"بعد معاناة طويلة قضيتها في السفر والغربة، تمكنت من شراء محل تجارى بـ(تحويشة العمر)، وبعد عودتي بعد غربة دامت 5 سنوات، قررت الاستقرار في بلدى مصر، وخططت لفتح مشروع صغير عبارة عن محل مأكولات سريعة، باعتباره المشروع الأقرب للنجاح في بلدتي (طنطا)، إلا أن المشروع لم ينجح، ثم قمت بتغير النشاط التجاري ولكن الأمر أيضاَ باء بالفشل، وبعدها رزقني الله بوظيفة محترمة، وقمت بتأجير المحل".. بهذه العبارات بدأ الحاج "على. ز"، 48 سنة، بمحافظة الغربية، سرد معاناته مع قانون الايجار القديم.
وتابع: "كنت مهتما بوظيفتي في تلك الفترة منذ 15 سنة، وكنت أقوم بتحصيل الإيجار أولاَ بأول، ثم اكتشفت أن المستأجر قام بتأجير المكان من الباطن دون استئذان منى بذلك، وعند اعتراضي على الأمر، رفض المستأجر الأصلي الاستجابة لى سواء بترك المحل أو بالعودة له دون يقوم بإيجاره لأخر بحجة استفادته من مبدأ (المساكنة) بالنسبة للمستأجر من الباطن، فقررت إقامة دعوى قضائية بالطرد بينما تدخل المستأجر من الباطن بالاستفادة من مبدأ المساكنة، فيما قضت المحكمة برفض دعوتي وقبول دعوته، ثم استأنفت الحكم لإلغائه إلا أن محكمة الاستئناف أيدت الحكم، ولم يعد لي سوى طريق الطعن بالنقض، فما هو الحل وما هي السيناريوهات المحتملة؟".
هل يستفيد المستأجر من الباطن من مبدأ المساكنة؟
وللإجابة على تلك الإشكالية – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض دانيال شفيق بسطا – أننا يجب أن نعلم أولاَ بأن المساكنة التي تنشئ للمنتفعين بالعين المؤجرة حق البقاء فيها بعد ترك المستأجر الأصلي للعين أو وفاته وجوب حصولها منذ بدء الإجارة مع عدم انصرافها إلى الأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى، كما أن المساكنة التي تنشئ للمنتفعين بالعين المؤجرة من غير المشار إليهم بالمادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المقابلة للمادة 21 من القانون رقم 52 لسنة 1969 حقاً في البقاء فيها رغم ترك المستأجر الأصلي العين أو وفاته تستلزم حضور المشاركة السكنية منذ بدء الإجارة.
المساكنة تنشئ للمنتفعين بالعين المؤجرة حق البقاء فيها بعد ترك المستأجر الأصلي العين أو وفاته
وبحسب "بسطا" في تصريح لـ"اليوم السابع" - ويقصد بتلك المشاركة السكنية الإقامة المستقرة المعتادة وانصراف نية المقيم إلى أن يجعل من هذا المسكن مراحه ومغداه بحيث لا يعوّل على مأوى دائم وثابت سواه، ومتى كان هذا الوصف لا يصدق إلاَّ على المكان المعد للسكنى فلازم ذلك أن حكم المشاركة السكنية لا ينصرف إلى سواه من الأماكن الأخرى المعدة لغير أغراض السكنى.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 631 لسنة 55 القضائية حيث جاءت الوقائع كالتالى:
على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعن أقام على المطعون ضدهما الدعوى رقم 5207 لسنة 1982 مدني شمال القاهرة الابتدائية بطلب الحكم بفسخ عقد الإيجار المؤرخ 1 مايو 1974 وإخلاء العين المؤجرة وتسليمها له خالية. وقال بياناً لدعواه إنه بموجب هذا العقد استأجر منه المطعون ضده الأول محلاً لنشاطه التجاري إلا أنه أجره من باطنه للمطعون ضده الثاني دون تصريح منه مخالفاً بذلك شروط التعاقد وأحكام القانون فأقام الدعوى بطلباته سالفة البيان. وأقام المطعون ضده الثاني دعوى فرعية بطلب إثبات استئجاره للمحل موضوع النزاع من الطاعن. أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق واستمعت إلى الشهود ثم حكمت برفض الدعوى الأصلية وبإجابة المطعون ضده الثاني إلى طلبه في الدعوى الفرعية.
وفى تلك الأثناء - استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف القاهرة بالاستئناف رقم 1047 لسنة 101 قضائية. بتاريخ 16 من يناير سنة 1985، ثم قضت المحكمة بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعن الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة مشورة حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
ومما نعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون وفي بيان ذلك يقول إنه أقام قضاءه على أن المطعون ضده الثاني كان مساكناً للمطعون ضده الأول في المحل المؤجر منذ بداية عقد الإيجار بما ينتفي معه التأجير من الباطن في حين أن حكم المساكنة لا ينصرف إلا إلى الأماكن المؤجرة لغرض السكنى فلا يشمل الأماكن المؤجرة لغير هذا الغرض مما يعيبه.
عدم انصراف المساكنة إلى الأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن هذا النعي سديد، ذلك بأن المساكنة التي تنشئ للمنتفعين بالعين المؤجرة من غير المشار إليهم بالمادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 المقابلة للمادة 21 من القانون رقم 52 لسنة 1969 حقاً في البقاء فيها رغم ترك المستأجر الأصلي العين أو وفاته تستلزم حضور المشاركة السكنية منذ بدء الإجارة ويقصد بتلك المشاركة الإقامة المستقرة المعتادة وانصراف نية المقيم إلى أن يجعل من هذا المسكن مراحه ومغداه بحيث لا يعوّل على مأوى دائم وثابت سواه، ومتى كان هذا الوصف لا يصدق إلا على المكان المعد للسكنى فلازم ذلك أن حكم المشاركة السكنية لا ينصرف إلى سواه من الأماكن الأخرى المعدة لغير أغراض السكنى.
لما كان ذلك - وكان الثابت من الأوراق أن الطاعن أجر المحل موضوع النزاع للمطعون ضده الأول بقصد استعماله في نشاطه التجاري وأقام دعواه بطلب الإخلاء على سند من تأجيره من باطنه للمطعون ضده الثاني دون تصريح كتابي منه وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على ما أورده بمدوناته من أن "المستأنف ضده الثاني - المطعون ضده الثاني - كان مساكناً للمستأنف ضده الأول - المطعون ضده الأول - منذ بداية الإيجار أي أن هذه المساكنة عاصرت بداية الإيجار ومن ثم تنتفي صورة التنازل عن الإيجار أو الإيجار من الباطن الذي ينسبه المستأنف - الطاعن - للمستأنف ضده الأول كذلك لا يسوغ القول بأن للمُساكن - المستأنف ضده الثاني - وهو ليس طرفاً في عقد الإيجار حقاً قبل المؤجر طالما بقى عقد المستأجر الأصلي قائماً ولا يحق للمستأنف ضده الثاني إلا أن يخلع على نفسه وهو المُساكن صفة المستأجر للمحل موضوع التداعي أو حتى لأي جزء منه".
وإذ كان البين من هذه الأسباب أن الحكم المطعون فيه طبق حكم المشاركة السكنية على عين النزاع المؤجرة لغير أغراض السكنى مما لا يجوز فإنه يكون قد خالف القانون بما يوجب نقضه دون حاجة لبحث السبب الثاني.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة