تواصل الاحتفاء رسميا وشعبيا فى السعودية، بعميد الأدب العربى ،الدكتور طه حسين، فى اليوم الثانى لزيارته إليها، 16 يناير، مثل هذا اليوم، 1955، لرئاسته اجتماع «اللجنة الثقافية» لجامعة الدول العربية بمدينة جدة، وكان «هامش الزيارة» التى استمرت 19 يوما أهم من متنها، حسبما يؤكد الكاتب السعودى الدكتور حسن النعمى فى مقاله، «طه حسين فى السعودية بين المتن والهامش»، بجريدة «الشرق الأوسط، 21 يناير 2018..»، «راجع، ذات يوم، 15 يناير 2021».
فى «هامش الزيارة»، كان الاحتفاء الشعبى أشكالا وألوانا بقدوم «العميد»، يؤكد «النعمى»: «كان أكبره من الأدباء السعوديين، وكان بطريقة تظهر حاجتهم إلى الاعتراف بأدبهم، فهم يشعرون بخفوت صوتهم أمام نظرائهم، ويسعون إلى طلب التقديم لكتبهم، وإلى ذكرهم فى محافل الأدباء، فحقَّقت زيارته لهم ما لم يكونوا يحلمون به، فسعوا إليه سعىَ راغبٍ، وتوجهوا إليه توجهَ قاصدٍ، ونظروا إليه نظرة إكبار، فهو معلم، حيث يكون التعليم بيانا، وهو قدوة، حيث تكون القدوة منهجا، وهو أستاذ، حيث تكون الأستاذية فيضا من العلم والمعرفة، ولم يخذلهم طه حسين، حيث لبى دعوتهم، وأجاب عن أسئلتهم، وحاورهم مثلما حاوروه، غير أنه كان داعما أكثر منه مطلعا على أدبهم، ففى الوقت الذى يثنى فيه على التقدم الأدبى، كان يشير إلى ضعف الصلة، فكيف يستوى الثناء مع قلة المعرفة؟! والحقيقة أن الموقف احتفالى لا يحتمل قولاً آخر، فعدم المعرفة لا يعطل الثناء العام، الذى يصلح أن يكون مخرجا مريحا للطرفين».
يذكر زوج ابنته، الدكتور محمد حسن الزيات، ووزير خارجية مصر أثناء حرب أكتوبر 1973 فى كتابه «ما بعد الأيام»، أن طه حسين جلس فى مدينة جدة مع زملائه المصريين، وقال لهم: «وصلت قصائد كثيرة من الإخوة السعوديين، حقيقة هنا شعراء بارزون لم يلقوا حقهم من الشهرة وذيوع الصيت كما يقال، قرئت علىَّ قصيدة مطولة من مكة المكرمة، من إنشاء الشاعر طاهر زمخشرى، مطلعها: «تمد الدرارى بالسنا حين تسفر / وتبهر أرباب النهى حين تجهر»، وقصيدة من مكة المكرمة أيضا من الشاعر حسين عرب، فيها تعبير عن إحساس قومى عميق ودعوة متحمسة ليقظة العرب وتعاونهم جميعا للتقدم، يختتمها ببيت جميل خرج به الكرم فيه إلى المبالغة كما فعل صديقنا طاهر زمخشرى، من قبله، يقول فيها: «جرى فى الميادين سباقها / وقاد السفينة ربانها»، وأنا أستغفر الله لهؤلاء الشعراء ولنفسى لما أحسست به وأنا أسمعهم من الرضا، وإن كان الرضا إنما كان عن فنهم، وقد جاءتنى أبيات من الشاعر فؤاد شاكر، يقول فيها: «واقبل تحيات فتى شاعر / يلتمس الإغضاء عن شعره»، وليس فى شعره ولا شعر زملائه ما يستحق الإغضاء، فإن أكثر ما قرأت أو سمعت من الشعر هنا يستحق كما قلت الرضا والإعجاب».
يضيف «الزيات»، أن الأستاذ أمين الخولى، قال لطه حسين: «قدم إلىَّ أحد أعضاء الوفد السعودى، وهو الأستاذ على حسن غالى، قصيدة تحية وتقدير لكم أيضا، مطلعها: «حار فيك التقدير والتبجيل/ يا عميدا عماده التحصيل/ فعلى الرحب أيها العبقرى الفذ والعالم الكبير الجليل»، ويقول لى فيها: «يا أمين التدريس والبحث والتنقيب والمنهج الذى لايحول»، يعلق «الخولى»: «أحسست أنه جعلنى بهذا من علماء البحث عن الآثار».
يطلب طه حسين، من أمين الخولى، أن يقرأ القصيدة كلها، فيقرأها حتى يصل إلى الأبيات: «جمعتنا مشاعر الأمل الباسم يهفو له الغد المأمول/ سوف نحيا جميعنا وسنمضى فى ثبات وهمنا التذليل/ ننشر العلم فى الربوع ضياء إنما العلم للحياة رسول»، ثم يصل إلى ختام القصيدة، فيقرأ مديح الشاعر للعاهل المفدى سعود ثم لوزير المعارف الأمير فهد، فيقول: «ولنا فهدنا وزير الثقافات وقد لاح للثقافات جيل / ألمعى الفؤاد يحمى حمى التعليم، جم الفعال شهم أصيل/ عاش يمشى بنا إلى العلم فالعلم على جبهة العلا أكليل».
يعلق طه حسين: «أنا سعيد حقيقة بما يلقاه هذا الاجتماع العربى فى المملكة من إكرام من جلالة الملك، ومن سمو الأمير فهد وزير الثقافات كما يسميه الشاعر، وأسعدنى أن كل عضو من أعضاء اللجنة وهم من مختلف البلاد العربية، يحس أنه هنا فى بلاده وبين إخوانه».
يلتقط «الخولى» خيط الكلام، فيقول: «وجدنا هذا الشعور نفسه عند المصريين المقيمين هنا ومنهم البعثة الأزهرية»، يرد طه حسين، قائلا: «نعم قابلونا بالترحيب والفرح حقيقة»، يقول «الخولى»: الشاعر السعودى حسين عرب جعلكم من العدائين، ولكن الشاعر المصرى الشيخ محمد متولى الشعراوى عضو البعثة الأزهرية جعلكم من العدائيين ومن الحدائين».
وبدأ الكلام حول القصيدة التى كتبها الشيخ الشعراوى، تبجيلا وترحيبا بطه حسين.