بالتزامن مع محاكمة 14 إرهابيا متورطبن في هجمات شارلى ايبدو ومتجر هايبر كاشير اليهودى في فرنسا عام 2015، من خلال دعمهم لمنفذى الحادث وتسهيل جلب أسلحة مصنفى بـ"أسلحة حرب"، إرتفع اهتمام السلطات الفرنسية بالإرهاب وعاد على طاولة الأولويات وهو ما برز من خلال ردود أفعال المسئولين.
وتعد هذه المحاكمة هي الأولى من نوعها لهجوم إرهابي في فرنسا منذ عام 2017، والذي تم فيه الحكم في قضية الهجمات الإرهابية التي شنّها محمد مراح باسم تنظيم "القاعدة" في مدن تولوز ومونتوبان في مارس 2012، وأدت إلى مقتل 7 أشخاص بينهم 3 أطفال.
وفى السياق ذاته كشف وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانين، عن وجود أكثر من 8 ألاف شخص مسجلين حتى الآن في "ملف الإنذارات"، لمنع التطرف الإرهابي في البلاد.
وحذر دارمانين، في كلمة ألقاها خلال زيارته إلى مقر المديرية العامة للأمن الداخلي من أن التهديد الإرهابي "لا يزال مرتفعا للغاية في المنطقة"، موضحا أن "الخطر الإرهابي من جماعات متطرفة لا يزال يمثل التهديد الرئيسي الذي تواجهه البلاد ".
وقال جيرالد دارمانين:" إنه على الرغم من الهزيمة العسكرية لتنظيم داعش، فإن التهديدات الإرهابية الخارجية، حتى لو تضاءلت، ينبغي أن تظل موضوع اهتمامنا الكامل، لكن تبقى التهديدات الداخلية هي الأقوى والأكثر أهمية، وإن كانت تتغذى من دعاية الجماعات الإرهابية في الخارج، وخاصة من تجارب من قدامى المحاربين، ولكن أيضا من خلال العقيدة التي يسعى أنصار التطرف لنشرها في بعض أحيائنا ".
ويرى الباحث في العلوم السياسية بجامعة "باريس إست" رامي التلغ في حديث لـ"سكاي نيوز" أن وزير الداخلية الفرنسي "يشير ضمنيا إلى تنامي انتشار مجموعات الإسلام السياسي بشقيه الإخواني والسلفي في الأحياء الفرنسية، خاصة تلك التي تضم قطاعات واسعة من الجالية العربية والمسلمة".
ويضيف:" أعتقد أن التقرير الذي أصدره مجلس الشيوخ الفرنسي بداية يوليو الماضي، قد وضع يده على الجرح بعد الكشف عن أن مؤيدي الإسلام السياسي يسعون إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا من أجل مشروعهم التمكيني، ويغذون في بعض المدن نزعة انفصالية خطيرة. وقد كان التقرير واضحاً في اتجاه إدانة الحركات الإسلامية المتشددة التي تدعي أنها غير عنيفة ولا سيما السلفية منها والإخوان. وأعتقد أن ذلك قد دفع الحكومة الفرنسية نحو اتخاذ خطوات تصعيدية في مواجهة هذا التيار".
وكان رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستيكس قد أعلن في منتصف يوليو الماضي، عن وجود مشروع لإصدار قانون ضد "الحركات الانفصالية" لمنع "مجموعات معيّنة من الانغلاق ضمن مظاهر عرقية أو دينية".
وقال كاستيكس إن "العلمانية هي من القيم الأساسية للجمهورية، ورأس حربة الاندماج المجتمعي. لا يمكن لأي ديانة، أو تيار فكري أو مجموعة معينة الاستيلاء على المساحات العامة والنيل من قوانين الجمهورية".
ومن جانبه أوضح الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، في حوار له مع إحدى قنوات التلفزيون الفرنسي أول أمس، أنّ الإرهابيين فشلوا في تقسيم المجتمع الفرنسي من خلال الاعتداءات التي نفذت في يناير 2015، وأنهم لم ينجحوا في محاولتهم لتأجيج الكراهية الدينيّة والعنصرية، مشيرًا إلى أنّ ردّ فعل المجتمع الفرنسي "كان لافتًا".
كما أكد هولاند، في حوار آخر مع صحيفة "لاكروا" الفرنسية، على أهمية هذه المحاكمة بالنسبة للفرنسيين الذين لهم الحق في معرفة كل ما يخص هجمات 2015. فعلى الرغم من مقتل مرتكبي هذه الهجمات إلا أنه لايزال هناك متهمين قاموا بمساعدتهم ومدهم بالأسلحة.
واتساقا مع هذا السياق، تكثف الأجهزة الأمنية الفرنسية جهودها لمنع أي محاولات لإحياء نشاط العناصر الإرهابية بالنظر إلى قدرة هذه التنظيمات على إعادة تنظيم نفسها من جديد.
ووفقا لتقرير للأمم المتحدة في منتصف يوليو الماضي، فإن "الخطر الإرهابي على المدى القصير زاد في مناطق النزاعات وانحسر في مناطق السلام".
وتوقع فريق من المحللين وقوع استهداف المصالح الفرنسية خارج البلاد مع انحسار أعمال المتطرفين داخليا، موضحين أن منطقة غرب أفريقيا تشكل إحدى مناطق الخطر الرئيسية المستهدفة من قبل التنظيمات الإرهابية، حيث تقود القوات الفرنسية تحالف دول الساحل والصحراء منذ عام 2013، من خلال نشر 5100 جندي فرنسي لمحاربة الجماعات الإرهابية في المناطق الشمالية من مالي.
ويوضح المحللون أن أعمال العنف التي ترتكبها الجماعات المرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش" تصاعدت مع تدهور الوضع الأمني تدهورًا ملحوظًا العام الماضي، وزادت الأوضاع سوءًا بعد مقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، خلال عملية عسكرية فرنسية بشمال مالي في يونيو الماضي والتي أعقبها مقتل ستة فرنسيين عاملين في الحقل الإنساني في 9 أغسطس الماضي جنوب شرقي نيامي، في هجوم نفّذه مسلحون على دراجة نارية، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة