاب الرأى والوعى، خرج من التنظيم بعدما تأكد له انحرافه، وأن الإسلام لديهم لا يتجاوز الحناجر.
وكان إمام الدعاة قاطعا فى رأيه بشأن جماعة الإخوان الإرهابية، إذ قال نصا: إن أعدائى هم الشيوعيون والإخوان المسلمون، وبعدها بسنوات طويلة سُئل الشيخ الشعراوى عن رأيه فى حوار صحفى أجرته معه مجلة المصور، فأقر بقوله ولم ينكره، موضحا الأمر بالقول: الإخوان لا يسمعون الإسلام إلا من حناجرهم.. إن قام واحد ليقول فى الإسلام وليس منهم فلا يسمعون حديثه.
قصة الشعراوى مع الإخوان ثرية ومليئة بالتفاصيل والمحطات، عاينها الرجل بنفسه وعن قرب، فسمحت له أن يُكوّن وجهة نظره عن الجماعة بنفسه، نظرا لأنه كان عضوا بالتنظيم، ويقول الشعراوى فى واحد من آرائه: "فى 1938 أردنا الاحتفال بذكرى سعد باشا، إذ كنت أعتبر الاحتفال بذكراه احتفالا بذكرى وطنية، وألقيت قصيدة امتدحت فيها زعماء الوفد، فغضب حسن البنا، وبعدها فى جلسة مع مجموعة من الإخوان فيهم البنا، لاحظت أن الحاضرين يتحاملون على النحاس باشا، وفوجئت بأحد الحاضرين يقول: إن النحاس هو عدونا الحقيقى، أعدى أعدائنا، لأنه زعيم الأغلبية، وهذه الأغلبية هى التى تضايقنا فى شعبيتنا، أما غيره من الزعماء وبقية الأحزاب فنحن نبصق عليها جميعًا فتنطفئ وتنتهى! كان هذا الكلام جديدًا ومفاجئًا لى، ولم أكن أتوقعه، وعرفت أن المسألة ليست مسألة دعوة وجماعة دينية، وإنما سياسة وأغلبية وأقلية وطموح إلى الحكم، وفى تلك الليلة اتخذت قرارى بالابتعاد، وقلت: سلام عليكم، مليش دعوة بالكلام ده".
وهناك فصول أخرى فى قصة الشعراوى مع الإخوان، شاهدها بعينه وتحدث عنها ورواها بنفسه، تشمل خلافات الجماعة وإلى أى مدى يمكن أن تصل. ويقول عن هذا: رأيت بعينى عبد الرحمن السندى وهو يزق الشيخ حسن البنا ويكاد يُوقعه على الأرض، لولا تساند البنا على من كانوا يقفون خلفه، وكان ذلك فى مقر الإخوان بالحلمية، وكان الشعراوى رافضًا لانضمام ابنه سامى إلى الإخوان، وحذره منها، ويروى الحكاية بقوله: "سامى كان فى الإخوان، فقلت له بعدما شاهدت التحول الذى طرأ على الجماعة: أنت أخذت خير الإخوان، فابتعد وحجّم نفسك، لأن المسألة انتقلت إلى مراكز قوى، وإلى طموح فى الحكم، وفعلا سمع كلامى وابتعد، وما زال الإخوان متعشقين فى حكاية الحكم".
كما أنه من بين الشهادات التى تكشف فضائح فكر جماعة الإخوان هى شهادة الشيخ محمد الغزالى، حيث كان محمد الغزالى عضوا فى الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان، وعضوا فى مكتب إرشاد الجماعة خلال عهد المرشد الثانى حسن الهضيبى، قبل أن يستوثق من زيف دعاوى التنظيم، فيُقرر الانشقاق والخروج عليه، بل وكتب أكثر من مرة مُحذّرًا من الإخوان ومنهجهم، ومن أبرز ما كتبه فى الهجوم على الجماعة الإرهابية ما تضمنه كتابه الشهير "من معالم الحق فى كفاحنا الإسلامى الحديث".
فى كتابه الشهير، يقول الغزالى: "عزّ علىّ أن تتجدّد سياسة الخوارج مرة أخرى، وأن يُلعب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة، فيُلعَن أهل الإيمان ويُترَك أهل الطغيان. وبم؟ باسم أن القائد وبطانته لهم حق السمع والطاعة، بيد أن تعليم هذا الجنون كان أسلوب تربية وتجميع عند بعض الناس! أىّ إسلام هذا؟ ومَنْ من علماء الأولين والآخرين أفتى بهذا اللغو؟ وكيف تُلبسون الدين هذا الزىّ المنكر؟ وهيهات.. فقد تغلغل هذا الضلال فى نفوس الناشئة؛ حتى سأل بعضهم: هل يظن المسلم نفسه مُسلمًا بعدما خرج من صفوف الجماعة؟".
وأضاف الشيخ الذى تتمسّح الجماعة فى ردائه حتى الآن، متجاهلة ما خطّه فى فضح التنظيم وجرائمه: "يؤسفنى أن أقول إننى كنت إذا صارحت بأن للإخوان أخطاء، وجدت العيون تحمرّ، والوجوه تثبت، وكأنى كفرت، إنها عصبية عمياء، إنه لا حرج أبدا من اختلاف وجهات النظر، لكن لا يجوز لصاحب رأى ما أن يحسب نفسه المتحدث الرسمى باسم الله ورسوله، وأن من عداه خارجون على الإسلام، بعيدون عن الحق، قد تستطيع عصابة من الناس أن تخطف حكما بالاغتيال والنسف، أو بالاحتيال والعسف، بيد أن نسبة هذا الحكم لله حمق كبير".
وتابع: "من حق العقلاء أن يمقتوا الدين، وينبذوا تعاليمه، يوم يكون مرادفا لجمود الفكر، وقسوة الطبع، وبلادة العاطفة، ويوم يكون استيلاؤه على زمام الحياة عودة بها إلى الوراء، وتغييرا لفطرة الله. يومئذ لن يكون دينًا من عند الله، بل أهواء من عند الناس، ولن يكون السير عليه تقوى ومثوبة، بل معصية وعقوبة".
وكرر الغزالى هجومه الحاد على الجماعة الإرهابية فى كتابات عديدة، وروى عدة وقائع تفضح التنظيم وأفكاره ووسائله غير المستقيمة، أبرزها لقاؤه مؤسس الجماعة حسن البنا قبل اغتياله بيومين، وشهادته على ندم الرجل بسبب اشتغالهم بالسياسة، إذ قال فى كتابه "الغزالى السيرة والمسيرة": "القدر جعلنى ألقى البنا قبل أن يُقتل بيومين، وكنت أسكن فى درب سعادة، ومشيت إلى ناحية الاتجاه القبلى، فإذا البنا من درب الجماميز ذاهب إلى دار الشبان المسلمين، قابلته واحتضنته، وكأنّنى احتضنت شمّاعة ملابس، فأصبح نحيفًا جدًّا، أحس فزعى فقال: كيف حال إخوانك، وقال أسماء المعتقلين اسمًا اسمًا، ثم قال الكلمة التى ذكرتها فى بعض كتبى: ليس لنا فى السياسة حظ، ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت لعُدت بالإخوان إلى أيام المأثورات. وهذه تعطى فكرة للتيارات التى فرضت على الجماعة الاشتغال بالسياسة، فكانت تيارات عاصفة".
وشهادات علماء الأزهر التى تكشف جرائم الإخوان وانحرافهم كثيرة، من بينها شهادة الدكتور نصر فريد واصل، مفتى الجمهورية الأسبق، الذى كان له موقفا واضحا من جماعة الإخوان، أعلنه بوضوح بعد عزل محمد مرسى فى العام 2013، واعتصام أنصاره فى رابعة العدوية نهضة مصر، إذ طلبت منه الجماعة وقتها التوسط لحل الأزمة، لكنه اشترط عليهم بحسب روايته الاعتراف بخارطة الطريق، وبعد فض الاعتصام وأحداث المظاهرات والتخريب أعلن رأيه بوضوح.
وقال "واصل" فى رأيه الواضح عن الجماعة الإرهابية: "ما يحدث الآن من ادعاءات الدفاع عن الشرعية، بالخروج على الدولة بالعنف والمظاهرات والتعدى على الجيش والشرطة، يخرج تماما عن حدود الشرعية والشريعة والدين والدستور، لأن الإسلام يأمرنا بتحقيق الأمن، وشرعية الرئيس مدنية اكتسبها بانتخاب المواطنين له، وليست خلافة من الله، وعندما يخرج الشعب بسلمية ويطالب بتغيير الحاكم، فلا بد من أن يخضع الرئيس لهذه الإرادة التى أتت به، حتى لا تحدث فتنة ويقتل الناس بعضهم، وما حدث فى 30 يونيو هو نفس ما حدث فى 25 يناير، وكان يجب أن يخضع الرئيس لهذه الإرادة، ويعود للشرعية المدنية بإجراء انتخابات مبكرة، أو الاستفتاء على بقائه، لكنه أصر على موقفه، فأسقطه الشعب".
وأعلن مفتى الجمهورية الأسبق رأيه فى مظاهرات الإخوان بالقول: "ما يحدث فيها تعطيل للعلم والأمن فى الجامعات والشوارع، وكل هذا خروج وإفساد فى الأرض، فالتغيير يكون بطرق سلمية، وبالكلمة عن طريق الإعلام والصحافة ومنظمات حقوق الإنسان، ولا بد من أن يبتعد كل البعد عن العنف وتعطيل المصالح والكلمات الفاسدة والاستقواء بالخارج، لأن كل هذا يُعدّ خروجا على الإسلام، وإفسادا فى الأرض. وما يحدث فى الجامعات يؤكد أن الطلاب مغيبون، والذين يخرجون الآن عن الوسائل السلمية من طلاب جامعة الأزهر، التى تُعبّر عن وسطية الإسلام، يشوهون الأزهر والعلم الأزهرى أمام العالم، ويُلصقون تهمة الإرهاب بالإسلام، وهؤلاء الطلاب خانوا أمانة الدين والعلم وخانوا الله ورسوله".
وعن رأيه فيما يخص انطباق وصف الخوارج على الإخوان، قال واصل: "الخوارج خرجوا على الأمة، وعلى الشعب بمجموعه، والذين لا يسيرون على المنهج السلمى الذى ارتضته جموع الشعب فى خارطة الطريق التى تحدد المستقبل بطرق سلمية، وكل من يخرج على هذا ينطبق عليه وصف خوارج، فالخوارج يكون خروجهم عن الإجماع بالكلمة، وإن اقترن هذا الخروج بالسلاح والعنف فهو فساد فى الأرض"، وانتقد مواقف القرضاوى الداعمة لإرهاب الإخوان بالقول: أشعر بالأسف لمواقف الشيخ القرضاوى الخطيرة، ولم أكن أتوقع أن يقوم باستدعاء القوى الخارجية وتحريضها على الجيش المصرى، والتحريض على العنف والقتال وخروج الجنود على القيادات، وأرى أنه إما لا يدرك ما يحدث فى مصر لأنه لم يكن يعيش فيها، ولم ير الواقع والحقيقة، فهو مخدوع وتم التدليس عليه، أو أنه حكم واجتهد اجتهادا خاطئا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة