مسألة نفقة الزوجة من المسائل التي تشغل آلاف الأسر بمختلف طبقاتهم حيث أن المحاكم تكتظ بالدعاوى القضائية المتعلقة بالنفقة الزوجية على الرغم من كونها حق مكتسب للمرأة من ناحية الشرع والقانون، وهي من الناحية الشرعية والدينية تعد بمثابة حق شرعي للزوجة واجب على زوجها، حيث يُجيز القانون حال امتناع الزوج عن الإنفاق على زوجته بغير حق شرعي، فإن للزوجة الحق الكامل فى أن تطلب من القضاء إجبار الزوج على الإنفاق عليها.
وتستحق الزوجة النفقة في القانون نظير حق احتباس الزوج لها على ذمته، ومن البين من نص المادة الأولى من القانون 25/1920على النفقة المستحقة للزوجة وتشمل - الغذاء والمسكن والكسوة ومصاريف العلاج بالإضافة لكافة المصاريف الأخرى - ومن المقرر أن نفقة الزوجية واجبة على الزوج شرعاً لقاء احتباسها عليه وأن النفقة للزوجة ديناً عليه في ذمته لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء طبقاً للمادة الأولى من القانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985وإذا توافر شروط الاستحقاق ، فهنا تستحق الزوجة النفقة مع يسار أو إعسار الزوج طالما كان قادرا على الكسب.
هل تجب نفقة الزوجة حتى لو كانت ميسورة الحال أو كانت تعمل؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع الضوء على إشكالية تهم ملايين الأسر تتعلق بالنفقة الزوجية تتمثل في الإجابة على السؤال هل تجب نفقة الزوجة حتى لو كانت ميسورة الحال أو كانت تعمل؟ وهل أيضاَ تجب نفقة الزوجة عند اختلاف الدين؟ وأيضاَ هل رغم يسار الزوجة لها الحق في إقامة دعوى لزيادة النفقة؟ وذلك في الوقت الذى تعد فيه النفقة بمثابة الركن الأساسى التي تقوم عليها الأسرة لذلك وجب على من تجب عليه أن يؤديها إلى أصحابها لما لها من أهمية في الحفاظ على الأسرة من التفكك أو الضياع في الفقر والحرمان وسؤال الناس، ولما لها من أهمية – بحسب الخبير القانوني والمحامى المتخصص في الشأن الأسرى معتز المهدى.
في البداية - من أدلة وجوب نفقة الزوجة على زوجها وأخذ القانون المصري برأي الأحناف في المسألة قوله تعالى فى كتابه: "لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً"، وفى قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ"، في هذه الآية دليل على أن للرجل فضل على المرأة، بالقيام بنفقتها – وفقا لـ"المهدى" .
نفقة الزوجة عند اختلاف الدين:
كما أن نص المادة الاولى من القانون 25/1920 جاء مطلقا ولم يفرق بين الزوجة المسلمة او غير المسلمة فى استحقاق النفقة بشرط ان تكون كتابية لان الشرع اوجب ان يكون الاحتباس بعقد زواج صحيح شرعا سواء كانت مسلمة او كتابية وجاء عن ابن عابدين لو طلبت نفقة عدة لألزمناه بها أي أنها تستحق نفقة ونفقة عدة، وعملية الإنفاق تأتى إذا كان الزوج غنياً مما آتاه الله على قدر غناه، وإذا كان فقيراً مما آتاه الله على قدر فقره، ويقول العلماء أن في هذه الآية الكريمة أمران:
الأمر الأول:
وجوب النفقة في قوله: "لِيُنفِقْ" فالنفقة واجبة بفعل الأمر.
والأمر الثاني:
أنها تتقيد بحال الرجل، إن كان غنياً، فينفق نفقة الغنى، فذو سعة من سعته، أي ذو الغنى من غناه، وذو الفقر من فقره، قال تعالى: "وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ".فهذه ثلاثة أمور:
1-وجوب النفقة.
2-على الغني على قدر غناه.
3-وعلى الفقير على قدر ما آتاه الله.
هل تجب نفقة الزوجة حتى لو كانت ميسورة الحال؟
تجب نفقة الزوجة على زوجها من تاريخ عقد الزواج الصحيح أو من تاريخ تسليم نفسها لزوجها ولو حكما، ولكن لو كانت الزوجة ميسورة الحال ولديها الكثير من مصادر الدخل هل في تلك الحالة تجب نفقتها على الزوج؟ لقد أجابت المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 المعدل بالقانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 هذه المسألة حيث نصت المادة الأولى منه على: "تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلمت نفسها إليه ولو حكما حتى لو كانت موسرة أو مختلفة معه فى الدين"- الكلام لـ"المهدى".
هل مرض الزوجة يمنع من استحقاقها للنفقة؟
في الحقيقة لا يمنع مرض الزوجة من استحقاقها للنفقة، بل بالعكس على الزوج أن يكون قائم بأمر زوجته بصورة أشمل وأعم حال المرض وهذا ما قرره الشرع الحنيف وتشمل النفقة الغذاء والكسوة والمسكن ومصاريف العلاج وغير ذلك مما يقضى به الشرع، ومن هنا نجد أنه يجب نفقة الزوجة على زوجها حتى وإن كانت ميسورة الحال أو أكثر يسارا من زوجها.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض وأن تصدت لتلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم 307 لسنة 65، حيث قالت في حيثيات الحكم: "النص في الفقرة السادسة من المادة الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 يدل على أن نفقة الزوجة في حالة وجوبها تعد دينا في ذمة زوجها كسائر الديون الأخرى من وقت امتناعه عن الإنفاق من غير توقف على قضاء أو تراض بينهما، ولا يسقط هذا الدين إلا بالأداء أو الإبراء فلا يسقط بالطلاق ولا بنشوز الزوجة اللاحق، إذ النشوز يسقط النفقة مدة النشوز فقط، فهو دين يقابل حقاً استهلك بالفعل, فمتى وجب والحال كذلك فإنه لا يقبل الاسترداد ولا يرد عليه الإسقاط".
والمقرر – قضاء هذه المحكمة – أن مناط وجوب النفقة للزوجة على الزوج هو قيام الزوجية بعقد صحيح، واحتباس الزوج اياها لاستيفاء المعقود عليه، ما دامت في طاعته ولم يثبت نشوزها، ولم يقم الدليل على وجود مانع لديها يترتب عليه فوات القصد من الزواج ودواعيه، ومحكمة الموضوع لها السلطة في تقدير النفقة والأدلة حسبها أن تبين الحقيقة التي اقتنعت بها وأن تقيم قضاءها على أسباب سائغه".
هل رغم يسار الزوجة لها الحق في إقامة دعوى لزيادة النفقة؟
وبما أننا خلصنا الى أن النفقة توجب على الزوج لزوجته حتى وإن كانت ميسورة الحال، ولكن هل رغم يسار الزوجة لها الحق في إقامة دعوى لزيادة النفقة؟ حيث أن الأصل فى الأحكام الصادرة بشأن النفقة أنها ذات حجية مؤقتة قابلة للتغيير والتبديل بحسب حال اليسر والعسر، وبالتالي يرد عليها الزيادة والنقصان بتغير الظروف، كما أن الأصل أن الأحكام الصادرة بالنفقة تدور مع الحالة المالية للملتزم بالإنفاق عسرا أو يسرا ومن ثم فانه يلزم لاستحقاق زيادة النفقة شرطان:
الاول:
زيادة الاحتياجات الخاصة بمن صدر حكم النفقة لصالحه وبحيث يكون المبلغ الذي سبق القضائية له لم يعد كافيا للوفاء بها.
والثاني:
أن تكون الحالة المالية للملتزم بالإنفاق قد ازدادت يسرا امتثالا لقوله تعالى: "لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما اتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما اتاها".ولقد عالج القانون رقم 25 لسنة 1920 المعدل بالقانون 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985 في مادته 16 على: تقدر نفقة الزوجة بحسب حال الزوج وقت استحقاقها يسرا أو عسرا على إلا تقل النفقة فى حالة العسر عن القدر الذي يفي بحاجتها الضرورية".
رأى محكمة النقض في زيادة النفقة للزوجة الميسورة
و هو ما آلت إليه أحكام محكمة النقض حيث جاء بها: "المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أن الأصل فى الأحكام الصادرة بالنفقة أنها ذات حجية مؤقتة لأنها تقبل التغيير والتبديل وترد عليها الزيادة والنقصان بسبب تغير الظروف ، كما يرد عليها الإسقاط بسبب تغير دواعيها ، إلا أن هذه الحجية تظل باقية طالما أن دواعي النفقة وظروف الحكم بها لم تتغير، وذلك إعمالاً لقاعدة الاستصحاب المقررة فى أصول الفقه الإسلامي من استبقاء الحكم الثابت على ما كان إلى أن يوجد دليل يغيره أو يرفعه، فالحكم بفرض قدر محدد من النفقة يعتبر مصاحباً لحال المحكوم عليه يسراً أو عسراً، حتى يقوم الدليل على تبدل الظروف التى اقتضت فرض النفقة، وكانت المتعة وفقاً لنص المادة 18 مكرراً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 تقدر بنفقة سنتين على الأقل بمراعاة حال المطلق يسراً أو عسراً وظروف الطلاق ومدة الزوجية .
لما كان ذلك - وكانت الطاعنة قد قدمت لمحكمة الموضوع الحكم الصادر فى الاستئنافين رقمى "...."، "...." لسنة 1996 شرعي الإسكندرية، بتعديل الحكم الصادر فى الدعوى رقم "...." لسنة 1994 شرعي جزئي الرمل بجعل النفقة المقررة للطاعنة مبلغ ألف جنيه شهرياً، وإذ لم يتقيد الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه فى تقديره للمتعة المقضي بها لها بذلك الحكم النهائي، وقدرها من تلقاء نفسها بمبلغ خمسمائة جنيه شهرياً دون أن تبين محكمة الاستئناف ما إذا كانت دواعي فرض النفقة بمقتضاها وظروف الحكم به وحالة المطعون ضده المالية قد تغيرت فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون، طبقا للطعن رقم رقم 345 لسنة 67.
رأى الدين في الأزمة
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال عبر الموقع الإلكتروني، نصه: "الزوج ملزم بالنفقة على زوجته حتى لو كانت ميسورة الحال أو تعمل؟"، وأجابت الإفتاء أن نفقة الزوجة واجبةٌ على زوجها وإن كانت تعمل إلا ما جرى به العرف على أن يكون من مال الزوجة، كثياب المهنة ونحوها، أو ما يتم الاتفاق عليه بين الزوجين من مساهمةٍ في النفقات.
وأشارت إلى أن وجوب النفقة على الزوج لزوجته ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع؛ لقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233]، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" رواه مسلم.
وقال الإمام ابن قدامة في "المغني": "وعلى الزوج نفقة زوجته؛ ما لا غناء بها عنه، وكسوتها، وجملة الأمر أن المرأة إذا سلمت نفسها إلى الزوج على الوجه الواجب عليها فلها عليه جميع حاجتها؛ من مأكول ومشروب وملبوس ومسكن"، ونص القانون المصري في مادته الأولى من القانون رقم 25 لسنة 1920م الخاص بتنظيم الأحوال الشخصية على أنه: "تجب النفقة للزوجة على زوجها من تاريخ العقد الصحيح إذا سلَّمت نفسها إليه ولو حُكْمًا حتى لو كانت موسرةً أو مختلفةً معه في الدين"، وانتهت الإفتاء بأن نفقة الزوجة تقدر على زوجها بالمعروف؛ وهو أن تُعطَى زوجةُ الموسرِ أو المتوسطِ نفقةَ أمثالهما، ولا تقِلُّ النفقة في حال الإعسار عن حدِّ الكفاية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة