منذ 1379 عاما فتح الله على المسلمين مصر، وذلك فى عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ثانى الخلفاء الراشدين، وذلك بعد اقترح من عمرو بن العاص، بعد تمكن المسلمين من فتح الشام وبيت المقدس، وكان سقوط حصن بابليون "آخر معاقل الدولة البيزنطية" فى 16 أبريل من عام 641م، الموافق 22 هـ، إيذانا ببداية الدعوة الإسلامية فى مصر.
لكن ماذا دار حول فتح مصر بين ثانى الخلفاء الراشدين الفاروق عمر بن الخطاب، والقائد عمرو بن العاص؟ وهل رفض أمير المؤمنين فتح مصر؟ وما هى الأسباب التى جعلت الفاروق يتردد فى قبول الأمر؟
بحسب كتاب "الفاروق عمر" للمفكر والأديب الراحل محمد حسين هيكل، كانت مسيرة عمرو إلى مصر بإذن من عمر بن الخطاب، لكن عمر لم يأذن بهذا السير إلا بعد تردد طويل، فالمتواتر أن ابن العاص خاطب الخليفة فى غزو مصر حين فتحت بيت المقدس أبوابها، وبعد أن صالح أمير المؤمنين أهلها فى السنة السادسة عشرة من الهجرة، ولعل عمرًا قد ذكر فى حديثه يومئذ أن قائد الروم الأطربون انسحب بقوات الروم من فلسطين إلى وادى النيل، فمن الخير تعقبه وهو منهزم قبل أن تتاح له فرصة التحصن فى بلاد وافرة الخصب عظيمة الثروة؛ يستطيع أن يجد فى حصونها المنيعة وفى مِيرتها الوفيرة، من وسائل الدفاع وأسباب المقاومة، ما ينسى هرقل هزيمته وفراره من المدينة المقدسة، ولعل عمرًا ذكر كذلك فى حديثه ما تعج به مصر من خيرات ينال الروم أكثرها ولا يبقى للمصريين منها إلا القليل الذى يقيم أودهم ليعملوا فى أرضها المعطاء، ولعله أعاد هذه الأحاديث غير مرة على الخليفة، وعززها بأن علاقات مصر بحكامها من الروم ليست خيرًا مما كانت علاقة العراق بحكامها من الفرس؛ وأن النزاع المذهبى قد أثار على ضفاف النيل حفائظ المصريين وأضعف من حماستهم لحكامهم، إن لم يدعهم للتمرد عليهم، وهذه كلها عوامل تكفل للعرب الظفر بأعدائهم فى الوادى الخصيب، فإذا أضيف إليها ما استقر فى نفوس الناس لذلك العهد من بأس المسلمين ومن أن الله معهم فلا غالب لهم، لم يبقَ موضع للتردد فى غزو مصر ونشر لواء الإسلام فيها، ثم كان للمسلمين من ثراء مصر ومن خيراتها الوفيرة ما يضاعف حظهم من نعيم الدنيا، بقدر ما يضاعف الاستشهاد حين الجهاد حظهم من نعيم الآخرة.
وقد كانت أسباب متلاحقة حملت عمر على هذا التردد، وأول هذه الأسباب أن سياسته فى الفتح كانت إلى آخر السنة السابعة عشرة من الهجرة سياسة عربية بحتة؛ فهو لم يكن يريد أن يتعدى العراق والشام بعد أن ضمهما إلى شبه الجزيرة، وكان يرى أن يضمهما إليها؛ لأن القبائل العربية التى نزحت إليها طوعت للخميين والغسانيين أن يقيموا ملكًا عربيًّا خضع لنفوذ كسرى ولنفوذ قيصر، ومن الحق أن يكون هذا الملك للعرب وحدهم، يستقلون به ويكونون أصحاب السلطان فيه، حتى يجتمع العرب فى وحدة تمتد من خليج عدن والمحيط الهندى إلى أقصى الشمال من بادية السماوة، ولذلك أبى على سعد بن أبى وَقَّاصٍ أن يتخطى سهول العراق إلى جبل فارس، وود لو أن بين السواد والجبل سدًّا من نار، فلا يخلص الفرس إليه ولا يخلص هو إليهم، وقد ظل حريصًا على هذه السياسة حتى لم يكن للمسلمين من قتال الهرمزان مفر، فلما جمع الفرس لهم بعد ذلك بنَهَاوَنْد وأظفر الله المسلمين بهم، أمر عمر بالانسياح فى بلادهم ليخرج يَزْدَجِرْد منها، وليقضى على كل خارج عليه فيها.
وسبب آخر حمل عمر على التردد فى فتح مصر، ذلك أن الشام لم تكن خضعت كلها لسلطان المسلمين إلى آخر السنة السادسة عشرة، وقد بقى شمالها يناوئهم ولا يستقر لهم فيه أمر حتى قضى أبو عبيدة بن الجَرَّاحِ وخالد بن الوليد على مقاومتهم، وذلك حين بعث هرقل قواته تحملها السفن من الإسكندرية إلى أنطاكية، وحين خرج أهل الجزيرة يمدونه، ثم انتهى الأمر بهؤلاء وأولئك إلى الفرار، ثم إن قَيْسَارِيَّة ظلت فى موقعها الحصين على شاطئ البحر تقاوم قوات المسلمين وتهدد مراكزهم بفلسطين إلى أن افتضها معاوية بن أبى سفيان. لم يكن لعمر، وذلك كان شأن سورية وفلسطين إلى أخريات السنة السابعة عشرة من الهجرة أن يغامر بإرسال قواته من الشام لمواجهة الروم بمصر، أتراه يقدم على هذه المغامرة إذا فتح الله عليه الشام؟ كان يتردد فى هذا، وكان يجد من عثمان بن عفان ومن غيره من الصحابة المقيمين بالمدينة من يزيده دون الإقدام والمغامرة ترددًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة