"الفيروس الصينى".. هكذا دأب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، على وصف كورونا طيلة الأشهر الماضية، مستندا إلى حقيقة ظهوره في مدينة ووهان الصينية، ليصبح إلصاق الفيروس الذى ساهم فى تأريق ملايين البشر حول العالم، ببكين جزءً من معركة شنتها الإدارة المنتهية ولايتها ضد "التنين"، والتي قامت في الأساس بسبب اختلال الميزان التجارى بين البلدين، مما دفع واشنطن إلى العديد من الإجراءات التى من شأنها إعاقة النمو الاقتصادى المتواصل الذى تحققه القوى الآسيوية البارزة، والذى بات تهديدا صريحا للعرش الأمريكى على قمة العالم.
ولعل إصرار ترامب على وصف الفيروس بـ"الصينى" فى الغالبية العظمى من خطاباته، يهدف في الأساس إلى إثارة حالة من الفزع بين دول العالم، من التعامل مع الصين، وذلك لتضييق الخناق بصورة أكبر عليها، فى الوقت الذى اتجهت نحوها العديد من الدول الأخرى، وعلى رأسها حلفاء واشنطن فى دول أوروبا الغربية، باعتبارها شريك محتمل، يمكن الاستعانة كبديل للولايات المتحدة، والتى لم تقتصر إجراءاتها الاقتصادية على بكين، وإنما امتدت بالتوازى على العديد من حلفائها، عبر فرض التعريفات الجمركية على الواردات القادمة منهم إلى الأسواق الأمريكية، لحماية المنتج المحلى، وتشجيع الصناعة فى الداخل.
وترجع ظاهرة انتساب الفيروسات إلى دول المنشأ، إلى عقود طويلة من الزمن، على غرار ما يسمى بـ"الأنفلونزا الإسبانية" والتي يعود تاريخها إلى أكثر من قرن من الزمان، حيث يرجع الربط بينه وبين إسبانيا إلى البريطانيين، غير أنه ليس من المؤكد ما إذا كان ذلك بهدف التشوية لأهداف تاريخية تعود إلى الصراع الكبير بينهما إبان الحقب الاستعمارية، أم أنه كان فقط للتمييز بين هذا النوع من "الأنفلونزا" وغيره من الأنواع الأخرى.
إلا أن الربط المتعمد بين الفيروس والصين، من قبل ترامب، يحمل نية التشويه دون مواربة، ليتحول الأمر إلى "سنة" في المرحلة المقبلة، مع ميلاد سلالة جديدة من كورونا، ولكن هذه المرة على الأراضى البريطانية، ليصبح لدينا نسخة جديدة "بريطانية" من الفيروس القاتل، وهو ما يفتح الباب أمام خصوم لندن، لاستخدام نفس السلاح في مواجهة الدولة، التي كانت أبرز حلفاء الرئيس الأمريكى المنتهية ولايته في أوروبا، في ظل التوافق الكبير بينهما في العديد من القضايا، وأبرزها مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبى "بريكست"، والذى اعتبره الكثير من المتابعين بمثابة "القشة" الأولى التي قد تقصم "ظهر" أوروبا الموحدة.
ففى الوقت الذى تسعى فيه الحكومة البريطانية نحو تحقيق أكبر قدر من الشراكات الدولية، لتعويض ما قد تخسره جراء "بريكست"، تأتى سلالة كورونا "بريطانية المنشأ"، لتكون بمثابة السهم الذى اخترق قلبها، وبيد أكبر حلفائها، في الوقت الذى ربما يحاول فيه رئيس الوزراء بوريس جونسون إلى إعادة توجيه بوصلة العلاقة مع واشنطن، مع تغير الإدارة، وقدوم جو بايدن إلى عرش البيت الأبيض، على حساب صديقه، والداعم الأكبر له، دونالد ترامب.
ويعد ظهور السلالة "البريطانية" من كورونا بمثابة اختبار صعب، للحكومة فى لندن، فى ضوء معطيات أبرزها النجاح المنقطع النظير لبكين، في احتواء "الفيروس الصينى" فى الداخل، لتتجاوزه عبر مد يد العون للدول الموبوءة سواء فى أوروبا أو غيرها في العديد من مناطق العالم.