دخل محمد إبراهيم كامل، وزير خارجية مصر، إلى السرير المجاور لسرير الدكتور بطرس غالى، وزير الدولة للشؤون الخارجية، فى منتجع «كامب ديفيد» بأمريكا، يوم 5 سبتمبر 1978، ولم يتكلما لبعض الوقت، ثم سأل كامل:«دخلنا كامب ديفيد بسلام.. ترى كيف سنخرج منه؟ يتذكر «كامل» فى مذكراته «السلام الضائع» أن «غالى» دخل فى سبات عميق ولم يرد على السؤال.
كان «كامل» و«غالى» ضمن الوفد المرافق للرئيس السادات للتفاوض مع بيجين، رئيس الحكومة الإسرائيلية، لتوقيع اتفاقية سلام، ويصف «غالى» طبيعة المكان، الذى فرض على الوفدين الالتقاء بطريقة غير تقليدية.. يذكر فى كتاب «ستون عاما من الصراع فى الشرق الأوسط»: «اكتشفنا كامب ديفيد، تناثرت أكواخ فردية مريحة للغاية.. كل شىء غير معتاد فى داخل المنطقة، كنا أحرارا نتحرك فى مناخ من الاستجمام التام، جعل من الممكن أن نتقابل بالصدفة، ونحن بملابس النوم أو فى أثناء ممارسة رياضة الركض، أوعلى الدراجة..لم نكن إطلاقا فى وضع مفاوضات تقليدية، كان السائد هو الفوضى مع الاستجمام.. كل ذلك خلق مناخا خاصا بعض الشىء، بدا غريبا لهؤلاء الذين تعودوا على التفاوض حول مائدة مع تدوين النقاط».
يذكر «غالى» أن علاقاته مع الوفد الإسرائيلى كانت ممتازة.. ويؤكد: «محمد كامل أصابه إحباط تام، وكان يرفض مقابلة أحد»، ويضيف: «كنا نحن أعضاء الوفد المصرى نتبادل الآراء فيما بيننا، ولكن ذلك ظل هامشيا، لم يكن السادات يبلغنا دائما بالمباحثات الخاصة، التى كان يجريها مع الرئيس الأمريكى كارتر أو مع وزير خارجيته «سايروس فانس»، أو مع مستشار الأمن القومى «بريجنيسكى».
كان واضحا أن اللقاءات التى نقوم بها مع الوفد الإسرائيلى لم يكن لها تأثير كبير على الاتفاق النهائى، حيث قام بصياغته ثلاثة أشخاص هم «كارتر، وأسامة الباز، وأهارون باراك».
يذكر «كامل» أنه اصطحب السفير أحمد ماهر«وزير خارجية مصر فيما بعد»، واجتمع مع فانس يوم 7 سبتمبر، مثل هذا اليوم، 1978 وكان بصحبته نائب الرئيس الأمريكى«والتر مونديل»، وقال «فانس»: إنه اطلع على مشروع «إطار السلام المصرى»، والموقف واضح بالنسبة للمستعمرات الإسرائيلية فى سيناء، وإنهم يتفقون معنا فى وجوب إزالتها، أما المستوطنات فى الضفة الغربية وغزة فإزالتها مشكلة كبرى، ولن يمكن التوصل بأى حال إلى موافقة إسرائيل على ذلك، لأن ذلك يهدد أمنها».. رد كامل:«هذه المستعمرات تشكل تعديا غير مشروع على الأراضى العربية المحتلة، وهذا العدوان المجسد قائم دون إزالة، وإما أننا سنتوصل لتحقيق سلام دون مشاكل تطيح به، أو لن ننجح فى تحقيقه على الإطلاق».
عقد السادات اجتماعا مع «كارتر» و«بيجين» فى نفس اليوم«7 سبتمبر»، وبعده توجه «كامل» وحسن التهامى وحسن كامل وبطرس غالى وأشرف غربال وأسامة الباز إلى مقر السادات، فحكى لهم ما دار بينه وبين بيجين حول المستوطنات الإسرائيلية فى سيناء، حيث أعلن بيجين أنه لن يتخلى عنها، وأن الحكومة والمعارضة الإسرائيلية لا تستطيع الموافقة على إخلائها، فأمن إسرائيل مقدس وحيوى بالنسبة للجميع، واقترح صيغة إبقائها تحت إشراف الأمم المتحدة مثلا، وأكد السادات أنه رد بعنف:«أرضنا مقدسة، لا هو ولا الشعب يقبل مستوطنة واحدة أو مستوطنا أو جنديا إسرائيليا على أرضنا».. وهدد بعدم التوقيع على أى اتفاق، ما لم تحل هذه المستوطنات جميعا.
أكد السادات أنه تصدى لحجج بيجين بالنسبة للضفة الغربية وغزة، من بينها قوله: إن موافقة إسرائيل على ما ورد فى المشروع المصرى بقيام دولة فلسطينية «إرهابية»، سيشكل خطرا قاتلا بالنسبة لهم، ويتعارض ذلك مع ما سبق أن أبلغه به كارتر والسادات نفسه من أنهما لا يؤيدان قيام دولة فلسطينية مستقلة، ورد السادات بأن ذلك صحيح، ولكن ما يشير إليه مشروع إطار السلام المصرى هو«دولة فلسطينية مرتبطة بالأردن وليست مستقلة، فضلا عن أنها يمكن أن تكون منزوعة السلاح».
أضاف «السادات»: إن بيجين رفض كل ذلك، لكنه هو «السادات» رد عليه بأنه لن تكون هناك تسوية بدون حل القضية الفلسطينية.. يذكر كامل: «قال السادات وهو يودعنا عند انصرافنا بلهجة يشوبها الافتخار: «كان نفسى تسمعوا كارتر وهو بيقول لى بعد انتهاء الاجتماع، لقد كنت تزأر مثل الأسد، وأنت تقول لبيجين أمامى أنه لا أنا- أى السادات- ولا أنت- أى بيجين- ولا الملك حسين، يستطيع المطالبة بالسيادة على الضفة الغربية وغزة التى هى من حق الشعب الفلسطينى وحده».
يعلق «كامل»: «راق هذا التشبيه للسادات، وكان كثيرا ما يردده فيما بعد للدلالة على شراسة وشدة بأسه فى التفاوض، وضراوته فى تمسكه بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة